مواقف إيمانية في حياة الدعاة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مما يؤلم النفوس أن نجد من المسلمين من يعتريهم اليأس، ومنهم من ينادى بالعزلة، ويستحوذ عليهم القنوط، ويتمادى البعض في القعود والحياة في عالم الأماني والأحلام، وفي الأثر: «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قومًا غرتهم الأماني فخرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا نُحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأخلصوا العمل» (مسند الفردوس).

 

ولابد لنا من إحسان التلقِّي والفهم لهذا الحق، وإحسان العمل والتطبيق والتنفيذ، ونذكر في هذا الموطن مواقف لأسلافنا- رضوان الله عليهم- كيف تلقوا هذا الوحي، كما يتلقى الجندي الأوامر من قائده، ثم انطلقوا يعمرون هذه الدنيا بالسعي والجهاد، والعلم والعمل.

 

لقد تلقى الصحابة رجالاً ونساء هذا الدين كما ينبغي أن يُتلقى، فكان أحدهم لا يتجاوز عشر آيات حتى يحفظها ويفهمها ويعمل بها، وكان من آثار هذا المنهج في التلقي والتنفيذ في حياتهم تلك المواقف الرائعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، في سرعة الاستجابة، ودقة التطبيق والتنفيذ، نذكر جوانب منها:

 

1- عن أنس بن مالك قال: \"بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي دجانة ومعاذ بن جبل، وسهيل بن بيضاء، حتى مالت رءوسهم من الخمرº إذ سمعت مناديًا ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فما دخل علينا داخل، ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سُليم، ثم خرجنا إلى المسجد\" (تفسير ابن جرير، ج7).

 

2- وفي رواية بريدة قال: \"فجئت إلى أصحابي، فقرأتها عليهم (يعني آية تحريم الخمر)، وبعض القوم شربته في يده، شرب بعضًا، وبقي البعض في الإناء، فأراقوا ما في كئوسهم، ثم صبوا ما في باطيتهم- يعني في الأواني- وقالوا: انتهينا ربنا، انتهينا ربنا\" (المرجع السابق).

 

وهكذا انتهت قصة الخمر من المدينة ومن حياة المؤمنين إلى الأبد بعد أن سمع المسلمون من رسولهم –صلى الله عليه وسلم - يتلو عليهم آيات من القرآن، تمنع هذا الأمر وتحرمه، ونحن حين نسمع هذه المواقف، فإن قلوبنا تهتز لها، ومشاعرنا تتكيف بها، ونأمل أن تمتد هذه العزائم إلى واقع حياتنا...إن قيم الإيمان والعقيدة هي الأشد أثرًا، والأكثر عمقًا في النفوس.

3- وبآية واحدة كذلك اختفى السفور من حياة المؤمنات، وكما كانت الاستجابة لأمر الله عند الرجال المؤمنين، كانت أيضًا عند النساء المؤمنات، وكان للعقيدة سلطان عليهن، فعن عائشة أم المؤمنين، قالت - حين ذكر نساء قريش وفضلهن: \"إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا لكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل لما أنزلت في سورة النور: {وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 31) انقلب رجالهن إليهن، يتلون عليهن ما أنزل الله إليهن منها، يتلو الرجل على امرأته وابنته، وأخته، ومع كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مُرطها المرحل، فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتاب، فأصبحن وراء رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كأن على رءوسهن الغربان\" (تفسير ابن أبي حاتم، وتفسير ابن كثير ج3).

 

 4- إن تاريخ أسلافنا في العمل الصالح لهذا الدين ليعلمنا كيف يرتبط تاريخ الدعوات بالحركة، حركة الإنسان الفرد، وحركة الجماعة، وحركة الأمة، والحركة هنا بمثابة استجابة داخلية، مقرونة بعمل خارجي لنداء جاء من رب هذا الكون.

5- ونذكر في هذا الموقف، بعض الحكومات الحاضرة- كأمريكا- لقد أنفقت من أجل تحريم الخمر ملايين الدولارات، واستعملت كل وسائل الدعاية، وكل وسائل الإعلام لصرف الناس عن الخمر، كما فرضت الغرامات على المخالفين للقوانين، وكانت النتيجة زيادة غرام الأمريكان بشرب الخمر، وتحول الذين لم يجدوها إلى المخدراتº وهو ما جعل الحكومة تلغي قوانين التحريم، وتبيح الخمر مرة أخرى، وهذا هو الفارق بين المجتمعات المادية، وبين مجتمع الإيمان، الذي تزيَّن برداء الشرع، وسعد بالإيمان والتقوى، وكمال الطاعة لله رب العالمين، إنها شعلة الإيمان، وجذوة الحق تنير قلوب المؤمنين والمؤمنات، فيعيش الجميع للإسلام، ويسخرون كل طاقاتهم لخدمته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply