هكذا أنقذ الصديق رضي الله عنه الأمة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد أن أتم الله - عز وجل - نعمته علينا وأتمّ الدين ( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينا}المائدة3 اشتدّ الوجع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر ـ كما في البخاري ـ أبا بكر أن يصلّي بالناس، وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبسّم وهو يرى الناس يصلّون خلف أبي بكر - رضي الله عنه -، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - فرِح مطمئنّ لهذا الموقف، فخرج - صلى الله عليه وسلم - إليهم ففرحوا حتّى همّوا بترك الصلاة وهم يظنون أن الوجع قد رحل عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولمّا أحسّ المسلمون بالاطمئنان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن الصدّيق - رضي الله عنه - من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يذهب إلى زوجته التي كانت في (السنح) شرقي المدينة، إذ ليس هناك من يكفيها حوائجها سواه

 

وفاته - صلى الله عليه وسلم -

 وفي الضحى تُوفي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ الخبر الصدّيق - رضي الله عنه -، فجاء إلى بيت ابنته عائشة - رضي الله عنها -، فكشف عن وجهه - صلى الله عليه وسلم - وقبّله، ثمّ خرج إلى الناس وهم مضطربون، فخطب فيهم خطبته التي منها (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت) ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرٌّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعقَابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلَىَ عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران.

 فإذا كانت الرجال تُعرف بالشدائد، فوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أشدّ الشدائد التي مرت بها الأُمة فكان الصدّيق - رضي الله عنه - رجلها المناسب الذي أحسّ آنذاك أنه هو المسئول عن هذه الأُمة إحساس الأب بحاجة أبنائه إليه، فوقف وقفته التي رأيناها والتي لم يتمكن بل لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يقف موقفه، فكلهم يعلم أنه ليس لهذا الموقف سوى الصدّيق - رضي الله عنه -، لينقذ الأُمة من أول هزة تعترضها بعد وفاة قائدها ورسولها - صلى الله عليه وسلم -.

 

في السقيفة:

وفي هذه الأثناء ـ كما في البخاري ـ اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة يتشاورون، فسار إليهم الصدّيق والفاروق وأمين الأُمة أبو عبيدة - رضي الله عنهم - أجمعين، فدار الحوار بينهم، وكان مما قاله الصدّيق - رضي الله عنه – لهم: (نحن الأُمراء وأنتم الوزراء) وفي مسند الإمام احمد أن الصدّيق - رضي الله عنه - ذكر لهم قول الرسول- صلى الله عليه وسلم - (قريش ولاة هذا الأمر), ومما قاله أيضاً: (إن الله سمانا (الصادقون) وسمّاكم (المفلحون) إشارة منه إلى قوله - تعالى -{لِلفُقَرَاء المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيارِهِم وَأَموَالِهِم يَبتَغُونَ فَضلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبٌّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ (9)) سورة الحشر.

فانظر كيف استطاع - رضي الله عنه - بحكمته وبحنكته أن يلمّ شتات الأمر من دون أن يدع ثلمة في قلب أحد لتتمّ على إثرها البيعة للصديق - رضي الله عنه -.

 

جيش أسامة - رضي الله عنه-

فكان أول ما قام به - رضي الله عنه - هو إرساله لجيش أسامة - رضي الله عنه -، وهو الجيش الذي عقد لواءه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته، فقال له عمر - رضي الله عنه - (كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك؟! )، فأجابه الصدّيق - رضي الله عنه -: (لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة ما رددت جيشاً أنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وكانت كثير من قبائل العرب قد ارتدت وامتنعت عن أداء الزكاة بل إن بعضهم ادّعى النبوة كالأسود العنسي, ومسيلمة الكذّاب، فتكلّم الصحابة معه ليتألف قلوبهم فقال لهم - رضي الله عنه -: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدّونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة) رواه احمد.

وقد اشتمل إرساله لجيش أُسامة - رضي الله عنه - على أمرين عظيمين:

 الأول : أن الجيش رسالة تحذيرية إلى العالم آنذاك بأن الإسلام لم يمت بموت نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فللإسلام رجاله الذين ربّاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 الثاني : أراد الصدّيق - رضي الله عنه - أن يعيد الثقّة في قلوب المسلمين ويُثبّتهم على ما تركهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا ينتكسوا بعده.

 وهاهو موقفه الأخير الذي تجلّى لنا فيها علمُه - رضي الله عنه - وبُعد نظره حينما حافظ على وحدة الشريعة الإسلامية فترك الزكاة لا يختلف عن ترك الصلاة، ولا محالة أن التهاون في الجزء سيكون إلى التهاون في الكلّ.

فرضي الله عن أبي بكر الصديق وعن صاحبة رسول الله أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply