« الرسوب » مصطلح غير تربوي

5.7k
2 دقائق
التصنيف:
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

مع نهاية كل عام دراسي يتطلع الجميع إلى نتائج طيبة للأبناء الطلاب والطالبات معًا ممثلاً في النجاح، غير أن هذا التطلع سرعان ما يتحول إلى عكسه تمامًا عند بعض الأسر ممثلاً في الرسوب، وما أدراك ما الرسوب حينما يحول صفاء وهدوء واستقرار بعض الأسر إلى كدر وحزن وألم وعض على أصابع الندم لمن أهمل في دوره تجاه أبنائه من الرعاية والمتابعة والاهتمام، ولأن الرسوب هو الذي يعنينا في هذا الصدد ليس من قبيل معرفة أسبابه، وإنما من حيث مفهومه ودلالاته اللغوية واستخداماته في الأطر التربويةº فإنه يمكننا القول إن كلمة «رسوب» مشتقة من كلمة رسب رسبًا ورسوبًا، ومنه الشيء نزل إلى أسفل أي استقر فيهº وأسفل هنا قد يكون قاعًا لإناء، وقد يكون مكانًا منخفضًا في ناحية من الأرض كمجاري الأودية أو الأنهار أو قيعان البحار التي ما إن تصلها الأشياء بفعل عوامل التعرية المختلفة إلا وتترسب فيها، وخصوصًا ما كان منها له صفة الركود أو الثبات كمفتات الصخور، أو تلك المخلفات الناتجة عن أصل نباتي أو حيواني، لتكون بذلك تربات جديدة.

من جهة أخرى تذكر بعض المعاجم اللغوية أن الرسوب يعني أيضًا الحلم، وجبل راسب أي ثابت وراسخ. فيما تشير بعض المصادر التربوية إلى أن هذه الكلمة تعني الإخفاق، وفي أحيان أخرى الفشل. وحتى تتضح الصورة الكاملة لما نحن فيه دعونا نوضح ما يلي:

في المسوغ اللغوي لكلمة «رسوب» نستشعر منه معاني الجمود والسكون وعدم الحركة، وهذا في اعتقادنا أنه لا يتناسب مع طبيعة الإنسان وتكوينه ككتلة من المشاعر والأحاسيس والحركة الدائبة في الذهن والجسم أو بهما معًا. كأن نقول رسب الإنسان وهو على هذه الصفة المعتبرة في أسفل أو قاع النهر، وللمرء أن يتصور هنا بأنه حتى في حالة مفارقة هذا الإنسان للحياة وهو غارق في المياه لا تجده مترسبًا وإنما يكون طافيًا على السطح حسب علمنا المتواضع البسيط، بينما يتجسد هذا المعنى في الجوامد، كأن نقول: رسب مكون الشاي في الإبريق ورسب التراب في أسفل الوادي. أما في المسوغ اللغوي لكلمة إخفاق فيتجلى العكس من ذلك تمامًا، كأن نقول: المعلم أخفق في تأدية رسالته التربوية، والطالب أخفق في دراسته أي لم يحقق النجاح المطلوب أو يصل إلى مبتغاه في الجانب الدراسي، والرجل أخفق في عمل أو نشاط معين أنيط به. وهكذا حيث تعني هذه الكلمة في المعجم اللغوي طلب حاجة ولم يظفر بها أي (ينالها أو يصل إليها) والتي من غير الممكن استخدامها في حالة الجوامد، كأن نقول مفتتات الصخور أخفقت في الوصول إلى الأراضي المنخفضة أو لم تظفر بما تريد.

أما بالنسبة لكلمة «فاشل» أو «فشل» والتي تأتي أحيانًا قرينة لكلمة راسب أو رسب حيث يستخدمها بعض «التربويين»، وكذلك بعض الآباء حين غضبهم في حالة رسوب أحد أبنائهم الطلاب على الغالب الأعم، فإنها تعني في اللغة التراخي والجبن، والشخص فشل عن الأمر أي: هم به ثم نكل عنه، وفي عمله أخفق فيه. وليس بالضرورة أن يمثل الفشل كل ما يمكن أن يتوافر في الطالب أو في أي إنسان آخر من قصور في القدرات أو الطاقات، فقد يخفق هذا الطالب في دراسته أو في جانب معين من جوانب حياته، وينجح أو يبدع في جانب آخر.

وهذا ليس موضوع خلاف على الإطلاق إذا ما أدركنا حقيقة السنن الكونية لله - عز وجل -، وحتمية التعاون الذي أراده الله فيما بين الخلق لإعمار الأرض وطاعته.


مقالات ذات صلة


أضف تعليق