ومن المعالم في تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه
الثامن عشر: الإقناع العقلي:
فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: إن فتى شابا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريباً قال: فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء [رواه أحمد].
إن هذا الشاب جاء والغريزة تتوقد في نفسه مما يدفعه إلى أن يكسر حاجز الحياء، ويخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - علناً أمام أصحابه، ولهذا أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - المربي المعلم أن لديه جانباً لم يدركه فيه أصحابه فما هو؟ لقد جاء هذا الشاب يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان قليل الورع عديم الديانة لم ير أنه بحاجة للاستئذان بل كان يمارس ما يريد سراً، فأدرك - صلى الله عليه وسلم - هذا الجانب الخير فيه، فما ذا كانت النتيجة: لم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيء.
التاسع عشر: استخدام الحوار والنقاش:
وخير مثال على هذا موقفه - صلى الله عليه وسلم - مع الأنصار في غزوة حنين بعد قسمته للغنائم، فقد أعطى - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، فبلغه أنهم وجدوا في أنفسهم، فدعاهم - صلى الله عليه وسلم -، وكان بينهم وبينه هذا الحوار الذي يرويه عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - فيقول: لما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنّ قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض [رواه البخاري (4330) ومسلم (1061)].
ففي هذا الموقف استخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الحوار معهم، فوجه لهم سؤالاً وانتظر منهم الإجابة، بل حين لم يجيبوا لقنهم الإجابة قائلاً:(ولو شئتم لقلتم ولصدقتم وصُدقتم).