بسم الله الرحمن الرحيم
منهج تربوي في معالجة ابن عباس لأهل الشك السائلين عما لا يعنيهم:
عن أبي اليقظان قال: «خرج رجل من أسلاف المسلمين يطلب علم السماء ومبدأ الأشياء ومجاري القضاء وموقع القدر المجلوب، وما قد احتجبه الله - عز وجل - من علم الغيوب التي لم ينزل الكتاب بها ولم تتسع العقول لها.
وما طلبه حتى انتهى إلى بحر العلوم ومعدن الفقه وينبوع الحكمة عبد الله بن عباس - رحمه الله -، فلما انتهى بالأمر الذي ارتحله إليه وأقدمه عليه قال له: اقرأ آية الكرسي، فلما بلغ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ, مِن عِلمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ}.
قال: أمسك يا ابن أخي فقد بلغت ما تريد، فقد أنبأك الله أنه لا يحاط بشيء من علمه، قال له الرجل: يرحمك الله إن الله قد استثنى، فقال: {إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ}.
فقال عبد الله: صدقت، ولكن أخبرني عن الأمر الذي استثناه من علمه وشاء أن يظهره لخلقه أين يوجد؟ ومن أين يعلم؟ قال: لا يوجد إلا في وحي، ولا يعلم إلا من نبي، قال: فأخبرني عن الذي لا يوجد في حديث مأثور ولا كتاب مسطور أليس هو الذي نبأ الله لا يدركه عقل ولا يحيط به علم؟ قال: بلى، فإن الذي تسأل عنه ليس محفوظاً في الكتب ولا محفوظاً عن الرسل، فقام الرجل وهو يقول: لقد جمع الله لي علم الدنيا والآخرة فانصرف شاكراً»(1).
عن أبي يقظان: «أن رجلاً من المسلمين أتى عبد الله بن العباس رحمة الله عليه بابن له فقال: لقد حيرت الخصومة عقله، وأذهبت المنازعة قلبه، وذهبت به الكلفة عن ربه، فقال عبد الله: امدد بصرك يا ابن أخي ما السواد الذي ترى؟ قال: فلان، قال: صدقت، قال: فما الخيال المسرف من خلفه؟ قال: لا أدري، قال عبد الله: يا ابن أخي فكما جعل لأبصار العيون حداً محدوداً من دونها حجاباً مستوراً، فكذلك جعل لأبصار القلوب غاية لا يجاوزها وحدوداً لا يتعداها، قال: فرد الله عليه غارب عقله، وانتهى عن المسألة عما لا يعنيه والنظر فيما لا ينفعه والتفكر فيما يحيره.
سئل عطاء عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: قل فيها برأيك، قال: «إني استحي من الله أن يدان في أرضه برأيي»(2).
----------------------------------------
(1) الإبانة 1 / 421 - 422.
(2) الإبانة 432.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد