هكذا علمنا السلف ( 82 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

منهج تربوي في معالجة ابن عباس لأهل الشك السائلين عما لا يعنيهم:

عن أبي اليقظان قال: «خرج رجل من أسلاف المسلمين يطلب علم السماء ومبدأ الأشياء ومجاري القضاء وموقع القدر المجلوب، وما قد احتجبه الله - عز وجل - من علم الغيوب التي لم ينزل الكتاب بها ولم تتسع العقول لها.

وما طلبه حتى انتهى إلى بحر العلوم ومعدن الفقه وينبوع الحكمة عبد الله بن عباس - رحمه الله -، فلما انتهى بالأمر الذي ارتحله إليه وأقدمه عليه قال له: اقرأ آية الكرسي، فلما بلغ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ, مِن عِلمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ}.

قال: أمسك يا ابن أخي فقد بلغت ما تريد، فقد أنبأك الله أنه لا يحاط بشيء من علمه، قال له الرجل: يرحمك الله إن الله قد استثنى، فقال: {إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ}.

فقال عبد الله: صدقت، ولكن أخبرني عن الأمر الذي استثناه من علمه وشاء أن يظهره لخلقه أين يوجد؟ ومن أين يعلم؟ قال: لا يوجد إلا في وحي، ولا يعلم إلا من نبي، قال: فأخبرني عن الذي لا يوجد في حديث مأثور ولا كتاب مسطور أليس هو الذي نبأ الله لا يدركه عقل ولا يحيط به علم؟ قال: بلى، فإن الذي تسأل عنه ليس محفوظاً في الكتب ولا محفوظاً عن الرسل، فقام الرجل وهو يقول: لقد جمع الله لي علم الدنيا والآخرة فانصرف شاكراً»(1).

 

عن أبي يقظان: «أن رجلاً من المسلمين أتى عبد الله بن العباس رحمة الله عليه بابن له فقال: لقد حيرت الخصومة عقله، وأذهبت المنازعة قلبه، وذهبت به الكلفة عن ربه، فقال عبد الله: امدد بصرك يا ابن أخي ما السواد الذي ترى؟ قال: فلان، قال: صدقت، قال: فما الخيال المسرف من خلفه؟ قال: لا أدري، قال عبد الله: يا ابن أخي فكما جعل لأبصار العيون حداً محدوداً من دونها حجاباً مستوراً، فكذلك جعل لأبصار القلوب غاية لا يجاوزها وحدوداً لا يتعداها، قال: فرد الله عليه غارب عقله، وانتهى عن المسألة عما لا يعنيه والنظر فيما لا ينفعه والتفكر فيما يحيره.

سئل عطاء عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: قل فيها برأيك، قال: «إني استحي من الله أن يدان في أرضه برأيي»(2).

 

----------------------------------------

(1) الإبانة 1 / 421 - 422.

(2) الإبانة 432.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply