بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
(قُل يعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لاَ تَقنَطُوا مِن رَّحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذٌّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِـيبُوا إِلَى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ. وَاتَّبِعُـوا أَحسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيكُم مِّن رَّبِّكُـم مِّن قَبلِ أَن يَأتِيَكُـمُ العَذَابُ بَغتَةً وَأَنتُم لاَ تَشعُرُونَ).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اليوم وبعد أن أقيمت صلاة العشاء في المسجد الذي بجوار منزلي، إذ بشاب في أوائل العشرينيات من عمره يمشي عن طريق (عكازين) حيث أن قدمه اليسرى مبتورة من أعلاها، ووضع العكازين في زاوية من زوايا المسجد، ثم جاء ووقف بجواري في الصف، وحين كنا نسجد أو نرفع من السجود الثاني إلى القيام، كان هذا الشاب تقريباً يقفز لكي يستطيع أن يسجد، وكذلك يقفز لكي يستطيع أن يهب واقفاً مرة أخرى، وطوال فترة وقوفه كان معتمداً على قدمه اليمنى فقط، ولم يجلس قط رغم أن الشرع أباح له هذا، وكان يترنّح يميناً ويساراً بين الفينة والفينة، لكي يحافظ على اتّزانه. لقد شغلني صبر هذا الشاب، وإصراره على إتمام الصلاة دون أن يثقل على أحد من المصلين، أو حتى يطلب المعونة من أحد، ولو فعل لوجد الكثير ممن تتهافت نفوسهم لمساعدته.
بعد الصلاة، لم أتمالك نفسي، فسلّمت عليه، والتزمته وقبلته، بل وبكيت.. لست وحدي وإنما كل من رأوه بكوا. كذلك لقد شعرت بمشاعر مختلطة من الشفقة والفخر والخجلº لقد أشفقت عليه، وعلى حرصه على الصلاة، وعلى إتمامها وكأنه سليم معافى، دون أن يستعين بمقعد أو أن يجلس على الأرض مثلاً، عجبت من حرصه على الوقوف في الصلاة، وهو المعذور المريض، وغيره من الأصحاء تجدهم واقفين أيضاً ولكن في طوابير السينمات والمسارح، وإن قلت لأحدهم تعال إلى المسجد وصلِّ لله وقم له خمس دقائق فقط، لتركك وولّى عنك مدبراً!!
وشعرت بالفخر به، فهو مفخرة لكل مسلم.. كم ديننا عظيم، وإنما تنتقل عظمة هذا الدين لمن يلتزم به، وشعرت بالخجل من نفسي، فنحن لو أصابنا خدش بسيط في أقدامنا لحنقـــنا، ولسخطنا ولتأففنا، ولو حاول أحدنا أن يقف على قدم واحدة لمدة خمس دقائق لما استطاع ذلك، فما بالك بمن يقيم كل صلاة على هذا الحال؟؟ لقد نظرت في عيني هذا الشاب، ولم أجد إلا الرضى بقضاء الله، والرضوخ لحكمه -سبحانه وتعالى-.
وعندما تحدثت إليه، قال أن ذلك ابتلاء، وأنه لفخر لي أن أُبتلى من الله -تعالى-، وأن ذلك الابتلاء كفارة للذنوب، فأنا في نعمة ولست في نقمة، فقلت له: صدقت، ولو أدرك الناس المعنى الذي أنعم الله عليك بفهمه، لتغيّر حال المسلمين..
إن هذا الإنسان مثال مشرف بحق، يستحق أن نقف عنده، ونتدبّر لما فيه من عبر وصور فلنحمد الله جميعا على نعمة الصحة. وأنت يا من ابتلاك الله بأي بلاء، سواء في نفسك، أو في مالك، أو في زوجتك، أو في أولادك.. يا من ابتلتِ بعدم الإنجاب، أو بفرقة الأحباب، أو فقد الأصحاب، فلتصبر ولتصبري فإن الابتلاء هي سنّة الله في خلقه، فلقد قال الله -تعالى- في سورة الملك: {الَّذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيٌّكُم أَحسَنُ عَمَلاً}، وقال الله -تعالى- في مطلع سورة العنكبوت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ}، فتلك سنّة الله حتى يميز الخبيث من الطيب، الصالح من الطالح، الباكي من المتباكي..
فلنرجع إلى الله، ولنصبر، ولنعتبر..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
راائع
-فاتن
14:26:17 2016-08-14