صياغة القوة ( 6 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن جزءًا مهمًا من صياغة قوة الأمة يتعلق بتقليل الهدر من الطاقة المتوفرة الآن، والحقيقة أن أمة الإسلام وعلى مدار تاريخها الطويل كانت تبدي نوعًا من الارتباك حيال منع الانقسام الثقافي والاجتماعي الذي ينتج عن أي حركة حرة في أي مجتمعº وقد كان الإخفاق في تخفيف التوتر الاجتماعي يؤدي إلى الاقتتال الداخلي والاحتراب الأهلي في بعض الأحيان، أما في أكثر الأحيان فإن هناك نوعًا من الحرب الباردة التي لا تكاد تتوقف على العديد من الأصعدة، وهذه بعض الملاحظات السريعة في هذا الشأن.

1- كثير من الأوقات والجهود يضيع هباء على مستوى أبناء الدعوة والصحوة بسبب الانشغال بأخطاء الآخرين، وتفنيد مقولاتهم، ومحاصرة نفوذهم، والكل يدّعي أنه من خلال جهوده، يحافظ على نقاء الإسلام وسلامة الوجهة العامة للدعوة...ونحن لا نحاسب الناس على نواياهم، ونعتقد أن معظم من ينشغل بالرد على إخوانه مخلص في مساعيه، ولا تنقصه الغيرة، لكن المشكل يكمن في منهج التعامل مع تعددية الرؤية والاختلاف الثقافة والبيئة والخلفية.

إن أبناء الصحوة الإسلامية في أي مجتمع مسلم باتوا يشكِّلون تياراً عريضاً للغاية، وصار لديهم بنى اقتصادية وتعليمية لا بأس بها، لكن تأثيرهم في نهوض مجتمعاتهم، لا يزال محدودًا وشيء من ذلك يعود إلى فرقتهم المنهجية والثقافية، وإلى المكايدات والمناكفات التي تجري بينهم، وإلى استغلال الخصوم لكل ذلك وتوظيفه في تشويه صورتهم وتفريق الناس عنهم وأعتقد أننا على هذا الصعيد في حاجة إلى أن نتشرب المفاهيم التالية:

أ - علينا أن نعترف بأننا نعيش حالة من الصدام بين أبناء الدعوات والحركات والتيارات الإسلامية، وأن هذه الحالة لا يمكن التخلص منها على نحو كامل، لكن يمكن أن نخفف الكثير من لأوائها وشرورها.

ب- الخلاف في وجهات النظر ليس شيئًا مقبولاً فحسب، لكنه شيء مطلوب، لأننا حين نحصل على خمسة حلول لمشكلة من المشكلات نكون قد ملكنا خيارات أكثر لمعالجتها، كما أن اختلاف الدعاة في تقويم الواقع وتشخيص العلل ووصف العلاج، يشبه عمل الأطباء، كما يشبه عمل الفقهاء، وكما أن من غير الممكن جمع هؤلاء وأولئك على رأي واحد في كثير من الحالات والمسائل، فإن من غير الممكن كذلك جعل المصلحين والدعاة والجماعات الإسلامية، يتفقون على رؤية واحدة لأوضاع الأمة، وعلى رأي واحد لأفضل الطرق لتحسينها.

جـ- إن أسوأ ما يمكن أن يجعل الاختلاف بين أهل الخير - ظالمًا وغير موضوعي- هو اتهام النيات، ومحاسبة الناس على مقاصدهم وخفاياهم. إن الله - سبحانه وتعالى - وحده هو الذي يعرف نوايا العباد ودوافعهم، وحين ندعي ذلك نكون قد تجاوزنا حدودنا إلى البغي والعدوان. ومن المؤسف أن كثيرًا من مجالس أبناء الدعوات، لا يكاد يخلو من اتهام الشيخ الفلاني أو الجماعة الفلانية بالوقوع في محظور، أو فعل ما لا يليق دون أن يكون هناك أي دليل أو برهان أو مستند! وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على نقص في الديانة وقلة في الورع، وعلى الذين يفعلون ذلك أن يتذكروا أن الله تعالى- سيسألهم عن ذلك وعن الآثار السيئة وأحيانًا المدمرة التي ترتبت على طعنهم في بعض الرموز والعاملين في الدعوة-.

د شيء آخر سيِّئ واسع الانتشار في بعض المجتمعات الإسلامية، هو الإسراف في (التصنيف)º فهذا الكاتب سلفي، وذاك صوفي، والثالث إخواني، والرابع تحريري، والخامس موالي للسلطة، والسادس متعاطف مع هؤلاء أو أولئك... ويفعلون مثل هذا مع أئمة المساجد والخطباء وأبناء الجماعات والعاملين في المؤسسات والمنظمات الخيرية والدعوية... والمشكل هنا أن كل أبناء جماعة يكوِّنون صورة ذهنية سلبية عن الجماعة المنافسة، وحين يريدون تشويه صورة أي إنسان، فيكفي أن يقولوا: إنه من جماعة كذا، وبعدها يفسِّر كل كلامه وكل تحركاته على ذلك الانتماء المزعوم! والمتربصون بكل أبناء الدعوات يصبون الزيت على النار، ويساعدون كل جماعة على تشويه سمعة الجماعات الأخرى، حتى لا يبقى في الساحة الإسلامية مرجعية موثوقة، ولا يبقى داعية، يمكن أن يقود أعمالاً إصلاحية كبرى. هناك أشخاص كانوا ينتمون في يوم من الأيام إلى جماعة من الجماعات، ومنذ عشرين سنة اختلفوا معها، وتركوها. وهناك أشخاص مازال على علاقة مع بعض الجماعات، لكن علاقاتهم شكلية، وهم على خلاف واسع مع جماعاتهم، أضف إلى هذا أن بعض الجماعات الإسلامية الكبرى تشتمل على مدارس وتيارات، وبينها العديد من التباينات على المستوى التنظيري وعلى مستوى الحركة والممارسةº وليس من الصواب تجاهل ذلك. حاسبوا الناس على أقوالهم وأعمالهم ومواقفهم، وليس على انتماءاتهم، فذلك أقرب للموضوعية وأقرب للتقوى، وأنفع للجميع.

هـ- نحن بشر، ونفوسنا ليست زكية بالقدر الكافي، لذلك فقد يحسد بعضنا بعضًا، وقد نحمل على بعضنا بعض الرواسب القديمة، وبعض الأحقاد، وقد نتحسس من بعض الأمور التي لا تستحق التحسس، وقد نسيء فهم بعض العبارات، وتفسير بعض التصرفات كما أن وعينا بالمناهج الدعوية التي تميزنا عن بعضنا ليس كاملاًº وهذا كله يؤدي إلى الجفاء والقطيعة والفرقة، والمطلوب أن نعترف بوجود كل ذلك، وألا نُلبس تضارب المصالح والمنافسة على مناطق النفوذ ثوب الخلاف المنهجي، و ألا نبالغ في الأمر، فنجعل زلة المنافس عبارة عن نكبة تحيق بالإسلام وأهله.

و- حتى نخفف التوتر، فنحن في حاجة إلى أن نعمق لدى الأتباع ثقافية التعاذر والتسامح والفهم المتبادل، ولنعلم أن مناهجنا مهما تباينت فلن تجد أحدًا من خارج ساحة الصحوة أقرب إلينا من بعضنا لبعض، ولهذا فلنتق الله في الأمانة المنوطة بنا، وفي أعراض المسلمين، ولنكن دائمًا ممن يجمع، ولا يفرِّق، ويقرِّب، ولا يباعد ويهدِّئ ولا يثير، فذاك خير وأبقى.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply