بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
يقول الله - تعالى -: {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} (الأنفال: 53).
التغيير... كلمة لها مدلول كبير، طالب بها الجميع، ولم يمارسها بذكاء إلا نفر قليل... إنها كلمة مدوية، عشقها العلماء وهام بها الجهابذة العظماء، ولم يفر منها إلا الحمقى والجهلاء، الذين رضوا بالدون، واستمرؤوا الذل والهون، وقبلوا أن يسطروا على هامش التأثير وفي ذيل القافلة.
لقد أثبت التاريخ أن الإنسان لا يمكن له أن يقيم حضارة أو يصنع مستقبلاً ما لم يغير من نفسه ابتداء، ثم يسير جاداً في طريق التغيير حتى يغير مَن وما حوله، وعندها سيجني الشهد، وإن لم يفعل ذلك فما له غير العلقم والحنظل.
إن عمر بن عبد العزيز غيّر من نفسه ابتداءً فأحسن التغيير، ثم بنى دولة إسلامية لم يشهد لها التاريخ من بعدها مثيلاً، فأمن الناس على أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم، وعزوا فلم يجرؤ أحد على إذلالهم، وفاض المال حتى لم يجدوا من يأخذه، وكل ذلك في سنتين لا غير!!.
وقد فر عبد الرحمن الداخل من الشام بعد سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين، فلم يرضه ما آل إليه أمره، فأبى إلا التغيير، فكانت العاقبة أن شيد ملكاً عظيماً في قعر بلاد النصارى، وأقام حضارة إسلامية دامت قروناً طويلة، أخرج الله بها الغرب من ظلمات جهلهم إلى علم سادوا اليوم به الدنيا.
وهرب الطفل الرضيع، صلاح الدين الأيوبي، مع أبيه وعمه وجميع أهله فاراً من القتل المحتم، وكاد والده أن يفتك به لما جاع فصاح وأوشك أن يكشف أمرهم في جنح الليل، لولا قدر الله - عز وجل - الذي حماه بيد عمه الذي أدخله صندوقاً فأسكته. ثم تمر سنوات ليست طويلة في عمر الأمم، وإذ بهذا الطفل الطريد يدخل بيت المقدس، فيكسر الصليب، ويرفع راية التوحيد، ويحدث تغييراً عجز أكثر من ألف مليون مسلم أن يحدثوه اليوم!!.
وهذا الرئيس الفرنسي جاك شيراك لما انتخب رئيساً لفرنسا وزار الولايات المتحدة الأمريكية تحدث في مؤتمره الصحافي فقال: \"من أربعين سنة كنت أعمل في مطعم هوارد جونسون، ولم أتخيل أبداً أنني في يوم من الأيام سأقف في البيت الأبيض إلى جانب رئيس الولايات المتحدة في مؤتمر صحافي\".
وكذلك مانديلا عاش ثمانية وعشرين عاماً في سجن جنوب أفريقيا، وكان يقود التغيير ويؤججه وهو في سجنه، حتى أخرجه حاكم جنوب أفريقيا مرغماً من سجنه، وأصبح مانديلا هو الحاكم، والحاكم السابق اليوم في طي النسيان، فيا للعجب!!.
والمرأة الحديدية تاتشر كانت بائعة مغمورة في أحد المحلات التجارية، وإذ بها بعد ذلك تصبح رئيسة لوزراء بريطانيا، فما الذي صنعت حتى أصبحت كذلك؟ أهو الجمود والتقاعس؟ أم هو التغيير والمبادرة والتصميم؟.
إن تغيير الذات يحتاج إلى قرار حازم وتصميم دائم، وقد سئل أحد الزنوج الأمريكيين، وكان مليونيراً، فقيل له: كيف أصبحت مليونيراً؟ فقال: بأمرين، ومن فعلهما فسيصبح مثلي، فقيل له: ما هما؟ فقال: الأمر الأول أنني قررت أن أصبح مليونيراً، والأمر الثاني أنني حاولت أن أصبح مليونيراً!!.
كما إن تغيير الذات يحتاج إلى عقلاء أذكياء، لهم همم عالية، لا يرضيهم الواقع المعوج، ولا يركنون إلى الحال الرديء، وإنما نفوسهم متعلقة في السماء، وهممهم كالجبال الشم الشامخات، وهم في حركة دائبة، لا يكل أحدهم ولا يمل.
إن العملية التغيرية علمية ذكية، إذ لم تعد مسألة خاضعة للمزاج، بل هي ضرورية للبقاء والمواصلة والتفوق والنجاح، فمن لا يتقدم يتقادم، ومن لا يغيّر بذكاء يفشل ويندم، ونجاح الأمس لا يعني نجاح الغد.
التغيير في القرآن الكريم
ورد التغيير في كتاب الله - تعالى - في المواضع التالية:
يقول الله - تعالى -: {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم}(الأنفال: 53).
يقول الله - تعالى -: {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وآل}(الرعد: 10-11).
يقول الله - تعالى -: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً}. (النساء: 116-119).
تمرين (حدد مفهومك للتغيير)
مصطلح)التغيير(مصطلح نتداوله كثيراً، بل نعيشـه كثيراً، وله مدلول معين في أذهاننا، ترى ماذا يعني)التغيير) بالنسبة لك، أو ما هو مفهومك الدقيق والشامل للتغيير؟
هل هو:
1- التنمية
2- التطوير
3- التحسين
4- الإصلاح
5- التجديد
6- التبديل
7- الانتقال من حالة إلى أخرى
8- جميع ما سبق
9- لا أوافق على ما سبق، ولكنه يعني لي ما يلي:
مفاهيم
التغيير هو: التحول من واقع معين إلى واقع آخر منشود خلال فترة زمنية معينة.
إدارة التغيير هي: استخدام الإمكانات البشرية والمادية بكفاءة وفاعلية للتحول من واقع معين إلى واقع أفضل منشود بأقل ضرر ممكن (على الأفراد والمنظمة) وأقصر وقت وأدنى جهد وأقل تكلفة.
تمرين (حقائق أم خرافات)
* أهم مدخل للتغيير هو التغيير التكنولوجي.
* الدوارات التدريبية كفيلة بإحداث التغيير المطلوب لسلوكيات العاملين.
* إن المعرفة والاقتناع بالصواب كاف لإحداث التغيير المطلوب.
* من الصعب تغيير العادات ومن المصعب جداً تغيير القيم.
* أفضل نمط لإحداث التغيير هو النمط الديمقراطي الذي يفوض فيه الرئيس كل سلطاته للمرؤوسين.
* الحزم والحسم هما أفضل شيء لمواجهة مقاومة التغيير.
* التغيير إرادة وإدارة في آن واحد.
* التغيير هو نتيجة (product) وليس عملية (process).
* المقاومة والمعارضة والنقد ألفاظ لها نفس المعنى.
* التغيير منحة وليست محنة، وإن بدا للوهلة الأولى بأنه محنة فإن عاقبته (غالباً) منح كثيرة.
* من المستحيل أن نفهم لماذا لا يتغير الناس أو لماذا يقاومون التغيير.
* القيادة القديمة يستحيل تغيير نمطها.
* أي تغيير سيؤدي إلى بلبلة وعدم استقرار.
* مقاومـة التغـيير أمر طبيعي في حياة البشر.
* الإنتاجية ستقل والكفاءة ستضعف مع أية محاولة للتغيير.
* عندما تحاول التغيير سينقسم الناس (في الغالب) إلى مؤيدين ومعارضين.
* القيادة العليا لا ينبغي أن تكترث بالمشاكل التفصيلية التي تنتج عن التغيير.
كيف أغير؟!
(رحلة التغيير والمحطات التسع)
المحطة الأولى: حدِّد مواطن الألم.
المحطة الثانية: حوِّل الألم إلى أمل.
المحطة الثالثة: ابدأ بنفسك.
المحطة الرابعة: حدِّد طريقة التغيير.
المحطة الخامسة: وفِّر مستلزمات التغيير.
المحطة السادسة: تعرَّف على قواعد التغيير.
المحطة السابعة: تعرَّف على المقاومة ثم روِّضها.
المحطة الثامنة: اكسب مزيداً من الأنصار.
المحطة التاسعة: راقب التغيير وعدّل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد