موت المدير


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في النقد الأدبي هناك أطروحة حداثية تنادي بموت المؤلف ولكن لا يوجد في أدبيات الإدارة الكلاسيكية أو الحديثة ما يشير إلى التوجه نحو المناداة بموت المدير.. إذن من أين أتى العنوان البوليسي أعلاه؟ هذا التصور (موت المدير) يوجد في التأطير والتنظير الإداري ويعتبر وجهة نظر قوية جداً عند تطبيق المفاهيم والأسس الإدارية في عالم الواقع خاصة وأن هناك بعض الحالات والأمثلة الإدارية التي شهدت إلغاء فعليا لوظيفة المدير فقد جاء في عدد من الدراسات والتجارب الإدارية أن الاعتماد على الحاسبات الآلية في المنشآت يلغي وظائف مديري الإدارات الوسطى من الهيكل التنظيمي وذلك بسبب تقصير المسافة بين الإدارة العليا والإدارات الأخرى في أسفل الهرم التنظيمي.

 

وتنادي الرؤى الإدارية الحديثة بضرورة تشجيع المشاركة وتنمية روح المبادأة والابتكار والاعتماد على الذات لدى العاملين حتى أن تصور وجود المدير الأمر الناهي الذي يسيطر على كل شئ يقف خلف كل ورقة وتوقيع لم يعد أمراً مستساغاً. أن الزيادة في المشاركة وفي درجة المبادرة الفردية والزيادة في درجة التفويض من أعلى إلى أسفل تعطي إمكانية للتفكير في مناخ تنظيمي تقل فيه درجة الاعتماد على المدير.

 

وهناك مسألة أخرى يجدر بنا أن نناقشها بحذر. فقد تحدث المنظرون الإداريون عن العلاقة بين الزيادة في الرسمية بمعنى الوضوح الكبير في الإجراءات والقواعد والقوانين التي تنظم العمل وبينت الزيادة في نطاق الرقابة ويعني ذلك الزيادة في أعداد المرؤوسين الذين يستطيع رئيس أو مدير واحد أن يشرف عليهم ويراقب أعمالهم. ونلاحظ هنا أن أهمية وجود المدير تخفت مع زيادة الوضوح في أساليب العمل بالنسبة للعاملين، فهل يعني ذلك أن الرسمية تدعم فكرة موت المدير؟ هذا التصور بعيد المنال لسبب رئيسي وهو أن العاملين مازالوا بحاجة لمن يفسر لهم الإجراءات والقواعد وأساليب العمل ويأخذ بأيديهم نحو الطريق الصحيح.

 

ومن ناحية أخرى برز في أدبيات الإدارة \"نظرية المؤسسة\" والتي تنادي بضرورة ترسيخ فكر المؤسسة والعمل المؤسساتي داخل المنشأة وليس فكر الفرد وعمل الفرد. ومن هذا المنطلق تستطيع المنشأة أن تعمل وتشتري وتبيع وتنجح بطريقة مؤسساتية قائمة على العديد من البرامج والإجراءات وقواعد العمل المحددة سلفاً والتي تستمر لفترة طويلة. وعليه لا تتأثر المنشأة بسفر مديرها ولا تموت بموته وهذا يفسر كون المنشآت أطول أعماراً من مؤسسيها. ولعل ذلك أيضاً يفسر كيف أن بعض المنشآت تكون ناجحة في ظل قيادات معينة وتظل ناجحة ومتفوقة بغياب هذه القيادات والسر في ذلك أن القائد الأول قد نجح في وضع أو أسس \"نظام عمل\" لا يتأثر بغياب فرد أو عدة أفراد.

 

نلاحظ أن الحاسب الآلي وجماعية العمل والمشاركة في الإدارة والفكر المؤسساتي تقلل من الاعتماد على المدير أو القائد مما يوحي بطرح عبارة \"موت المدير\" كفكرة جديدة في النظرية الإدارية.

 

هذا من حيث المنطق النظري أما في الواقع المعاش فإن المدير العام مازال يتشبث بالحياة ولا ندري فقد تحمل التطورات التكنولوجية في ما بقي من القرن العشرين أخبارا غير سارة للباحثين عن وظيفة\"مدير عام\".

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply