إدارة العقل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قدمت الدول والمجتمعات الخليجية نماذج عدة في النجاح الاقتصادي والتجاري والشخصي والتنموي، وهي نجاحات معتمدة أساساً على فرص اقتصادية توفرت، وإمكانات فردية ذاتية ونجاحات عصامية، والنموذج الخليجي ليس نادراً في العالم، ولكن النمو السريع والتحديث الذي دخلت فيه دول الخليج وضع عدداً كبيراً من أبناء الخليج أمام تحديات وفرص ربما كانت في كثافتها وحجمها أكثر من الدول الأخرى.

ظاهرة النجاح بالجهود الشخصية، وبناء الخبرات المتقدمة ذاتياً تشغل كثيراً من كتابات الغربيين، وقد أدت المعلوماتية الجديدة إلى نشوء فرص وتحديات كثيرة جداً أتاحت المجال للنجاح والإبداع بدون الوسائل والمداخل التقليدية التي استقرت عليها المجتمعات والدول منذ القرن السابع عشر (مرحلة الصناعة). فإضافة إلى المثال التقليدي والبديهي وهو (بيل جيتس) الذي ترك دراسته الجامعية في هارفارد ليشتغل ببرمجيات الكمبيوتر وينشئ شركة ميكروفسوفت أكبر شركة في العالم، وليمتلك أكبر ثروة فردية في العالم (سبعين مليار دولار) في فترة زمنية قصيرة يمكن سرد عشرات الأمثلة والحالات لطلاب جامعيين وشباب صغار أبدعوا ونجحوا في مجال الكمبيوتر، وحصلوا على ثروات كبيرة وفرص نادرة.

وقد صدر في بريطانيا كتاب (manage your mind) إدارة العقل من تأليف جيلان بتلر وتوني هوب، وترجم الكتاب ونشرته \"مكتبة جرير\" في الرياض، والكتاب يقدم تجارب وأفكاراً لتنمية الذات وامتلاك مؤهلات النجاح بأساليب شخصية ذاتية.

إن القاعدة الأساسية في الكتاب والتي تصدقها تجارب النجاح - جميعها أو معظمها - أن النجاح الشخصي يؤدي إلى النجاح في العمل، ومن المظاهر المزعجة والمقلقة التقدم في الإدارة والعمل الذي يرافقه فشل شخصي في التعامل مع الذات والعلاقات الأسرية والاجتماعية والحياة الخاصة والشخصية، فالمؤلف يبدأ بتأكيد المزاوجة بين علم النفس وعلم الإدارة، أو بتعبير أبسط: بين النمو الشخصي والعملي، أو بين المشاعر والفعل.

يبتدئ النجاح بلياقة عقلية يمكن أن يمتلكها الإنسان وينميها ويغير من نفسه وعاداته باتجاه أهداف صحيحة، والتغيير هو فلسفة النجاح، إذ إن البحث الدائم عن إجابة سؤال: كيف أغير من نفسي لأكون ناجحاً، أو لأتخلص من مشكلاتي؟ هي التي تحكم مسار النجاح والعمل.

يقدم بتلر وهوب ثلاثة شروط لتوجيه عمليات التغيير، هي: فهم الحاضر وعدم التهرب من الواقع، ولا تؤرق نفسك بالماضي، فالماضي لا يمكن تغييره، وتقبل المجهول بالنسبة للمستقبل، فالكثير من المستقبل خارج سيطرتنا، وعلينا بتقبل الشك والمجهول المشكوك فيه، وأن تتعلم كيف تواجه المستقبل بثقة.

وهناك حاجة إلى سبع مهارات أساسية للاحتفاظ باللياقة الذهنية، هذه المهارات تساعد على تحسين الحالة المزاجية والفعالية الذاتية، والتحسين يأتي بالممارسة والتجريب.

يقول لك الكتاب باختصار: إن هذه المهارات هي إدارة نفسك ووقتك، ومواجهة المشكلة، ومعاملة نفسك بطريقة سليمة، وامتلاك استراتيجية للتغيير وحل المشكلات، واستخدام المعرفة والإدراك لفهم الأشياء، وبناء الثقة بالنفس واحترام الذات، وتعلم كيف تسترخي وتروح عن نفسك.

سيجد القارئ أن معظم أفكار الكتاب مستمدة من منهجية وفلسفة وسطية، فالتطرف في العمل والجهد أو الكسل والترهل وضعف الإدارة كلاهما يؤدي إلى الفشل، والأفكار والتراث التقليدي الذي تمتلكه المجتمعات والشعوب يصلح جزء كبير منه قاعدة للعمل، فالروتين برغم سلبياته يمكن عند استخدامه بطريقة جيدة أن يوفر الوقت والجهد ويحقق عادات طيبة في العمل، ومن مداخل النجاح القدرة على إنجاز العمل بالوقت اللازم، والموازنة بين الاندفاع إلى العمل, والتمتع بوقت الفراغ، وتفتيت الأعمال الكبيرة إلى سلسلة من الأعمال الصغيرة.

ثمة فكرة قد تبدو جديدة لكنها جديرة بالاحترامº فمن أسباب الفشل لدى كثير من الأذكياء هي البحث عن الكمال والمثالية الشديدة، والكمال غالباً ما يكون مستحيلاً، ومن ثم فإن ربط الإنجاز به سيجعله أيضاً مستحيلاً.

يجد الكثيرون صعوبة في قول لا، ولكن عند التفكير بمتطلبات نعم من التزامات ووقت يجب تعلم قول لا، أو بتعبير أوضح معرفة الاحتياجات الحقيقية وعدم الاستدراج إلى أعمال أخرى ليست من ضمنها بسبب المجاملة والإحراج.

يحتاج حسم الأمور إلى مرة واحدة، ويحدث كثيراً أن نحسم المسائل ولكن لا نمضي بتنفيذها إلى النهاية فنحتاج إلى إعادة بحثها والتفكير فيها مرة أخرى، وفي ذلك هدر للجهد والوقت والموارد.

والمواعيد هي الأخرى تؤدي إلى تسرب, وترهل، ولكن يمكن ضبطها ببساطة إذا حدد لها بداية ونهاية، وبغير ذلك فإنها -وبخاصة في مجتمعاتنا الشرقية- يمكن أن تكون مصدر إعاقة وعطل كبير.

والدقائق التي تنفقها في تخطيط الوقت وتوزيع الأعباء توفر ساعات عمل كثيرة جداً، فترتيب الأولويات والأعمال وتوزيعها على الوقت المتاح أساس التقييم والعدل.

والمبدأ الأساس أننا نمضي أوقاتنا في الأشياء التي نعتقد أنها مهمة بالنسبة لنا وتحقق أهدافنا، فالسؤال الأول: ما هي أهدافنا؟ وما الأشياء المهمة لدينا؟ والإجابة بسيطة لكن أحداً لا يستطيع الإجابة عنها سوى أصحابها، فتلك مسألة لن يساعدنا عليها أحد، وبدون هذه الخطوة البسيطة سنمضي وقتاً طويلاً وربما معظم حياتنا لا ندري: ماذا نفعل؟ وماذا أنجزنا؟ وماذا بقي علينا لنفعله؟ وفي المقابل نستطيع بسهولة معرفة مستوى نجاحنا وموقفنا في طريق الإنجاز.

وأجندة العمل لا تستوعب أجندة الآخرين فيجب التأكد دائماً أن ما تقوم به من عمل ووقت هو في الموقع الحقيقي والصحيح لبرنامجك أنت.

يقسم الناس أعمالهم إلى مهمة وأقل أهمية، ولكن يجب أن تضع وقت الفراغ والجلوس مع عائلتك في الأنشطة المهمة والأولويات التي لا يجوز أن تتخلى عنها (الكلام لبتلر وهوب)، ولا تلزم نفسك بأداء الأعمال غير المهمة، واستخدم الوقت الفائض للأعمال قليلة الأهمية أو غير العاجلة.

والإدراك الواعي لمصادر الخطأ في التفكير هو المصدر الأساس لمعرفة كيف تحسن تفكيرك، وكلما ازداد تفكيرنا وضوحاً أصبحنا أفضل في الإنجاز وحل المشكلات، ولذلك يجب إجراء مراجعة مستمرة للافتراضات التي قد تضللنا ولأفكار الآخرين والارتباطات غير الصحيحة، والمعطيات الطارئة على العمل.

وقد كتب د. محمد الرميحي رئيس التحرير السابق لمجلة \"العربي\" الكويتية ذات مرة في مقال الشهر عن كتاب \"الإدارة الذاتية وعوامل النجاح الشخصي\"، واختار عنواناً لمقاله \"ما يغنيك عن جامعة هارفارد\" فإرادة النجاح والإنجاز أعمال يملك كل إنسان مؤهلاتها إذا أراد ذلك بالفعل، ولن تفيده أهم الجامعات إذا لم يمتلك هذه الخبرة البسيطة

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply