مشروع الرواية يشبه التنبؤ بالطقس


 

بسم الله الرحمن الرحيم

انتظر طويلاً..وهو يراقب بصمت شكوى المهتمين بالأدب الإسلامي من ندرة الروايات المحافظة التي لا تعزف على أنغام الجنس والمحرّمات..وبعد أن قطع مشواراً من العمر في قراءة ونقد وتعليم الأدب الإسلامي والإشراف على الرسائل الأكاديميّة، قرّر أن يضيف إلى المكتبة العربية روايات تجمع بين الإبداع والمتعة والسمو الأخلاقي.. ودبّ على أثرها النشاط في الحركة الأدبيّة المحليّة قراءة ونقداً لها.. إنه ضيف هذا الحوار الروائي الدكتور عبدالله العريني.

ما الفرق بين الراوي والروائي؟

الراوي يهتم بالدقة، وضبط الخبر وصحّته، أما الروائي فيصنع الخبر نفسه ويملؤه بالتخيل والتصويرº فالجانب الذاتي فيه ضروري ومهم لوجود الرواية، بعكس الخبر الذي لا بد أن يخلو تماماً من عنصر الذاتية، والمقارنة ليست لمعرفة الأهم والأفضل الراوي أم الروائي، فلكل مجاله الحيوي الخاص.

أيهما أخفّ وطأة، مشروع روائي أم مشروع بحثي؟

مشروع البحث أخف وطأة بكثير من مشروع الرواية الذي يشبه التنبّؤ بالطقسº فلا يعلم الكاتب في أي وقت ينهمر مطر الإبداع.

يُقال: إن أفراد المجتمع المحيط بالروائي هم مشروعات شخوص روائية، فهل تجسدت تركيبة أحدهم في شخصيات رواياتك؟

نعم، وهذا يصح في القصة القصيرة أيضاً، وإحدى قصصي القصيرة استوحيتها من أحد الأشخاص المحيطين بي، وقرأها ولم يعرف أنه هو بطل القصةº ربما لأننا دائما نرى الآخرين بغير العيون التي يرون بها أنفسهم.

أيهما أصعب في الرواية، مقدمتها أم خاتمتها؟

خاتمة الرواية أصعب بكثير من البداية، عند كل روائي بدايات لعدد من المشاريع الروائية، لكن النهاية لا تتضح إلا بعد أن يقطع شوطاً في رسم حركة الشخوص والأحداث. بالمناسبة بعض الكتّاب حين تصعب عليه صياغة النهاية يتركها بلا نهاية منطقيّة واضحة، وتأتي القراءة النقديّة من أحد أصدقاء الكاتب لتقول للقراء: إن الروائي أراد أن يجعل نهاية الرواية مفتوحة.. !! والروائي آخر من يعلم!

ما هو العمل الروائي الذي تمنيت أن تكون أنت كاتبه؟

أكثر القصص العالمية، قبل استفحال موجة الجنس، هي جديرة أن يتمنى أي كاتب أن يكون مؤلفاً لأحدها.

لنفرض أن أبطال رواياتك حاوروك كما حدث مع توفيق الحكيم، فماذا ستقول لهم؟

أنا أحاور أبطال رواياتي، ويحاورونني طوال كتابة الرواية. وكل واحد يريد أن يكون هو بطل الرواية دون الآخرين... لكنني أرفض ذلكº لأنني أحدّد مسبقاًً بطل الرواية تفادياً لتمرّد الشخصيات، و ضياع الحبكة الفنيّة.

دارت معظم أحداث الرواية الأولى في دينفر، والثانية في إندونيسيا، أليس في بلد الروائي مكان يحتضن الشخوص والأحداث؟

لكن شخصيات بلدي، ورائحة ترابها ممزوجة في كل واحدة من الروايتين، ففي (دفء الليالي الشاتية) الأبطال عبدالمحسن و أمل وراشد ووليد هم شخصيات سعوديّة من صميم هذا المجتمع الطيب، كل ما في الأمر أن ذلك المجتمع الصغير قد أصبح يتحاور في نطاق أوسع، وفي (مهما غلا الثمن) تقاطع كبير للحياة في المجتمع من خلال بيت سعودي أيضاً، وله حضوره القوي المؤثر في الرواية. المجتمع المحلي كان موجوداً ولم يغب أبداًً. كل الذي حدث تنوع في زاوية الرؤية، وأسلوب الطرح.

نجيب محفوظ صوّر البيئة الشعبية بدقة؟ هل الدكتور عبدالله العريني قادر على تصويرها بأمانة؟

بكل أسف، هذا هو الشائع، وهو أن نجيب محفوظ صوّر البيئة الشعبية أو الحارة الشعبيّة على وجه الخصوص بدقة. وأعتقد العكس تماماً فنجيب حين ركّز على موضوع الجريمة والجنس فقط في الحارة المصريّة حرم الرواية من التصوير الدقيق الحيويº لأن عالم المودة والبساطة والنخوة والتعاون في الأفراح، وفي المآتم، وعند المصائب والزحام التي يقترب فيها الإنسان من الإنسان، ويرتفع معدل الحميميّة في التعامل بقي غائباً عن اهتمامات نجيب محفوظ. وهل أنا قادر على تصوير البيئة الشعبيّة بأمانة؟ أرى أنا الموضوع لا يرتبط بإمكانيات الكاتب وقدراته، ولكنه يرتبط باهتماماته وميوله. عندما يصبح تصوير البيئة الشعبيّة هدفاً من أهدافي سوف يتضح لي مدى القدرة على ذلك أم لا.

أشعلت شمعة في المجال الروائي فاشتعلت عدة شموع، ولكن ظلام النقد لا يزال مخيماً، فهل ستشعل شمعة أو تحض على إشعالها؟

نعم: هذا هو الهدف، أن أشعل شمعة وأن أحضّ على إشعالهاº فذلك أفضل ـ بلا شك ـ من سبّ الظلام.

من أول من تحرص على إهدائه رواية جديدة من رواياتك؟

ليس شخصاً محدداً، لكنه كل من يشاركني الشعور بالحاجة إلى رواية تغنيه عن الاحتياج إلى الروايات المنحرفة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply