القصة الإسلامية أبرزت منزلة المرأة في الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

للقصص المترجمة خطرٌ عظيمº فهي تبث في قلوب أبنائنا وعقولهم فكرًا هدّامًا وحقدًا قاتلاً.

أدعو إلى ضرورة التمسك باللغة العربيّة الفصحى في أدبنا مع الحفاظ على جماليّته.

أُهيب بالمرأة الكاتبة أنّ ترسّخ مبادئ دينها وقيمة الأصيلة لتربية الأبناء على الفضائل الرفيعة، وبأقلامنا يعود الحق كما يعود بالسلاح!!

الأديبة الإسلامية الدكتور/ زينب بيره حكلي *الأستاذة بجامعة الشارقة في دولة الإمارات تتميز بثراء كتاباتها وتعدّدها، فهي تكتب القصة القصيرة، وقصص الأطفال، والمسرحيّة، والحديث الإذاعي، والترجمة الأدبيّة، والنقد وقد صدر لها أكثر من عشرين كتاباً، إضافة إلى المؤلفات المخطوطة، والأبحاث المنشورة، وهي بعد ذلك تحمل همّ الكلمة الطيبة، وتجاهد في نشرها، وقد التقيناها قبل أسابيع في العاصمة الأردنية، لنحاورها عن قضايا الفكر والأدب....

 

صورة المرأة في الأدب الإسلامي تحتاج إلى وقفات تجلوها، هل لنا أن نجلو معك هذه الصورة؟

من خلال اطّلاعي على النتاج القصصي للكتاب الإسلاميين أرى جوانب إيجابية، وأخرى سلبية، ولا أحب أن أذكر أسماء معينة دفعًا للإحراج، والفكرة هي الأهم:

1- الجوانب الإيجابية في القصة الإسلامية المعاصرة هي:

أ- أبرزت منـزلة المرأة في الإسلام وجوانب تكريمه لها.

ب- صوّرت سعادة المرأة العابدة المساندة لزوجها..

ج- تصوير ما تتعرض له المرأة من نكبات على يد المجرمين من الأعداء.

د- التركيز على مفاسد الحضارة الغربية.

 

2 الجوانب السلبية:

أ- غالت بعض القصص في معالجة مشاكل الزواج حتى شابهت كُتّاب الغرب في هجماتهم على الطلاق والتعدد والزواج من الكبار، وهذه الظواهر الثلاث، وإن كان الشرع لا يشجع عليها أو على بعضها إلا أنه سمح بها لظروف خاصة، ويبقى التطبيق محكومًا بالرقابة الإلهية، ولا يجوز المغالاة في التنديد بما يشابه مواقف الأعداء المغرضين.

ب- لا يجوز بأي حال تبرير العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة والظهور بمظهر المتعاطف مع المرأة الخليلة.

ج- بعض القصص بررت للمرأة المسلمة تصرّفات خرجت بها عن حدود الإسلام كرفع الحجاب والتبرّج من أجل قتل عدو.

لك كتابات جادّة في أدب الأطفال. كيف تطوّر هذا الأدب برأيك؟

هذا السؤال جوابه يستدعي صفحات طوالاً، وفي كتاب \"أدب الأطفال\" لأحمد نجيب حديث طويل عن هذا السؤال، والدارسون يربطون بين نشأة أدب الأطفال في البلاد العربية وبين البعثات الأجنبية التي أرسلها محمد علي باشا في القرن التاسع عشر إلى فرنسا، ويقولون: إن رفاعة الطهطاوي (1216-1290هـ / 1801-1873م) كان رائده في مصرº إذ تأثر بفن الأطفال عند الفرنسيين، وكذلك محمد عثمان جلال (1244-1316هـ) / 1828-1898م) الذي ترجم عن الفرنسية قصص لافونتين وسمى كتابه \"العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ\"، ولكنه عرّب قصصه ومصّر أسماءها، ومن قصصه حكاية \"الثعلب والعنب\" ثم كان محمد الهواري، فأحمد شوقي، ويرون أنه تأثر بلافونتين الفرنسي، و\"لافونتين\" هذا يذكر الفرنسيون أنه تأثر بقصص كلية ودمنة لابن المقفع، وهذا يدعو إلى القول بأن أدباءنا تأثروا بكليلة ودمنة، وكذلك بدوان (الصادح والباغم) للشاعر العباسي ابن الهبارية (من القرن 6هـ) الذي نظم أراجيز على غرار كليلة ودمنة، وقد نظم الشاعر النجدي \"أحمد بن علي بن مشرف\" (1215-1272هـ/ 1800-1856م) قصصًا للأطفال على غرار قصص كليلة ودمنة، وأراجيز ابن الهبارية، وكان ابن مشرف قد رأى ضرورة توجيه الصغار كما يُوجّه الكبار، وكان إمامًا، وقصصه هذه موجودة في ديوانه المطبوع، ولذا فإني أرى أنه الأسبق، وأنه رائد أدب الأطفال في بلادنا العربية، وليس رفاعة الطهطاوي، ولا محمد عثمان جلال أو غيرهما.

وأحب في هذا المجال أن أذكر للأديب المصري محمد سعيد العريان - رحمه الله - جهوده التي لا تنكر في مجال أدب الأطفالº إذ كتب القصص المدرسية ورحلات سندباد وقصة (العرب لا كريستوف كولومبس)، وفيها بث العقيدة والقيم الرفيعة والثقافة المتنوعة للأطفال إيمانًا منه بأن الطفل باني المستقبل، كما أحب أن أذكر لرابطة الأدب الإسلامي عنايتها بأدب الأطفال، وقد عقدت مؤتمرًا له في الهند، وسيعقد له مؤتمر آخر في الرياض أُعلن عنه.

كما أود الإشارة إلى خطر القصص المترجمة فهي تبث في قلوب أبنائنا وعقولهم فكرًا هدامًا وحقدًا قاتلاً، وقد قرأت قصة مغامرات بوراتينو فرأيت فيها من الصراع والحقد ما ينم عن نفسية الغرب، فضلاً عن أن العناصر الفنية فيها لم تتوفرº فقد حوت أكثر من موضوع وكثرت فيها الشخصيات حتى تجاوزت الخمسين، وكانت أسماؤها أشبه بالأسماء اليونانية الصعبة النطق.. وطفلنا العربي لا يستسيغ مثل هذه الأسماء، ولا يناسبه هذا الصراع الذي يوجّه الناشئة نحو الأحقاد غير المبررة.

 

*القصة الإسلامية تعاني من تعثر واضح، ما أسباب ذلك؟ وماذا أبدعت من قصص إسلامية؟

أرى أن أسباب تعثر القصة الإسلامية يكمن في الأمور الآتية:

أ) فنية القصة: فبعض كتابنا لم يدرسوا العناصر الفنية للقصة، أو لم يراعوها فيما يكتبون مما يسيء إلى جمالياتها، ويسبب لها النقد.

ب) الالتزام الإسلامي: لم تتضح النظرة الإسلامية عند بعض الكتاب إلى الكون والإنسان والحياة، وهذا يؤدي إلى وقوعهم في مزالق غير شرعية في المواقف أو في التعبير.

ج) ضعف الثقافة العامة، فكاتب القصة يجب أن يعرف تاريخ وما يجري حوله من حوادث ومعارفº ليساير ركب الحضارة بفكر إسلامي واعٍ, مستنير، كما أن عليه أن يعرف عدوه، وأن يوظّف ثقافته الواسعة لتحقيق مآربه من القصة.

د) اللغة والأسلوب لهما أهميتهما في القصةº إذ يجب أن تكون بالفصحى السهلة لا بالعامية، أو باللغة الثالثة التي تقبل القراءة باللهجة العامية أو الفصحى.

 

مسرحيتك \"ذات الصواري\" ما الذي تطرحه؟ وأين يمضي المسرح في الأدب الإسلامي؟

 حينما قرأت مقولة\" أعطني مسرحًا أعطك شعبًا\" ازدادت أهمية المسرح في نظري، أحببت من يومها أن أُدلي دلوي في هذا المجال، فحاولت كتابة مسرحية \"عبرة وعبرة\".

وأعددتها للتلفاز لتمثل، وهي الآن قيد الطبع، ثم كتبت مسرحية \"ذات الصواري\" وهي تتحدث عن محاولة معاوية بن أبي سفيان فتح جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط في عهد الخليفة عثمان بن أبي عفان رضي الله عنه-، والجهود التي بذلوها لترسيخ الإسلام في هذه البقاع من أرض الله.

وحبي للمسرح جعلني أكتب قصصي بأسلوب حواري، حتى النحو القصصي كان أشبه بالمسرح التعليمي، وقد مُثّل في إذاعة أبو ظبي، كما مُثّل في المسرح التعليمي في مدارس الشارقة كثير من قصص هذا الكتاب.

والمسرح في الأدب الإسلامي قليل ولكن رابطة الأدب الإسلامي غدت تنشر في أعدادها الأخيرة مسرحيات من مشهد واحد، وأرى ضرورة اهتمام الكتاب المعاصرين به بعد دراسة عناصره الفنية لما له من تأثير قوي، ولا يخفى أثر الحركة والصوت والألوان في القلوب والعقول.

 

للمرأة الأدبية دور فاعل في التأثير بنهضة المجتمع. ألا تزيدين هذا الدور إيضاحًا للقراء؟!

الرقي أو النهضة أخي القارئ وأختي القارئة- هو نشاط مادي ومعنوي معا، فأما الأول فيتمثل فيما نراه من مظاهر عمرانية كتشييد المدارس وبناء الجسور و... وأما الجانب المعنوي فيتمثل في حسن التعامل مع الله والعباد بالمنظور الإسلامي لا بالرؤية الغربية، وذلك في تطبيق الشرع، وإقامة المثل والقيم وفي العلم ونشره، فإن عملت
كل امرأة على ترسيخ مبادئ دينها وقيمه الأصيلة من خلال أدبها سواء أ كان قصة أم مسرحًا أم مقالاً، أم شعراً فإنها تكون قد ربّت أبناء الجيل على الأسس الحميدة والفضائل الرفيعة وتلك هي الحضارة.

وإذا كان بعض النساء جاهلات لا يتمكنّ من نشر الكلمة الطيبة، فإن الأخريات المثقفات من النساء المسلمات- وهن لسن بالقليلات - يحتجن إلى تنشيط وتذكير ليقدّمن جهودهن لترقية المجتمع على أسس سليمة، وأذكر لهن قصة الزبرقان الذي قال فيه الحطيئة:

 

دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

 

فشكاه إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال حسان الذي احتكم إليه الخليفة \"هذا أقذع الهجاء\"º وذلك لأنه احتقر من لا يبالي إلا بالطعام والشراب والكسوة، ولقد سمعت أن رجلاً ألّف كتابًا وهو يشرب قهوة الصباح، وليكن ما يكون هذا الكتاب، أليس فيه حديث عن أمور عرضت للناس وكان لهم فيها آراء وتأمّلات؟ ألا تستطيع المرأة الجالسة في بيتها أن تكتب مشاعرها تجاه إخوتها من المنكوبين والمنكوبات؟ لقد رأيت في التلفاز يومًا رأس مسلم يلعب به صربي حاقد كما يلعب بكرة القدم، فتأثّرت أيّما تأثر، ورحت أسطّر قصة (كرة من لحم)، وكذلك كان حال قصصي (وليدة سجن، والمتشرد الأنيق، ولاعقة الدم و... ).

إنني أهيب بكل ذات قلم أن تشرع قلمها في وجه الطّغاة، وأن تحكي للأجيال ما يجري على الساحة الإسلامية من مآس تقشعرّ لها الأبدان، ويندى لها جبين الإنسانية، وأن تعرض سير عظمائنا عرضًا مجيدًا يرفع الرأس شامخًا، وهذا التاريخ القديم والمعاصر أمانة بين أيدينا، وبأقلامنا يعود الحق كما يعود السلام، وإن الكلمة سلاح في معركة التحرير.

والله المستعان.

 

----------------------------------------

* د. زينب بيره جكلي سورية الجنسية من مواليد 1946م، حصلت على الإجازة في اللغة العربية من جامعة حلب 1970م، وعلى الماجستير من جامعة القاهرة- كلية دار العلوم في 1977م، وعلى الدكتوراه من جامعة بنجاب لاهور الباكستان، عملت في التدريس الجامعي منذ 1988م في كلية الدراسات الإسلامية في دبي، حتى 1999م ثم في جامعة الشارقة كلية الآداب والعلوم قسم اللغة العربية وآدابها من العام الدراسي 1999- 2000م ولا تزال على رأس عملي إلى الآن.

لها العديد من المؤلفات والأبحاث والإبداعات القصصية المطبوعة، عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية- فرع الرياض منذ 1977م، وفي جمعية حماية اللغة العربية في الشارقة منذ 2001م.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply