تأملات حول قضية الرواية الآثمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

في جرأة عجيبة على مقدسات الأمة وفي وقاحة منقطعة النظير أعادت وزارة الثقافة في مصر نشر رواية آثمة بعنوان (وليمة لأعشاب البحر)، لواحد من أولئك الذين يبتغون نيل الشهرة بالتهجم على دين الله والتجرؤ على ذات الله - سبحانه - ورسوله الكريم.

 

والرواية مليئة بالكفر الصريح، كما أنـها حافلة بالألفاظ الجنسية البذيئة، وشخصياتـها تدعو صراحة لنبذ الدين وتتعدى على ذات الله - عز وجل - وتسخر من كتابه الكريم ورسوله الأمين.

 

ولقد أثار ذلك العمل الخسيس ثائرة الغيورين من أبناء الأمةº فتصدوا لتلك الرواية مبينين ما تحويه من العهر والكفر المبين، وقامت جريدة الشعب القاهرية (جريدة حزب العمل) بدور رئيس في هذا الأمر فحملت على تلك الرواية وناشدت الأمة الوقوف في وجه من سمح بنشرها، واستجاب لهذا النداء طلاب وطالبات جامعة الأزهر فخرجوا متظاهرين منددين بتلك الرواية مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن نشرها وعلى رأسهم وزير الثقافة فاروق حسني.

 

من جهته تصدى النظام المصري لمن اعترضوا على نشر تلك الرواية حيث قامت أجهزة وزارة الداخلية بقمع مظاهرات طلاب الأزهر بوحشية شديدة فأطلقت عليهم القنابل المسيلة للدموع والرصاصات المطاطية وكانت حصيلة ذلك القمع إصابة أكثر من ثمانين طالباً وطالبة منهم خمسة عشر طالباً إصابتهم خطيرة وبعضهم أصيب بانفجار في العين بسبب الطلقات المطاطية، وتم القبض على أكثر من مئة من الطلاب تعرضوا لتعذيب وحشي في مبنى مباحث أمن الدولة، ثم استدار النظام على حزب العمل الذي اتـهم بأنه المحرض على تلك الأحداث فتم تجميد الحزب وإغلاق صحيفة الشعب.

 

والآن وقد انفض السامر وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه لابد لنا من وقفة تأمل لهذه القضية نعيد فيها قراءة بعض جوانبها مركزين على بعض النقاط التي نرى أنه ينبغي الالتفات إليها في مثل هذه القضية.

 

أولاً: لجنة مشبوهة:

وأبدأ هذه النقاط بمناقشة من دافعوا عن تلك الرواية الآثمة زاعمين أنـها لم تخالف صريح الدين، وأن نعتها بالكفر تعطيل لقيمتها الأدبية.

 

ولربما يعترض علينا البعض هنا بأن من إضاعة الوقت أن نشغل أنفسنا بالرد على هؤلاء القوم بعد ما نشر من تلك الرواية من مقاطع فيها الكفر الصريح الذي لا يحتاج بيانه إلى بيان، ولا شك أن لذلك الاعتراض جانباً كبيراً من الصحة، ولكن ما حيلتنا وقد وجدنا طائفة ممن ينعتون أنفسهم بالمثقفين يزعمون بكل صفاقة أن تلك الرواية لا تـهاجم الدين؟ بل زعم وزير السوء فاروق حسني أنه قرأ الرواية فوجدها تدعو للإيمان!.

 

وعلى كل حال فلن نقف كثيراً عند تلك الغوغائية الصحفية التي تولى كبرها طوائف اليساريين والعلمانيين والتي لا شيء فيها يستحق الرد والتفنيد، وإنما نريد أن نقف قليلاً عند تقرير اللجنة التي شكلها وزير الثقافة المصري من بعض موظفي وزارته أو المستفيدين من تعاملهم معها[1].

 

لقد جاء تقرير تلك اللجنة نوعاً من الكذب المفضوح الذي يمجه كل ذي عقل سليم حتى ليكاد يصدق عليهم ذاك المثل العامي المصري \"قالوا من يشهد للعروسة؟ قالوا أمها\".

 

فقد تدخلت تلك اللجنة فيما ليس من اختصاصها وتقمصت دور علماء الدين فأفتت بأنه ليس في هذه الرواية ما يعد مساساً بالدين وأن ما قيل عنها في هذا الإطار فيه تجن كبير عليها وتحريف لمواضعها.

 

واللجنة المذكورة تأتي في سبيل هذا الذي وصلت إليه بكل عجيب وغريب.

 

انظر مثلاً إلى تبرير اللجنة لما جاء في تلك الرواية من قول أحد أشخاصها لفتاته: \"لابد أن ربك فنان فاشل\"، وذلك حين اعتذرت تلك الفتاة عن دمامة خلقتها بقولها: \"هو من صنع ربي\" حيث رأت اللجنة أن هذه المقولة \"إنما جاءت على سبيل الدعابة وروح الفكاهة في لحظة غزلية بعيداً عن الجد ومن شأن الأدب أن يتظرف في هذه المواقف بعبارات غير لائقة تأتي على لسان الشخصيات الملائمة لها وأن الفتاة حاولت التخلص من عيبها الخلقي في فلطحة أنفها بنسبته إلى ربـها على الطريقة العامية الجزائرية وهو يلتقط منها الخيط ليدين تصورها لربـها لا ربه هو ولا الذات الإلهية\".

 

ولسنا ندري أي أدب هذا الذي من شأنه أن يتظرف في مثل هذه المواقف، لكنا نعلم علم اليقين أن هذا الذي تسميه اللجنة تظرفاً ليس إلا كفراً صريحاً لا يشفع لأصحابه أنه جاء على سبيل الدعابة والمرح، وعندنا من كتاب ربنا الدليل والبرهان فإن قوماً قد استهزءوا برسول الله وصحابته الكرام ثم جاءوا يعتذرون بأنـهم كانوا يمزحون ويلعبون فجاء الرد القرآني على دعواهم واضحاً صريحاً مبيناً أنـهم قد كفروا بـهذا الخوض واللعب الذي تسميه اللجنة تظرفاً، حيث يقول المولى - عز وجل -: ((ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)) [التوبة 65-66].

 

ثم ما حكاية سخرية الشيوعي من ربـها هي لا من ربه هو؟ وهل له رب غير ربـها؟ أم أن اللجنة تستحي أن تذكر أنه لا يعتقد أن له رباً من حيث الأصل؟.

 

وانظر أيضاً إلى ما ذكرته اللجنة حول الحوار الذي أورده كاتب الرواية بين الشيوعي والحاج حيث يقول الشيوعي: \"الله قال انكحوا ما طاب لكم..، رسولنا المعظم كان مثالنا جميعاً ونحن على سنته، لقد تزوج أكثر من عشرين امرأة ما بين شرعية وخليلة ومتعة.. فاستبد الغضب بالحاج: الرسول تزوج حسب الشريعة أما أنتم فتريدونـها شيوعية\"، حيث ترى اللجنة أن تذرع هذا الشيوعي بفعل النبي لا يقصد به الطعن وتقول في تقريرها: \"فالفقرة تورد وصفاً معظماً لشخصية الرسول وإن كانت تبالغ في عدد نسائه، ورد فعل الحاج الغاضب عليها تعديل للمعنى ونسبته للشيوعية\"، وترى اللجنة أن إهمال الإشارة إلى رد فعل الشخصية المقابلة هو من قبيل صنيع من قرأ: ((لا تقربوا الصلاة)) ولم يكمل ما بعدها، ونحن نسأل اللجنة الموقرة هل من تعظيم الرسول أن يوصف بأنه كانت له خليلات؟ وهل كل ما يؤخذ على عبارة الشيوعي أنه بالغ في عدد أزواج النبي ؟ وهل العبارة الغاضبة التي أنطق بـها المؤلف شخصية الحاج كافية في الذود عن نبينا ؟ إن هذا الرد لا يعدو أن يكون غضبة من شخصية جاهلة تتشنج دون قدرة حقيقة على تفنيد شبهات المبطلين.

 

وهذا يجرنا إلى نقطة مهمة وهي أن هذا الكاتب الخبيث لم يكن محايداً بين شخصيات روايته كما ادعى من دافعوا عنهº فهو يورد على لسان الملحد أقوالاً ثم لا يورد في مقابلها إلا ردوداً غاضبة من شخص جاهل لا يحسن الدفاع عما يعتقد بل ينسب للقرآن ما ليس فيه وذلك مثل ما جاء في الرواية على لسان هذا الحاج: \"والله - تعالى - قال في كتابه العزيز: فإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا\".

 

وقد لاحظت اللجنة المذكورة: \"أن الشيوعي لم يخطئ في نسبة الآية الكريمة - أي قوله - تعالى -: فانكحوا ما طاب لكم - إلى القرآن، في حين أن الحاج الجاهل نسب إلى القرآن ما ليس فيه\".

 

وقد ذكرت اللجنة ذلك في معرض بيان أن الشيوعي لم يقصد الإساءة إلى الرسول ، وكأنـها تستشف من عدم خطئه في الآية أنه يتكلم عن علم بعكس الحاج الجاهل الذي ينسب للقرآن ما ليس فيه، ولكن هذا الذي أوردته اللجنة ما هو إلا دليل قطعي على أن هذا الكاتب ما أراد إلا السخرية من الدين وأهله فهو بـهذا يبدو منحازاً إلى شخصية الشيوعي الملحد في مواجهة أهل الدين الذين لا تبرزهم الرواية إلا في شخص هذا الحاج الجاهل الذي ينسب للقرآن ما ليس فيه.

 

إن طريقة الكاتب في إيراده لهذه الأقوال الكفرية لتدل دلالة قاطعة على أنه لم يرد مجرد اختراع حوار بين شخصين أحدهما مؤمن والأخر ملحد، بل إنه قصد الطعن في القرآن الكريم ونبينا  وفي كل المعتقدات الإسلامية، يظهر ذلك من خلال الألفاظ القذرة التي استخدمها والتعبيرات الجنسية التي أوردها وفي محاولة إبرازه من خلال الحوار ثقافة الملحد واستنارته في مقابل جهل المؤمن وسذاجته.

 

ومن عجب أن تدعي هذه اللجنة أنه ليس في الرواية أي مساس بالدين في حين يعترف الكاتب نفسه في حوار مع إحدى الفضائيات العربية بأن في روايته نقداً للثالوث المحرم: الدين والجنس والسياسة، فهل هم أدرى من الرجل بما خطت يمينه وما اقترفت يداه؟.

 

ثانياً: من المثقف؟:

لقد أكثر المدافعون عن هذه الرواية من اتـهام المناوئين لها بأنـهم ظلاميون أعداء للثقافة والمثقفين، وإن لنا أن نسأل أولئك القوم سؤالاً محدداً وهو: من المثقفون في نظركم؟ أو لا ينطبق وصف المثقف عندكم إلا على من كان علمانياً أو من دعاة الفكر اليساري؟.

 

لقد بلغ من صفاقة أولئك القوم أنـهم يعتبرون المثقف هو فقط من كان على شاكلتهم، حتى إن مجلة روز اليوسف قد وصفت الأستاذ عادل حسين بأنه مثقف سابق، أي أنه حين كان ماركسياً كان مثقفاً فلما صار يفكر بطريقة إسلامية ذهبت عنه ثقافته وصار واحداً ممن تسميهم المجلة بالظلاميين الجاهلين.

 

إن هذا يذكرنا بما كان يردده الشيوعيون إبان حكم السادات من أنه كان يعادي الثقافة والمثقفين، بينما هو في الحقيقة كان يعادي فئة معينة منهم وهم الشيوعيون والناصريون، وقد كان له مثقفوه الذين يهللون له ويكبرون كموسى صبري وأنيس منصور وغيرهما، ولو كان عند أولئك القوم بقية من منطق أو عقلانية لسلموا بأن الثقافات مشارب مختلفة، وأنـهم إن كانوا يحملون ثقافة من نوع ما فإن ما يراه غيرهم هو أيضاً نوع من الثقافة التي ينبغي التسليم بوجودها مع اختلافهم معها.

 

وإذا كان لكل أمة ثقافتها فإن دعاة الإسلام هم المعبرون بحق عن ثقافة هذه الأمة لأنـهم الداعون إلى العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه  وهما منبع ثقافة الأمة وأس حضارتـها ورقيها، أما ما يحمله أولئك القوم فهو الثقافة الوافدة الغريبة التي لا جذور لها في مجتمع المسلمين.

 

ثم إن الثقافة في أصلها اللغوي تدل على الإصلاح والتهذيب، فالعرب تقول \"ثقفت السيف \" إذا أصلحته وهذبته.

 

ودعاة الإسلام هم دعاة الإصلاح اليوم وهم الذائدون عن الثقافة الحقيقة لهذه الأمة، ويجب أن يعلم أولئك العلمانيون أنـهم ليسو إلا حفنة قليلة تخالف ما عليه جماهير هذه الأمة من التدين والحب الجارف لهذا الدين الحنيف.

 

ثالثاً: معايير محاكمة الأدب:

وإذا كان هناك من تقمص شخصية عالم الدين فأفتى على جهل بأن هذه الرواية لا تعد مساساً بالدين، فإن من أولئك العلمانيين وفلول الشيوعيين طائفة كانت أكثر جرأة وأشد وقاحة فدافعت عن تلك الرواية باعتبارها إبداعاً أدبياً لا يجوز محاكمته إلى معيار من خارج مقاييس الإبداع الأدبي، والكاتب المشبوه نفسه قد صرح في حديث مع قناة الجزيرة بأن الأدب لابد له من أن يقتحم مجال الثالوث المحرم: الدين والجنس والسياسة.

 

أي أنه وأمثاله يرون أنه يمكنهم باسم الأدب وتحت ستارة التطاول على مقدسات الأمة وسب الله ورسوله فإذا جاء من يحاسبهم على ذلك قالوا إنكم تحاربون الإبداع وتريدون أن تحاكموا الأدب إلى معايير خارجة عنه.

 

وبالنسبة لنا نحن المسلمين فإنه لا يمكن بحال أن نفصل بين الأدب والدينº فالأدب بشتى أنواعه وفروعه لابد أن يكون ملتزماً بأحكام الشرع الحنيف، ومتى حاد الأديب عن شرع الله حوسب على ذلك، وقد ذم الله في كتابه العزيز: الشعراء المنحرفين الضالين فقال - تعالى -: ((والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون)) [الشعراء: 224 226]، ثم استثنت الآيات من هذا الذم أهل الصدق والحق فقال - تعالى -: ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)) [الشعراء: 227].

 

ومعنى ذلك أن من الشعر ما يذم ويعاب قائله، وربما توقع عليه عقوبة، وقد ثبت في السير أن من أسباب أمر النبي  قتل كعب بن الأشرف أنه كان يهجو النبي  في شعره وأنه كان يشبب في شعره بنساء المسلمين، وقد حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة لما هجا الزبرقان بن بدر في شيء من شعره، فإذا كان من هجا رجلاً يعاقب فما بالك بمن سب المولى - عز وجل - واستهزأ بكتابه ونبيه؟!

 

ثم إننا نقول لأولئك المشبوهين ماذا لو كانت الرواية تسخر من أحد الحكام بنفس الطريقة التي سخرت بـها من الله وكتابه ورسوله؟ أكان يمكن نشرها؟ وهل كان بإمكانكم أن تدافعوا عنها كما تدافعون عن هذه الرواية؟

 

إننا نتحدى هذا الكاتب المارق أن يكتب رواية يتعرض فيها بنفس الأسلوب لحاكم بلاده الهالك (حافظ أسد) أو لخليفته الذي غيروا له الدستور لكي يرث أباه في مسيرة الخيانة وسياسة القمع والاستبداد.

 

إنه لمن غريب المفارقات أن الإذاعة المصرية كانت تذيع في الأيام التي ثارت فيها قضية تلك الرواية تمثيلية مسلسلة عن حياة رئيس النظام المصري، وقد اضطررتُ مكرهاً لسماع بعض حلقاتـها لأرى كيف يصورون زعماءهم وحكامهم، فوجدتـها مملوءة بالنفاق الرخيص والكذب الممجوج حول نزاهة ذلك الرجل وعبقريته ووطنيته، فليس هناك موقف لم يحسن تقديره ولا أمر لم يحسن ترتيبه، ولم تبدر منه هفوة ولا ظهرت منه زلة، بل إن كاتب المسلسل يأبى إلا أن يظهر رئيسه في صورة المسلم التقي الورع فيزعم في كذب مفضوح أنه يبدأ يومه بصلاة الفجر ثم يدخل إلى شرفة منـزله ممسكاً مصحفه فيقرأ جزءاً من القرآن الكريم!.

 

هذا ما يكتبونه ويذيعونه عن حكامهم، حتى إذا وصل الأمر لذات الله - عز وجل - كتبوا السفاهة والقذارة وتذرعوا بحرية الفكر والإبداع.

 

رابعاً: شيء من الغبش:

إننا نرى واجباً علينا أن نشير إلى شيء من الغبش وعدم وضوح الرؤية في خطاب بعض أهل الغيرة الذين وقفوا ضد هذه الرواية الآثمة، ونعني بذلك ما لمسناه عند بعضهم من إحسان الظن بالنظام الحاكم في مصر حتى راح بعضهم يستغيث بمؤسسة الرئاسة في مصر من أجل الوقوف في وجه مخططات وزارة الثقافة ومحاسبة المسؤولين عن نشر هذا الكفر المبين، وكأن هؤلاء الفضلاء لا يدرون أن هذا الوزير ما هو إلا سيئة من سيئات ذاك الرئيس وأن المستجير بعمرو يوم كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.

 

لقد مر على هذا الوزير ثلاثة عشر عاماً وهو يعبث بمقدسات الأمة وثوابتها ولقد تغير عليه ثلاثة رؤساء للوزارة وحدثت عشرات التعديلات الوزارية، وهو باق في منصبه لم يمسه أحد شأنه في ذلك شأن صفوت الشريف ويوسف والي المفروضان على كل شخص يكلف بتشكيل حكومة في مصر حتى صرح عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق أنه لم يختر فاروق حسني وزيراً للثقافة أي أنه فرض عليه من رئيس البلاد.

 

لقد آن الأوان لأن يعلم القاصي والداني أن المشكلة ليست في وزير ولا مدير وإنما هي سياسة نظام محارب لله ورسوله يتولى كبرها رئيس البلاد هذه هي طبيعة الأشياء في بلادنا مهما تسربلت الأنظمة العربية بغير ذلك.

 

خامساً: دعاة العلمانية والكيل بمكيالين:

إن النقطة التي يدندن حولها المدافعون عن هذه الرواية وأشباهها هي حرية الفكر وأنه لا يجوز الحجر على حرية الكاتب في أن يكتب ما يشاء، وقد أشرنا من قبل إلى أن هناك فارقاً بين حرية الفكر وحرية الكفر، وأن حرية الرأي مقيدة بما لا يخالف ثوابت الشرع، ومع ذلك فإننا نسائل أولئك المتشدقين بتلك الحرية المزعومة: أين أنتم من عشرات الألوف من رجال مصر القابعين خلف سجون الظالمين بلا ذنب أو جريرة؟ إنني أقصد هنا أنـهم بلا ذنب أو جريرة حتى بمنطق القانون الفاسد الذين تحتكمون إليهº لأن الغالبية العظمى من هؤلاء المسجونين إنما هم معتقلون بلا قضية ولا محاكمة، وقد مضي على العدد الأكبر منهم أكثر من عشر سنوات دون أن يقدموا إلى محكمة عادلة أو غير عادلة، ومن حوكم منهم حوكم بمحاكم عسكرية لا يتمتع المتهم فيها بأي ضمانات، فهل يصح طبقاً لقواعد حريتكم المزعومة أن يزج بالإنسان في غياهب السجون بلا أمد محدد وفي أحوال لا آدمية لمجرد أنه يحمل فكراً يعتبره القائمون على النظام فكراً متطرفاً؟

 

لماذا قامت قيامتكم وثارت ثائرتكم لمجرد مطالبة البعض بمصادرة هذه الرواية، في حين لم تحركوا ساكناً حين قتل المئات من شباب مصر في غرف التعذيب أو بسبب سوء الأحوال الصحية أو تنفيذاً لأحكام صادرة من محاكم عسكرية، هذا إن لم تكونوا من المحرضين على ذلك؟

 

لقد طالب بعض الدعاة ذات يوم بتطبيق قانون الطوارئ على المعتقلين في سجون النظام المصري، وقد تعجب البعض من المطالبة بتطبيق ذاك القانون المعيب في الوقت الذي تطالبه فيه المعارضة السياسية ومنظمات حقوق الإنسان بإلغائه، حتى ظنها البعض مزحة ثقيلة أو سخرية لا مبرر لها.

 

والواقع أن الأمر لم يكن يخلو من سخرية مقصودة، لكنه كان من ناحية أخرى مطلباً فيه شئ من الجديةº فإنه وإن كان الأصل في المسلم أن لا يرضى بغير شرع الله، إلا أن الهدف من تلك الدعوة كان محاكمة القوم إلى قوانينهم الباطلة ليعلم من لا يعلم أنـهم لا يحترمون حتى أسوأ قوانينهمº ذلك أن قانون الطوارئ ينص على أن من حق المعتقل أن يتظلم بعد شهر من قرار اعتقاله أمام القضاء وأنه إذا حكم القاضي بالإفراج عنه فإن من حق وزير الداخلية أن يعترض على قرار الإفراج وفي هذه الحالة يلزم أن يعرض الأمر على دائرة قضائية أخرى في خلال خمسة عشر يوماً، فإذا أيدت الدائرة الأخرى قرار الإفراج الأول فإنه يجب الإفراج عن المعتقل فوراً، هذا ما ينص عليه قانون الطوارئ ولكن الذي يحدث غير ذلك تماماً، فإن من الإخوة المعتقلين من حصل على عشرات القرارات القضائية بالإفراج ولكن وزارة الداخلية تضرب عرض الحائط بتلك القرارات فيبقى الأخ في سجنه السنين الطوال مع أنه طبقاً لقانون من أسوأ قوانينهم كان ينبغي أن يخرج من سجنه بعد شهرين أو ثلاثة.

 

فهل يفهم المتباكون على الحرية المزعومة أنـها لا تتجزأ؟ أم أنـهم يرونـها خاصة بـهم محرمة على غيرهم؟

 

سادساً: سقوط الأقنعة:

لقد ساهمت الأحداث التي أعقبت إعادة تلك الرواية في فضح النظام الحاكم في مصر وكشفت للمخدوعين حقيقة هذه الأنظمة الكفرية، فمن ناحية أظهرت تلك الأحداث حقيقة موقف النظام وأذنابه من الأزهر ورجاله، فلقد ظل النظام ردحاً من الزمن يتشدق بأنه يحترم علماء الأزهر وأنه لا يحارب الدين ولا المتدينين وإنما يحارب المتطرفين والإرهابيين، وقد استغل النظام في ذلك فريقاً من علماء الأزهر ممن عرفوا بعلماء السلطة وعلى رأسهم شيخ الأزهر (الشيخ محمد سعيد طنطاوي) حيث راحوا يصدرون الفتاوى والبيانات ضد شباب الحركة الإسلامية الأمر الذي استخدمه النظام مبرراً لضرب أولئك الشباب وقمعهم.

 

واليوم حين وقف الأزهر موقفاً جيداً من هذه الرواية - حيث أصدر مجمع البحوث الإسلامية بياناً يتضمن أن هذه الرواية تحمل خروجاً على ما هو معلوم من الدين بالضرورة - فإن النظام لم يعبأ برأي الأزهر ولم يخضع له بل راح أذنابه من الصحفيين والكتاب يسخرون أقلامهم للهجوم على الأزهر ورجاله ولم يسلم من أقلامهم شيخ الأزهر نفسه الذي ظل دائماً مرضياً عنه من قبل أولئك العلمانيين.

 

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد انتهت قضية هذه الرواية بتجميد حزب العمل وإغلاق صحيفته بدعوى أنـها هي التي حرضت على التظاهر ضد الرواية وما تلا ذلك من أحداث تسميها الحكومة أحداث شغب، وإن هذا الأمر ليكشف بوضوح عن حقيقة ديمقراطيتهم المزعومة، فها هي الديمقراطية تذبح بأيدي من كانوا يهللون لها ويرفعون شعاراتـها، إننا نرى أن الديمقراطية في أصل نظامها مخالفة لمنهج الله ولكنها في ظل أنظمتنا العربية ليست إلا قناعاً تستر به تلك الأنظمة ديكتاتوريتها واستبدادها وتجمل به وجهها القبيح.

 

قد تسمح ديمقراطيتهم ببعض الآراء المخالفة للنظام، لكن لابد أن يكون لتلك المخالفة سقف لا تزيد عنه، فإذا زادت عنه قليلاً - خصوصاً إذا تعلق الأمر بالإسلام والدفاع عنه - فإن القوم يتناسون كل شعاراتـهم وينحون جانباً كل مقولاتـهم ليظهر الجانب الأقبح في ديمقراطيتهم ذات الأنياب كما كان يصفها الهالك أنور السادات.

 

سابعاً: تفاؤل:

إننا في نـهاية هذه النقاط نود أن نشير إلي أنه رغم أن النتيجة الظاهرة لما أثير حول تلك الرواية هي خسارة من قاموا بمواجهتها.. حيث سجن عشرات الطلاب وأصيب العشرات وأوذي من قاموا بالكتابة ضدها فجمد حزب العمل وأغلقت صحيفته، نقول رغم ذلك فإن هناك عدة أمور تدعو إلى التفاؤل.

 

وأول تلك الأمور أن طلاب جامعة الأزهر هم الذين قاموا في وجه تلك الرواية وقد كان السائد في الفترات الماضية أن طلاب جامعة الأزهر هم أقل الطلاب تأثراً بالحركات الإسلامية حتى كانت أجهزة إعلام النظام تستغل ذلك وتشيع أن الأزهر خال ممن يسمونـهم بالمتطرفين وأن ذلك يدل على جهل أعضاء الجماعات الإسلامية، فجاءت هذه الأحداث مخيبة لآمال العلمانيين ولعلها تكون بداية صحوة تعيد للأزهر سابق عهده في قيادة الأمة والوقوف ضد الظلم والظالمين.

 

ثم إن تلك الغضبة لله ولرسوله جاءت في وقت يتشدق فيه النظام المصري بأنه قضى على الإسلاميين الذين يسميهم بالمتطرفين لتعلن له وللعالم كله أنه ((وما يعلم جنود ربك إلا هو)) وأن دعوة الله باقية وأنه - سبحانه - يوجد دوماً من يدافع عن دينه ويذود عن حرماته.

 

كما أن من النتائج المهمة لتلك الأحداث أن نشر تلك الرواية وما تبعه من أحداث قد أفرز تيارين متمايزين: الأول تمثله الحكومة ومؤسساتـها وهو التيار الداعم لثقافة التغريب ونشر الفساد، وأما التيار الثاني فيمثله كل من وقف في وجه تلك الرواية بمن فيهم الأزهر مع أنه يمثل إحدى مؤسسات الدولة، ولعلها تكون بداية لتمايز حقيقي يُعرف فيه الحق من الباطلº إذ كان من أهم معوقات العمل الإسلامي في الفترات الماضية أن أهل الباطل كانوا يلبسون ثياب أهل الحق ويزعمون أنـهم المسلمون الفاهمون لصحيح الدين وأن دعاة الإسلام ما هم إلا مجموعات من الجهال الذين يفهمون الدين على غير حقيقته.

 

وأخيراً نقول إن ما أثاره نشر تلك الرواية في مصر من غضب عارم في مصر يؤكد ويبين أن أعداء الله قد ينجحون في تغييب الحس الإسلامي في زمان ما ومكان ما، ولكنهم لا يستطيعون أن يعمموا ذلك في كل زمان ومكانº فقد نشرت تلك الرواية من قبل مرتين في سورية ولبنان ولم يثر ذلك ما أثاره نشرها هذه المرة، وذلك يبين أنه لا يمكن أن يكون السكوت على أهل الباطل هو شأن الأمة كلها، بل لابد أن يبقي في الأمة من ينافح عن دين الله، فلا يخلو زمان من قائم لله بحجة مصداقاً لقوله : \"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك\"[2]

 

----------------------------------------

[1] - منح أحد أعضاء تلك اللجنة وهو الدكتور صلاح فضل مؤخراً جائزة الدولة التقديرية وقدرها خمسون ألف جنيه.

[2] - أخرجه مسلم (1920) والترمذي (2229) وابن ماجه (10) من حديث ثوبان وفي الباب عن المغيرة ومعاوية وجابر بن عبد الله وغيرهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply