يا بني غدًا تذهب إلى المدرسة، وتقعد على كرسي الأحلام، ويخيل إليك أن غرفة الدرس عش طيور، وأن صياح الصغار مناغاة ساعات أبدية جميلة. وأنت يا بني طفل عربي صغير ستجاور في مقاعد الدرس المبكرة تلامذة صغارًا لهم ألسنة غير لسانك، وستتخيل يا بني أن المسافة بين الألسنة صغيرة ومختصرة، كما هي سهلة على لسانك العذب أن ينطق بأكثر من لغة، لكن شيئًا كبيرًا سيهزك يومًا أيها العربي الصغير وتحتدم.
فالمعلم يقول لك: أنت عربي مسلم إذًا فبلادك مليئة بجمال كثيرة ووسائط النقل في شوارعكم ناقات.
وساعتها يضحك الصغار ضحكة ليست كضحكاتهم البريئة، فقد تعلموا من مدارسهم وشاشات التلفزيون في هذا الغرب أشياء كثيرة تستفز روحك العربية الجميلة، وتشعر ساعتها بأنهم لا يعرفونك، بعيدون عنك، وأن مقاعدهم ليست جوارك، إنها في آخر الشاطئ المقابل للبحر.
وقف المعلم يحدث تلامذته الصغار عن «عرب» يمتطون ظهور الجمال لا نفع فيها، ويرسم في أذهانهم صورة مفتعلة قاحلة لمدن من الرمل وحيوانات عطشى وبدو رحل.
ويحتدم العربي الصغير ويتحدث مفتخرًا.
ـ لا يا سيدي: إن ناقتنا جميلة، صابرة، مفيدة، وهي أحلى مما تحبون من حيوانات، وأنفع وأوفى.
ويشهق العربي الصغير الذي لو يتحدث إليهم عن مدن كبيرة الأسماء كلندن دخلها يومًا ليجد شوارعها مليئة بروث الكلاب، والتي تملأ أوساخها البيت والمطعم والشارع، والدكان، وهي لندن التي كمم أنفه فيها، وقد تعالت عفونة أزبال متكدسة في الشوارع أسابيع تشهد على سقوط حضارة هشة. فلماذا يطعنونك في الناقة؟ حدثهم أنها أوفى وأنفع وأجمل. ولكن لك أن تعرف أيها العربي الصغير أن ليس هناك ما هو أعمى وأسود وأحمق من حقد العنصريين، وليس هناك دالة على سقوط الحضارات إلا سد الأعين عن رؤية حضارات الآخرين وتجاهلها. فالحاقدون على العرب المسلمين في هذا الغرب الذين يبثون السم في قهوة الصباح وإطارات الصحف وأخبار التلفزيون والنكتة الأخيرة لا يميزون في حقدهم بين الإنسان والناقة والنخلة والسيف. فكل ما اشتق من العرب والإسلام محاصر بالتجهيل والتشويه والتشهير.
والأداة اليومية في ذلك كله صحيفة وفلم وبرنامج ومدرسة وخبر على الشاشة أو في موجات الأثير، ولكن المؤلم بين الذين يسمعون ويشاهدون «بعض من العرب» الذين لا يرفعون أصبع اتهام ولا صوت احتجاج ولا ترمش لهم عين.
فما أشبع وما أوجع!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد