بسم الله الرحمن الرحيم
د. فاطمة محجوب، عالمة اللغويات وصاحبة أكبر سلسلة من الموسوعات الإسلامية المتميزة، جابت العالم العربي والإسلامي بصحبة زوجها باحثة عن التأصيل ومؤرخة للآثار والأعلام الإسلامية، جمعت المخطوطات النادرة وكتبت التراث لتخرج لنا وفي صمت وعمل دءوب سلسلة من الموسوعات
إنها باحثة، بل عالمة في مجال دوائر المعارف والموسوعات العلمية والثقافية للناشئة والشبيبة والكبار، ذكوراً وإناثاً. فقد قدمت الدكتورة فاطمة محجوب للمكتبة العربية والإسلامية والإنسانية بصفة عامة عدداً من دوائر المعارف مثل: دائرة معارف الناشئة عام 1957م، ودائرة معارف الشباب عام 1963م.
وكان الهدف منهما هو تيسير المعلومات العامة للقارئ العربي، كالتاريخ والجغرافيا والعلوم والرياضيات والتراجم والفنون والهوايات وما إلى ذلك من الفنون العلمية والثقافية والأدبية والاجتماعية الميسورة التناول، والسهلة المطالعة والوقوف على المعلومات والمعارف والأفكار التي اندرجت في الكتب التراثية القديمة، أو من المؤلفات والكتب الحديثة، التي كان هدف مؤلفيها خدمة العلم وطلابه والمعرفة وقرائها.
وكانت \'الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية\' هي آخر ما قدمت د. فاطمة محجوب، وهذا عمل جبار أقدمت عليه المؤلفة الفاضلة أيضا في أجزاء تشتمل على كافة العلوم الشرعية كعلوم القرآن الكريم من تفسير وبيانات المؤلفين في هذه العلوم القرآنية العظيمة، وكذلك شملت هذه الموسوعة علوم الحديث الشريف والسيرة النبوية والفقه والعقيدة وعلومهما الأصلية، وكذا علم الفرائض والميراث، وعلم التصوف الحق، وسائر العلوم الأخرى التي حوت سير الصحابة والخلفاء والتابعين وأتباع التابعين.
ونتيجة لهذا الاهتمام الزائد بالعلم والموسوعات، فقد اعتزلت د. فاطمة محجوب الحياة الاجتماعية لسنوات طويلة، فلم يعد لديها وقت، فهي تقضي 14 ساعة يومياً من العمل الجاد الدءوب، وهو جهد كبير لا طاقة لأحد به إلا الكبار.
ولكننا والحمد لله استطعنا أن نخترق هذا الحصار وأن نصل إليها ونخرجها بعض الوقت من أبحاثها وأجرينا معها هذا الحوار.
* نود في البداية أن نتعرف على مؤهلاتك العلمية وأهم مؤلفاتك؟
** حصلت على الماجستير والدكتوراه في علوم اللغة من جامعة تكساس الأمريكية، ثم عملت بالتدريس فترة طويلة، وأوفدتني وزارة التربية والتعليم في بعثتين الأولى إلى إنجلترا للدراسة بجامعة \'ليفربول\'، والثانية إلى أمريكا للدراسة بجامعة \'متشجان\'، كذلك عملت أستاذا مساعدا لعلم اللغة بكليات البنات الإسلامية جامعة الأزهر، ثم أستاذة زائرة لعلم اللغة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكلية البنات بمكة، وتفرغت منذ عدة سنوات لإعداد الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، هذا بجانب دائرة معارف الناشئين التي قمت بكتابتها وطبعت عام 1957 ضمن سلسلة الألف كتاب من دار الهلال ودائرة معارف الأطفال ثم دائرة معارف الشباب من دار النهضة إلى جانب مؤلفات في علم اللغة والشعر العربي.
* أين نشأت وما هي المؤثرات التي وجهتك لدراسة علم اللغويات؟
** نشأت في القاهرة ووالدي - رحمه الله - كان يقرأ القرآن مرتلاً وكان حريصاً على أن نقرأه أيضا مجوداً..حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1936..وكانت المناهج الدراسية في تلك الفترة تهتم بفطاحل الشعر وعلى مستوى عالي من الاهتمام باللغة العربية، وفي مدرسة الأميرة فوزية الثانوية.. كانت مديرة المدرسة إنصاف سري - رحمها الله - تحرص على ارتداء كل الفتيات للحجاب، وكان هناك تشجيع وشعب خاصة للمتفوقات واهتمام بالتدين، ومن ثم يتم تأصيل العلوم الشرعية.
وعندما أنهيت الدراسة الثانوية وكنت الأولى على القطر المصري في القسم الأدبي قدمت أوراقي لكلية الآداب جامعة القاهرة، وعندما وجدت أنا وأبي أن هناك اختلاطاً في الجامعة سحبت أوراقي والتحقت بمعهد التربية للبنات والذي أصبح فيما بعد جامعة عين شمس، والتحقت بقسم اللغة الإنجليزية، وبعد التخرج عملت بتدريس اللغة الإنجليزية، ثم كانت رحلتي العلمية إلى أمريكا للحصول على الماجستير والدكتوراه في علم اللغة، وهذا العلم يشمل اللغات الحية والمقارنة بينها، وتحليل كل لغة من ناحية التراكيب والأصوات وهذا ما يسمى بفقه اللغة.
* ما هي المحاور الرئيسية التي تناولتها الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية، وما هو الجديد الذي تقدمه؟
** الجديد أن الموسوعة تعني عناية بالغة بالعلوم الإسلامية والعلوم التي نبغ فيها علماء المسلمين وأثروا بها الحضارة الإسلامية، هذا إلى جانب تراجم العلماء، والموسوعة تحوي العلوم الشرعية مثل علوم القرآن وعلم الحديث والتوحيد والعقيدة والفقه وأصوله والسيرة والتصوف هذا إلى جانب العلوم العقلية مثل الجغرافيا و التاريخ والطب والصيدلة والحساب والجبر والرياضة والهندسة والفلك والطبيعة والكيمياء وعلم العمارة الإسلامية وعلم الوراثة والخطاطة.. هذه المحاور تعينني بشدة وهي أن يكون طرح الموسوعة إسلامي بحت وأرجع المعلومة إلى أصلها وأصحح كثير من الأخطاء التي أدخلها الإعلام والتغريب حول المرجعية الإسلامية لكثير من العلوم الحديثة.. ولقد لفت نظري منذ فترة التقدمة التي أشارت إليها إحدى المجلات العلمانية وهي تعرض إحدى الموسوعات بأن فيها كل العلوم وما يميزها خلوها من العلوم الشرعية واللغة العربية ولذا كان دأبي على التأكيد والاهتمام الخاص بتلك العلوم.
* وما هي العلوم الإسلامية التي احتوتها الموسوعة الذهبية؟
** الموسوعة تتضمن كل أنواع العلوم التي يجمعها نوعان أساسيان من العلوم.
النوع الأول هو العلوم الشرعية، والنوع الثاني هو العلوم العقلية.
وبالنسبة للنوع الأول [العلوم الشرعية] فهو تسعة فروع:
الفرع الأول هو علوم القرآن الكريم: نحو أسباب النزول، وإعجاز القرآن، الناسخ والمنسوخ، تأويل المشكل، المحكم والمتشابه، تأريخ القرآن وجمعه وتجزئته، علم التفسير، علم القراءات، الرسم القرآني، إعرابه، أحكامه، ترتيب السور وغير ذلك.
وبالإضافة إلى التعريف بهذه العلوم في مواضعها من الموسوعة فقد عمدت إلى تطبيقها عملياً عند إدراج كل سورة من سور القرآن الكريم، بمعنى أنه عند الكلام على سورة \'آل عمران\' مثلاً نورد ما جاء عن أسباب نزول بعض آياتها وأنواع القراءات فيها، ورسم بعض ألفاظها، وسر ترتيبها في المصحف، والآيات المتشابهات فيها وغير ذلك وما نظم في هذا كله من أراجيز شعرية.
والفرع الثاني هو علوم الحديث: وتتضمن علم مصطلح الحديث وأنواعه ورجاله الثقات الضعفاء والمتروكين والمدلسين والوضاعين، وما نظم في هذا العلم كألفية العراقي والسيوطي، وقد حرصت على الاحتفاظ بالأسانيد في معظم الأحيان لأن طبيعة المادة الموسوعية تقتضي ذلك، كما أن الإسناد يعرفنا بأسماء الرواة الثقات وهو أمر مطلوب.
والفرع الثالث هو علم التوحيد أو علم العقيدة: ويشتمل على خصائص العقيدة الدينية وما صنف فيه.
والفرع الرابع هو علم الفقه: ويشتمل على ستة أقسام: العبادات، المعاملات، شئون الأسرة، العقوبات، المرافعات، المغازي. كما يشتمل على المذاهب الفقهية المختلفة وأهم المؤلفات فيه من مطبوع ومخطوط.
والفرع الخامس هو علم أصول الفقه: ويتناول القواعد والمبادئ التي سار عليها الفقهاء في استنباط الأحكام وبيانها للناس وما صُنف فيه من مؤلفات.
والفرع السادس هو علم السيرة النبوية: ويتصل بحياة رسول الله \'- صلى الله عليه وسلم -: \' وخصائصه وطرقه في مغازيه وسير أصحابه - رضي الله عنهم-، وما نقل عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ويسمي أيضاً علم السير أو علم المغازي، أو علم المغازي والسير، ويشتمل على أهم المؤلفات والمنظومات.
والفرع السابع هو علم الخلاف: ويتناول الأدلة والأصول التي يأخذ منها الأئمة أحكامهم وأهم ما صنف فيها من مؤلفات.
والفرع الثامن هو علم التصوف: ويتناول حياة ومبادئ الزهاد والعباد وأثر التصوف في حياة المسلمين وأهم ما صنف فيه من كتب.
والفرع التاسع هو علم الفرائض: وهو أحد فروع علم الفقه ويبحث في أحوال قسمة التركة على مستحقيها على فروض مقدرة في كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمة والكتب التي ألفت فيه والأراجيز التي نظمت.
أما النوع الثاني من العلوم التي احتوتها الموسوعة فهو العلوم العقلية التي اشتغل بها المسلمون وهى: علم اللغة، الجغرافيا، التاريخ، الطب، الصيدلة، البيطرة، الحساب، الجبر، الرياضة، الفلك، الهندسة، الطبيعة، الكيمياء، الميقات، التربية الإسلامية، العلوم العسكرية، البحرية، الوراقة والخطاطة، الرحلات، الفنون، العمارة الإسلامية، وعلم الأنساب.
ونخص بالذكر هنا اللغة العربية لصلتها الوثيقة بالقرآن الكريم فإنه بها نزل، ومعرفة اللغة العربية لازمة لمعرفة القرآن الكريم والحديث الشريف وإتقانها واجب على كل مسلم وحسبك مثالاً على عناية العرب والمسلمين بكل دقائق لغتهم ما ورد في مادة \'الهمزة\' التي تبدأ بها هذه الموسوعة فقد استفاضوا في تحديد مواقع همزتي الوصل والقطع على وجه الخصوص لأنها ترتبط بالقراءة الصحيحة للقرآن، وأعتقد أن الكلام على تطوير اللغة العربية في أيامنا نوع من الحق الذي يراد به باطل، فأهل الغرب يريدون أن يسحبوا البساط الأخير من تحت أقدامنا!
* هل تعتقدين خلو مكتبة الأسرة المسلمة من الموسوعات؟ وهل العمل الفردي في ذلك يكفي عن العمل الجماعي؟ وكيف التزمت بالتحقيق؟
** مكتبة الأسرة المسلمة إلى حد كبير خالية من كتب الموسوعات مع أهميتها الشديدة في عصر المعلومات وهناك العديد من الموسوعات المترجمة والتي كتبها مستشرقون وفيها سموم وأخطاء وأحيانا يضطر الناشر للتعليق على معظم المواد لتصحيح المعلومات الخاصة بالعالم الإسلامي وعلمائه وتاريخه بالذات.. وبالنسبة للعمل الفردي في هذا المجال فاعتقادي الشخصي بأنني اعلم كل صغيرة وكبيرة عما اكتبه واربط بنفسي المعلومات مع بعضها البعض وروحي وتفكيري فيما اكتبه يجعل المعلومات على نسق واحد.
أما بالنسبة لتحقيق المعلومات فالمصادر مثبتة في نهاية كل مادة ومرجعيتي كتب التراث والعلماء الثقات، وبالنسبة لتراجم العلماء والآثار الإسلامية فقد قمت بنفسي أثناء صحبتي لزوجي - حيث كان يعمل خبيراً بالأمم المتحدة - بزيارة معظم بلاد العالم العربي والإسلامي.. قمت بزيارة الهند ووصلت إلى المكتبات الإسلامية الصغيرة، ذهبت إلى أسبانيا وتركيا والسعودية والأردن وسورية وتونس والمغرب ورأيت المدارس الإسلامية القديمة وزرت العراق ووجدت فيها مجموعة كبيرة من المخطوطات. أما في السعودية فقد وجدت ذخائر التراث والمخطوطات وكان أهمها كتب عن زمزم والحرم النبوي وفي كل البلدان التي زرتها عنيت بالمساجد والكتاتيب والزوايا والبيوت الإسلامية وما تحويه من عمارة رائعة وراقية تعني بالقيم والذوق الإنساني.. زرت قبر صلاح الدين الأيوبي عدة مرات والمساجد الكبرى الجامعة في كل بلاد العالم الإسلامي وأرخت لها بالصور والمعلومات. أما القدس وآثارها ومدارسها وتاريخها فقد نالت نصيباً كبيراً في الموسوعة.. وقد ركزت على المدارس الإسلامية والتي هي في الأصل مساجد.. والكتاتيب ودورها التعليمي الهام وقد كان منهجي في ترتيب معلومات الموسوعة وفقاً لحروف الهجاء بدءاً من الهمزة إلى الياء مع إغفال ال وابن وأبي وأبو وأم فجاء وفقا للحرف الذي يبدأ به الاسم فكلمة القياس تكون تبعا للحرف \'ق\' وابن تيمية تبعا للحرف \'ت\'، أما أسماء الإعلام فتحت الاسم الحقيقي مثل \'أحمد بن حنبل\' أو اسم الشهرة مثـل \'أبو بكر الصديق\' أو النسب مثل البيهقي والخوارزمي.
* في رأيك كيف نعيد لأولادنا الاهتمام والحرص على تعلم اللغة العربية؟
** أساس النجاح والتفوق في كل المجالات العلمية هو إتقان اللغة الأصلية الأصيلة وهي العربية، لغة القرآن الكريم، وسبيل إتقان اللغة العربية هو حفظ القرآن الكريم منذ الصغر.. والحفظ الجماعي يسهل على الطفل سرعة الاستيعاب كما كان يحدث في الكتاتيب.. هذا إلى جانب أهمية المدرس الصالح القدوة. وهناك جانب مهم بالنسبة لاستيعاب الطفل والطالب عموماً، وهي المعلومة المنظومة، فالنظم يسهل الحفظ، كما في ألفية بن مالك.. وألفية السيوطي في علم الحديث.. والمسلمون الأوائل اهتموا بالنظم في كل العلوم وكان هذا أيسر في الحفظ وتثبيت المعلومات فليتنا نعيد لأولادنا هذا المنهج في التدريس ونهتم كآباء ومربيين باللغة العربية قبل اهتمامنا باللغات الأخرى. هذا إلى جانب أهمية اختيار المواد الإعلامية المعروضة للطفل والتي تراعي فيها صحة اللغة وصحة نطقها هذا إلى جانب الكتاب الجيد واستبعاد كل ما هو مكتوب بالعامية.
* ما هي الفلسفة العامة التي وجهت عملك الموسوعي؟ وما هي الغاية نت هذا العمل؟
** الدوائر الموسوعية الثلاث تهدف إلى تقديم قدر من المعلومات العامة في علوم مثل الجغرافية، التاريخ، الرياضيات، الفنون، الهوايات وغير ذلك دون التعرض لعلوم الشريعة، ولكنني رأيت أن الوقت قد حان لكي أقدم عملاً جديداً يكون هدفه تعريف الأمة الإسلامية بتراثها الذي خلفه لها علماؤها على مدى الدهر، وبأصول حضارتها وأصالتها فكانت \'الموسوعة الذهبية\'.
* هل \'الموسوعة الذهبية\' قاصرة على العلماء المسلمين؟
** هذه الموسوعة لا تقتصر على إحصاء العلوم التي نبغ فيها العلماء المسلمون وأثروا بها الحضارة الإنسانية، وعلى التعريف بها، فهذه العلوم ترتبط كل الارتباط بالعلماء أنفسهم، فهم صانعو الحضارة الإسلامية بما حققوه في شتى ميادين المعرفة وبما خلفوه من مصنفات أفنوا عمرهم في تأليفها وأصبحت الآن جزءاً من تراث غزير ما بين مطبوع ومخطوط ومن ثم كان لزاماً علينا أن نترجم لهؤلاء العلماء وأن ننوه بمؤلفاتهم وأن نقدم نماذج منها فذلك حقهم علينا ووفاء لهم منا.
ولن تقتصر التراجم على العلماء المسلمين الأوائل كما هو الحال في مثل هذه الموسوعات عادة، وإنما ستشمل التراجم أيضاً العلماء اللاحقين كشيوخ الأزهر وخريجيه وشيوخ المستنصرية وعلماء دمشق وغيرها من المدن الإسلامية ممن حملوا الراية وكانوا خير خلف لخير سلف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد