حوار مع نائب الأمين العام للجامعة الإسلامية في الصين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسلمون في الصين..وجود فرص نفسه بما قدمه من دم وما بذله من تضحيات جسام.ترى كم عددهم الآن؟ وما هي أكبر مناطق تجمعاتهم؟ وماذا عن تاريخهم منذ دخول الإسلام الصين حتى اليوم؟ وكيف كانت علاقتهم بالشيوعية الصينية؟ وماذا عن المقاطعة العزيزة على نفس كل مسلم والتي كان من الممكن أن تكون دولة إسلامية معاصرة كما كانت في الماضي وهي تركستان الشرقية والتي أصبح اسمها الآن سينكيانج؟ وماذا عن واقع الإسلام و المسلمين اليوم في ظل تخفيف القبضة الشيوعية وبداية عصر الحريات الدينية؟.كل هذه أسئلة تدور بخاطر كل مسلم عندما يأتي ذكر الصين... وفي هذا الحوار يجيـب د. محمد صديق مابيونج نائب الأمين العام للجامعة الإسلامية في الصين على كل هذه الأسئلة.

 

* هل لنا في لمحة موجزة عن الوجود الإسلامي في الصين وتاريخه؟

** يعتبر الإسلام أحد القوميات الموجودة في الصين والبالغ عددها 56 قومية يبلغ عددها مليار وربع مليار نسمة.. وطبقا للأرقام الرسمية فإن عدد المسلمين في الصين عشرون مليونا. ولكن بعد التقديرات غير الرسمية تضاعف هذا الرقم. وتاريخ الإسلام في الصين يرجع إلى بدء الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام فيما عرف بطريق الحرير إشارة إلى جسور التجارة بين العرب والصينيين التي صاحبت انتقال الإسلام إلى هذه المنطقة. والوجود المبكر للمسلمين في قلب الصين كان محدودا وكان أكثرهم تجارا متمركزين في وسط البلاد وجنوبها. ولكن الكتلة السكانية الكبرى للمسلمين كانت في غرب الصين في منطقة تركستان. وكان المسلمون خليطا من الفرس والعرب ثم انضم إليهم الترك بعد ذلك. ومنذ بداية القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين تطور الوجود الإسلامي في الصين وحدث تزاوج وتداخل بين المسلمين الغرباء وأهل الصين الذين دخلوا في الإسلام. وظهرت المساجد وتحولت إلى منارات تعليمية وانتشرت في تجمعات المسلمين المختلفة. وفي هذه الفترة لم تعد تجمعات المسلمين مقصورة على المناطق الجنوبية والساحلية في الصين بل ظهر المسلمون بوجود مؤثر في الشمال والغرب.

 

* التاريخ يذكر أن المسلمين في الصين تعرضوا لكثير من المذابح التي راح ضحيتها عشرات بل ومئات الآلاف.. ما تفسير ذلك؟

** بدءً من القرن السادس عشر والسابع عشر.. وبعد ذلك.. بدأ المسلمون يتصرفون كأنهم كمواطنين لهم حقوق وليسوا غرباء. وهم شجعان لا يقبلون الظلم أبدا فكانوا يقاومونه ولذلك كانوا يدفعون الثمن في كل مرة لذلك تم تصنيفهم ضمن فئة المناضلين ضد الاستغلال والظلم والذين يتسمون بالشجاعة والإقدام. وأحد الأسباب الرئيسية لثورة المسلمين ضد حكام الصين هو ذلك الحجم الكبير من الظلم الذي كان يمارسه بعض الحكام وخاصة أسرة المانشو خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ضد الناس بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة. وعلى مدى أكثر من مائة عام وفي الفترة من [1758-1873م] هبت أربع ثورات كبرى لمسلمي الصين.. بالإضافة إلى عشرات الثورات المحدودة.. وكانت الثورة الكبرى الأولى عام 1758 في ولاية قانصو بقيادة سوسي سان. وكانت الثورة الثانية من عام 1825 1827 في مقاطعة سينكيانج. وكانت الثالثة في عام 1855 في مقاطعة يونتان واستمرت 18 عاما. وكانت الرابعة عام 1855 في مقاطعات سنيكيانج وقانصو وشنشي واستمرت عشرين عاما. وفي أثناء ذلك قتل مئات الألوف من المسلمين ومنعوا من أداء شعائر الحج وتم ذبح أبقارهم لإجبارهم على أكل لحم الخنزير واستخدمت الضرائب لإفقارهم وتعرضوا لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد والقهر أسوأ مما كان سائدا في العصور الوسطى. وهكذا لم يرضخ المسلمون للضغوط ولا للتعذيب ولا لسياسات الاحتواء وأصروا على الاحتجاج. وبالتالي فالوجود الإسلامي في الصين لم يكن أمرا سهلا بل كان له ثمن باهظ دفعه المسلمون حتى أصبحوا جزءً من هذا المجتمع.

 

* لكن ماذا عن الوجود الإسلامي المعاصر في الصين؟

** سأحدثك عن الوجود الإسلامي في القرن العشرين… ولكي أوضحه تماما فسوف أقسمه إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى وهي منذ بداية القرن العشرين وحتى قيام ثورة ماوتسي تونج عام 1949 وقد كانت فترة هادئة نسبيا بالنسبة للمسلمين انتشروا فيها في أرجاء الصين بصورة أكبر وتعرضوا لاضطهاد لكنه كان أقل بكثير مما تعرضوا له قبل ذلك وهذا أعانهم على التقاط الأنفاس وتجميع الشتات وتقوية ذاتهم دينيا.. فبنوا المساجد وذهبوا في بعثات تعليمية إلى الأزهر وأرسلوا الحجاج لبيت الله الحرام وقويت علاقتهم بالعالم الإسلامي وطبعوا المصحف الشريف باللغة العربية عدة مرات وبدأت حركة الترجمة إلى الصينية للكتب الدينية بفضل العلماء الذين تعلموا في الأزهر.

أما المرحلة الثانية فتبدأ بقيام الثورة بزعامة ماوتسي تونج عام 1949 وقد اتسمت بالتعاطف مع المسلمين وتحقيق بعض طموحاتهم وذلك ردا للجميل لأن المسلمين ساندوه في ثورته. واشترك المسلمون في مجلس النواب ووصل عددهم إلى 17 عضوا فضلا عن اشتراكهم في المجالس الإقليمية وتوليهم لعدد من المناصب المهمة في الدولة وأصبحوا يتمتعون بكافة حقوقهم كمواطنين. والأكثر من ذلك كان الإعلان الرسمي الذي اعتبر المسلمين أحد عناصر الأمة باعتبارهم أهم الأقليات الرسمية في الدولة. وتم السماح بتأسيس الجمعيات الدينية فتأسست الجمعية الإسلامية الصينية عام 1953 علاوة على نشأة المدارس الإسلامية والمعاهد المختلفة والصحف. وبالنسبة للفترة الثالثة وهي فترة الثمانينات والتسعينيات فتتسم بعدة أحداث كان لها أثر على النظرة الصينية الرسمية للإسلام والمسلمين ومنها الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 فجاملت المسلمين لكي تظهر دعم الإسلام في مقابل الاعتداء السوفيتي على الإسلام والمسلمين. واستمرت القيادة الجديدة في الصين بعد سحق عصابة الأربعة عام 1978 في إشاعة مناخ الانفراج النسبي لدى أصحاب الأديان بعد العنف والاضطهاد طوال سنوات الثورة الثقافية العشر. هذا كله أعطى الأمل لمسلمي الصين للظهور على الساحة فتم السماح للمؤتمر الرابع للجمعية الإسلامية الصينية بالانعقاد بعد غيبة 17 عاما، وعين أحد المسلمين نائبا لرئيس الوزراء عام 1990.

* قلتم أن ماوتسي تونج رد الجميل للمسلمين وأعطاهم الحرية، ولكنكم ذكرتم أيضا أن المسلمين تعرضوا للاضطهاد أثناء سنوات الثورة الثقافية العشر... كيف تفسرون هذا التناقض؟

** نعم التعامل الإيجابي كان في بدايات ثورة ماو لكنه لم يستمر طويلا بحكم تطورات الثورة وتطورات النظام الشيوعي والثورة الثقافية التي أحكمت قبضتها على كل الأقليات، وبدأ اضطهاد المسلمين منذ منتصف الخمسينات لكن دون أن يصل إلى الحال في الماضي. واقتصر الأمر في الفترة بين [1956-1980] على الاعتقالات والتعذيب المحدود.

 

 

* ابتداء من السبعينات شهد العالم الإسلامي صحوة إسلامية... كيف كان تأثرها على الصين كدولة وكمسلمين؟

** تفاعلت الصين مع المد الإسلامي المتعاظم عالميا بإظهار قدر كبير من المرونة وضمان أكبر قدر من الاهتمام بمصالح المسلمين. فظهر تعاطف الدولة مع المسلمين وتشجيعهم على ترجمة العديد من الكتب الإسلامية وإجراء دراسات عن الحركات الإسلامية المعاصرة وتوجيه الدعوات للمسئولين عن الشؤون الإسلامية في الدول العربية لزيارة الصين. وهكذا ظهر اهتمام الدولة الصينية بالظاهرة الإسلامية تمشيا مع المد الإسلامي العالمي في إطار التفاعل مع ما يحدث في العالم. كما حاولت الصين إدارة علاقات أوسع مع العالم الإسلامي كسبا للمصالح.. فاهتمت الصين بمنطقة الخليج العربي الغني بالبترول والطاقة.. وهي منطقة تمثل سوقا للصين فرأت الصين أن الاهتمام بالأقلية المسلمة فيها سيسهم في تدعيم علاقتها بدول الخليج بل بكثير من دول العالم الإسلامي التي للصين علاقات معها. وكان لتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 انعكاسا على الأوضاع في الصين فظهرت ست جمهوريات حصلت على استقلالها وهويتها الإسلامية وفي نفس الوقت لها حدود مع الصين في الشمال والغرب وثار التساؤل عن تأثير ذلك على الشمال والغرب الصيني الذي يعيش فيه المسلمون الصينيون، وكل ذلك على العموم وبفضل الله كان لصالح المسلمين.

 

* كثير من المسلمين يسمعون عن تركستان الشرقية وتاريخها الإسلامي الكبير لكن لا يعرفون عنها شيئا.. هل لنا في لمحة موجزة عنها؟

** ربما لا يعرف هذا الاسم أيضا معظم مسلمي الصين.. لأن تركستان كانت منطقة إسلامية كبيرة ولها في التاريخ الإسلامي شأن. ولكن دارت عليها الأيام وتم تقسيمها إلى جزأين. الجزء الصيني وهو تركستان الشرقية والجزء السوفيتي وهو تركستان الغربية. وتركستان الشرقية اسمها الصين الآن هو إقليم سينكيانج الذي يقع في الشمال الغربي للصين وعاصمته أورومكي ويسكنه 15 مليون مسلم ينتمون لقوميات إسلامية مختلفة مثل الويغوريون [أبناء الإقليم] والقازاك والطاجيك والقرغيز والأوزباك والتتار. وهذا الإقليم يحد أربع جمهوريات سوفيتية سابقة هي كازاخستان وحدوده معها 1355 كيلومتر، وقرغيزيا وحدوده معها 858 كيلومتر وطاجيكستان وحدوده معها 414 كيلومتر ثم روسيا وحدوده معها 56 كيلومتر. ومن يذهب إلى هذا الإقليم يستشعر مدى غلبة الطابع الإسلامي على حياة شعبه ونمط معيشته. ومساحة هذا الإقليم مليون وستمائة ألف كيلومترا مربعا تعادل سدس مساحة الصين. ويمتلك الإقليم ثروة طبيعية واسعة من الموارد المعدنية والإمكانات الزراعية والاحتياطات البترولية الضخمة وغير المستغلة.

ولكن للأسف تقف الصين في وجه أبناء هذا الإقليم وترفض مطالبهم بالاستقلال وتقمعهم وتعدم قادتهم.

 

* لكن ماذا عن أحوال الدعوة الإسلامية في الصين؟

** شاءت إرادة الله أنه مع تغير الظروف الدولية التي جاءت كلها لمصلحة المسلمين في الصين أن يعيشوا أحسن فترات تاريخهم.. فالآن هناك حرية كاملة لأهل الأديان وعلى رأسهم المسلمون وفي السنوات الماضية بنينا عدداً كبيرا من المساجد وأصبح هناك 420 جمعية إسلامية تعمل في مجال الدعوة والإغاثة والعمل الاجتماعي التطوعي والتعليمي. وارتفع عدد الحجاج من إقليم سينكيانج وحده إلى ألفى حاج نأمل أن نضاعفهم في السنوات المقبلة.

كما أننا نخطط الآن لمضاعفة عدد طلابنا المسلمين في الأزهر وفي الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والجامعة الإسلامية في باكستان.. ونأمل مساعدة إخواننا المسلمين في هذه البلاد.. ونأمل منهم أيضا أن يساعدوننا بأن يرسلوا لنا الأئمة والوعاظ الذين يجيدون اللغة الصينية.

 

* بما أنكم نائب الأمين العام للجامعة الإسلامية في الصين.. هل لنا أن نتعرف على الوضع التعليمي والثقافي لمسلمي الصين؟

** المسلمون جزء من المجتمع الصيني ويتعلمون ويتثقفون كما يتعلم المواطن الصيني ويتثقف من خلال المدارس والجامعات ووسائل الأعلام الصينية. ولكن في إطار المحافظة على الهوية الإسلامية والخصوصية الدينية 1لنا فهناك الآن في الصين عشرة معاهد إسلامية يدرس فيها ستة آلاف طالب حيث يتعلمون تفسير القرآن ويدرسون السنة النبوية وعلم التوحيد وتاريخ العرب واللغة الغربية وتاريخ الصين واللغة الصينية والفقه.. الخ. كما أن لدينا الآن عشرات الجرائد والمجلات التي تناقش قضايا الثقافة الإسلامية وعلاقتها بالواقع الصيني وتهتم بأمور المسلمين في جميع أنحاء العالم. وأنا أترأس تحرير مجلة المسلم الصيني والتي نناقش فيها المشكلات التي تواجه المسلم الصيني في التعليم والمعيشة والهوية والحياة الاقتصادية وغير ذلك ونوزع منها شهريا عشرة آلاف نسخة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply