\ المفكرة \ تحاور أستاذ الدين الإسلامي في جامعة ليمويند الأمريكية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أصبحت الجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا أكثر ثقة في نفسها عن ذي قبل فقد تخطت مرحلة التقوقع والعزلة إلى مرحلة التفاعل والاندماج ويبدو أنها وصلت إلى الطور الثالث من نموها وهو التأثير في مؤسسات المجتمعات التي تعيش فيها..حتى وصل الأمر في جامعة سركيوز الأمريكية إلى تعطيل الدراسة في عيد الفطر وجعله عطلة رسمية للجامعة احتراماً للمسلمين وكذلك إعطاء الحق للطالب المسلم ليطلب الطعام الحلال المطابق للشريعة من مطعم الجامعة بعد أن كان محروما من ذلك. هذه التجربة الفريدة يرويها د.أحمد نزار قبيسي إمام ومدير الجمعية الإسلامية في وسط نيويورك وأستاذ الدين الإسلامي في جامعة ليمويند ومستشار الطلبة المسلمين في جامعة سركيوز بولاية نيويورك من خلال هذا الحوار.

 

* هل لنا أن نتعرف على تفاصيل التجربة الناجحة للاحتفال بأعياد المسلمين في جامعة سركيوز؟

** جامعة سركيوز بولاية نيويورك جامعة عريقة عمرها أكثر من 180 سنة وبها تخصصات كثيرة وتحتل مكانة مرموقة بين الجامعات الأمريكية، ومنذ عدة سنوات بدأت هذه الجامعة برامج لتكريم الطلبة المسلمين كي تغلق أبوابها عن الدراسة في أعياد المسلمين أسوة بما يحدث في أعياد اليهود والنصارى بعد مطالبات عديدة للمسلمين.

 وكانت خطوة رائدة بالنسبة للمسلمين لأنها لم يسبق لها مثيل في أوروبا وأمريكا، وأعقب ذلك خطوة مهمة وهي قيام الجامعة بتقديم وجبات الطعام الحلال للطلبة المسلمين سواء في الجامعة أو تقوم بتوصيلها للمنازل.. ونحن نشرف في الجمعية الإسلامية بوسط نيويورك على توريد اللحم الحلال للجامعة وكذلك كل أنواع المواد الغذائية التي تدخل في الطعام.. وجامعة سركيوز في هذا الأمر تعتبر ضمن ثلاث جامعات في أمريكا وأوروبا تقدم الطعام الحلال للطلبة المسلمين.

 

* كل حق لا يؤخذ إلا بعد جهاد ومثابرة.. والحق لا يمنح لمن لا يسعى إليه.. فما هي جهود المسلمين التي سبقت انتزاع هذه الحقوق؟

** المجتمع الأمريكي يتميز الآن بظاهرة احترام الأقليات.. لكن على كل أقلية أن تسعى لاكتساب حقوقها لأن هذه الحقوق لا تقدم على طبق من ذهب.. وفي البداية علمنا أن الجامعة على وشك مناقشة خطتها الخمسية وعلى وشك وضع الجداول للسنوات الخمس المقبلة وطلبوا مني كمستشار للطلبة المسلمين في الجامعة تقديم مقترحات في هذا الشأن فطلبت من الجامعة تعطيل الدراسة في عيدي الفطر والأضحى وطلبت منهم أيضا احترام وقت صلاة الجمعة بأن يكون خالياً من المحاضرات كما طلبت منهم التعاون مع الجامعات العربية والإسلامية في برامج محددة. ثم جاءنا الرد بأن أرسلت إلينا الجامعة موفداً ليتفاوض معنا فقال لماذا تصرون على طلب عيدين اثنين فقلنا أن الطلبة المسلمين يهمهم أن يذهبوا إلى صلاة العيدين والاحتفال بهما من غير أن تفوتهم الدراسة.. فقالوا إن لوائح الجامعة تتيح لهم ترك الدراسة لعذر ديني.. فقلنا لهم أن الطلبة المسلمين يعانون من التفرقة العنصرية حيث يتم الاحتفال بالأعياد اليهودية والمسيحية.. قالوا إننا لا نحتفل إلا بعيد واحد فاختاروا لكم عيداً واحداً فاخترنا عيد الفطر لأنه كان يتنقل وسط الدراسة أما عيد الأضحى في ذلك الوقت فكان يأتي في الإجازة الصيفية. ثم طلبوا منا بعد ذلك أن نمدهم بتواريخ عيد الفطر لمدة خمس سنوات مقبلة ففعلنا. ثم انقسمت اللجنة إلى فريقين فريق مع إلغاء الأعياد كلها لليهود والنصارى والمسلمين باعتبار أن الجامعة علمانية وفريق مع الاحتفال بعيد الفطر.. وكتبت مذكرة للجامعة قلت فيها إن الاحتفال بعيد الفطر ليس فقط احتفالاً بمناسبة دينية بل إنه يضيف إلى رصيد الجامعة التعليمي فإن معظم الطلاب والأساتذة لا يعلمون عن الإسلام شيئا وبالتالي فسوف يسألون ماذا يمثل هذا العيد والإجابة ستكون إضافة لهم ولمعلوماتهم. وطرح الموضوع أمام مجلس الجامعة فوافق على تعطيل الدراسة في عيد الفطر واعتمد هذا الأمر المجلس الأعلى للجامعة، وبعد ذلك تقدم الهندوس بطلب مماثل فجاء رد الجامعة أن عيد الفطر هو آخر الأعياد التي ستحتفل بها الجامعة لأنه لو تم الاحتفال بأي عيد آخر فسوف تصبح الدراسة غير قانونية وغير معترف بها لأن الأيام الدراسية القانونية ستقل يوماً وستصبح أيام الدراسة أقل يوماً من عدد الأيام القانونية المعتمدة للدراسة والتي بناء عليها تعتمد النتيجة. ويجب أن أذكر هنا أنه خلال مناقشة هذا الأمر بيننا وبين الجامعة ونتيجة لتفاعلنا مع الأساتذة ومناقشتنا معهم فقد انضم بعضهم لمناصرة قضيتنا بعد أن اقتنعوا بها وقد قدم الطلبة المسلمون أثناء ذلك صورة مشرفة وكانوا يدعون الطلبة الأمريكيين لحفل عيد الفطر وتناول الحلوى معهم ثم يوزعون عليهم المنشورات التي توضح لهم ماذا يعني عيد الفطر الذي يحتفل به المسلمون وما معنى شهر الصوم الذي يسبقه.. ويقوم الطلبة المسلمون كل عام بتقديم الشكر للجامعة في الإذاعات والصحف المحلية والمنشورات.. كل ذلك أظهر المسلمين بمظهر مشرف وزاد من احترام الجامعة لهم.

 

* لكن كيف يمكن الاستفادة من تجربتكم هذه وتعميمها في جامعات أخرى؟

** ينبغي على المسلمين النظر إلى حال الجامعة فإذا كانت تحتفل بأعياد دينية لغير المسلمين تكون الفرصة مواتية للاحتفال بالأعياد الإسلامية، أما إذا كانت الجامعة لا تحتفل بالأعياد الدينية بسبب علمانيتها أو القيود الحكومية عليها فإن الفرصة تكون مستحيلة في الوقت الحاضر. وينبغي على الطلبة المسلمين في كل جامعة أن يسعوا إلى أخذ حقوقهم فهم يدفعون المصروفات الدراسية الباهظة ولذا ينبغي عليهم أن يبحثوا عن طرق تعطي لهم صورة متميزة أمام الجامعة. وإذا كانت الجامعة تحتفل بالأعياد الدينية فينبغي على الطلبة المسلمين أن يقووا صلاتهم بالمسئولين في الجامعة ويتقدموا بطلب موحد عن طريقهم ومعهم تأييد الجالية الإسلامية للاحتفال بأعيادهم.

ولو أحسنوا عرض قضيتهم فسوف يستجاب لهم، وينبغي أن يكون لديهم معلومات كافية عن عدد الطلاب المسلمين في الجامعة وأن يكون لديهم أيضا مبررات منطقية معقولة ومقبولة للجامعة يبررون بها رغبتهم، ومن هذه المبررات حقهم في المساواة والاحتفال بأعيادهم أسوة بغيرهم وأن هذا سيؤدي إلى الارتفاع بسمعة الجامعة أمام المسلمين وجعل المسلمين يلتحقون بها وأنهم يرغبون أن تكون الاحتفالات بأعياد المسلمين فرصة لتقديم المعلومات عن الإسلام والمسلمين للناس، أو أن يكون المبرر هو خشية المسلمين من التمييز والاضطهاد وفوات الدروس إذا تخلفوا عن الجامعة أيام أعيادهم. وينبغي عليهم أيضا الإصرار على أن تقدم لهم الجامعة الطعام الحلال لأنهم يدفعون المصروفات مثل غيرهم وهم يستحقون أن يعاملوا على قدم المساواة.. وهذا منطق تفهمه الجامعات والمنظمات الأمريكية والغربية عموما.

 

* هل يمكن القياس على هذه التجربة من أجل المزيد من المكتسبات في المؤسسات المختلفة؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدعيم وضع المسلمين في المجتمع الأمريكي وإضعاف سيطرة اليهود عليه؟

** المجال مفتوح ونحن ساعون فيه.. فمثلاً في الجامعة نحن ساعون حالياً إلى إنشاء قسم الدراسات الإسلامية.. وبصدد تقديم طلب لبلدية نيويورك للسماح للعاملين المسلمين بالأجازات في أعيادهم على أن يقوموا بتعويضها والعمل في أيام الكريسماس وأعياد الآخرين.. والقانون الأمريكي يسمح بذلك.. وفي كندا وافقت بلدية مدينة تورنتو على هذا المبدأ.. والسوابق القضائية تؤكد أن الانتصار دائما يكون للحقوق الدينية وصدرت العديد من الأحكام الفيدرالية التي تعطي الحق لأصحاب الديانات وتمنع التمييز. وأذكر قصة الشاب الأمريكي الذي أسلم وقرر أن يطلق لحيته وكان يعمل سائقاً في شركة فطردته الشركة وقالوا له لو حلقت لحيتك يمكنك العودة.. فجاء إلينا في الجمعية فكتبنا له خطاباً بأن الدين الإسلامي يأمر باللحية وأنه بذلك ينفذ أمراً دينيا وقمنا بالاتصال بالمجلس الأمريكي للعلاقات الإسلامية فقاموا بشرح الأمر لمحامي الشركة والمسئولين فيها فقررت الشركة تغيير لوائحها وقالت إنه إذا كان إعفاء اللحية لسبب ديني فإنه يجوز.. وهذا حق جديد اكتسبه المسلمون في المجتمع الأمريكي. وحق آخر اكتسبناه في مجال المرأة وهو أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت تشترط للحصول على جواز السفر الأمريكي أن تكون الأذن اليمنى ظاهرة فظهرت مشكلة بالنسبة للنساء المسلمات المحجبات، وكنا في البداية نكتب خطاباً شخصياً إلى إدارة الهجرة فيعفون صاحبة الخطاب.. لكننا قمنا بشكل جماعي بمخاطبة وزارة الخارجية والوزير شخصيا فقامت الوزارة مشكورة بتغيير اللوائح وتغيير النماذج المعدة للحصول على الجواز وجعلوا إعفاء تغطية الأذن اليمنى للمرأة إذا كان بسبب ديني. وهذا كله من شأنه أن يقوي من شخصية المسلم ويمنع من ذوبانهº لأن الضغط يخف عليه ويصبح احتفاظه بإسلامه أمراً ميسوراً بل أحياناً يكون فيه تميز. أما إذا كان هناك ضغوط فلا يسمح للمسلمين باللحية والحجاب ويفصلون من العمل بسبب ذلك وترغم نساؤهم على الكشف عن آذانهن فإن ذلك يكون سبباً في أن يتحلل المسلم من دينه ويذوب في المجتمع الأمريكي، ونحن الآن نسعى لإدخال الطعام الحلال للمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية وقطعنا شوطاً معقولاً في هذا الخصوص. ونحن نريد أن نجعل معيشة المسلمين في أمريكا ليست مقبولة فقط ولكنها مريحة قدر الإمكان حتى نمنع ذوبانهم في المجتمع الأمريكي.

أما عن الوصول للمؤسسات فهذا أمر تدريجي يأتي بالتراكم من ناحية ثم بالعمل الدءوب، وأحسب أن كثيرا من المسلمين تعلموا من أساليب اليهود وسوف يحمل المستقبل إن شاء الله خيراً كثيرا للمسلمين والإسلام في أمريكا.. وأي نجاح للمسلمين هناك سيكون بلا شك خصماً من رصيد اليهود.

* رغم كثرة المسلمين في أمريكا وفيهم الكثير من المثقفين.. إلا أن الصورة المشوهة للإسلام مازالت تسيطر على عقلية المواطن الأمريكي.. فهل هذه الصورة السلبية بسبب الإعلام واليهود أم بسبب نفسية المواطن الأمريكي أم بسبب المسلمين أنفسهم؟

** ينبغي أن نؤكد أن معظم المسلمين المهاجرين إلى أمريكا لم يهاجروا رغبة في الإسلام وإنما رغبة في العمل وتحسين ظروفهم الاقتصادية ولا يهمهم الإسلام في قليل أو كثير، وكثير منهم غير ملتزم بالإسلام وهؤلاء لا يرجى منهم الدعوة إلى الإسلام بين الأمريكيين والدفاع عنه ضد ما ينشر في الإعلام.

والمسلمون تنبهوا إلى خطورة الصحافة فصاروا لا يتركون مقالاً يكتب طعناً في الإسلام إلا ردوا عليه بمنطق يقبله المواطن الأمريكي. والعقلية الأمريكية في معظم حالاتها منصفة تسعى إلى معرفة الحقيقة. واذكر أنني دعيت لإلقاء محاضرة في إحدى الجامعات عن المرأة في الإسلام فرأيت أن أتصرف بشكل عملي فأخذت معي إحدى الأخوات المسلمات لتكون نموذجا عمليا وتتحدث بنفسها بعد أن أنهي محاضرتي وبعد أن انتهت الندوة جاءت طالبة أمريكية وأخذت تبكي وانهارت في حضن هذه الأخت المسلمة وقالت لها سامحيني لقد كنت أسخر من لباسكن وأتفكه عليكن ولكني بعد أن سمعتك فإني أعتذر عن كل شيء حدث مني. لكن هناك في العقلية الأمريكية جهل متعمد لا تفلح معه الإقناعات والحوارات اللهم إلا فضحه وسحب الثقة منه لدى القارئ أو المستمع ليرى أن هذا الكلام بعيد عن العقل والمنطق فيرفضه.

 

* هل تعتقد أن المرأة الأمريكية تغار من المرأة المسلمة وتتمنى أن يكون لها زوجاً مسلماً يحافظ على أسرته ويرعاها ولا يرتكب المحرمات؟

** جاءتني طالبتان أمريكيتان تعدان بحثا عن الإسلام وحقوق المرأة ولما جلستا في المسجد قالتا لماذا تفصلون النساء عن الرجال.. وكأن في ذلك ظلم وانتقاص لهن.. قلت لهما ولماذا تنظران للأمر كذلك ولماذا لم تقولا: لماذا تفصلون الرجال عن النساء فالرجال أيضاً متضررون بهذا المفهوم.. فاعتذرتا.. فقلت لهما إنكما جئتما وفي ذهنكما صورة مسبقة عن الإسلام. وأخذت أقارن لهما بين وضع المرأة في الإسلام ووضعها في المجتمع الأمريكي حيث يتوقع الزوج أن تسدد له زوجته نصف الفاتورة وإذا مرضت أو طردت من عملها ولم تستطع ذلك فقد يحدث الانفصال.. والإحصاءات تقول أن 65% من حالات الطلاق تحدث بسبب المشكلات المادية.. وبعد المناقشة معهما قالتا نحن الآن مقتنعتان أن المرأة غير المسلمة تعامل معاملة المهملات. والرجل الأمريكي يستطيع أن يحرم مورثه من الميراث ويـحدث ذلك كثيـراً.. والأمريكان يرون المسلمين وخاصة الملتزمين منهم فينبهرون بهم ويقتنعون، وإن كانون لا يسلمون بالضرورة، لأن هناك عوامل أخرى تتدخل في هذا الموضوع، لكن هناك كثيرات من الأمريكيات يجسدن المسلمات على تميزهن وسترهن والحقوق التي يتمتعن بها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply