بسم الله الرحمن الرحيم
رغم قدم الإعلام بأنواعه المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية وتغلغله في المجتمعات المسلمة وتأثيره الضخم على الأفكار والمبادئ والقيم وفضلاً عن العادات والتقاليد الحسنة ذات الأصول الإسلامية، إلا أن الحركات الإسلامية لم تُعِر الإعلام أهمية كبيرة، بل كان في ذيل القائمة وأحياناً خارج القائمة.
كانت الاهتمامات منصبة على الدعوة الفردية وأحياناً إن سمحت الظروف الدعوة العامة من خلال بعض المنابر المتاحة: في الجانب الثقافي انصب الاهتمام على الكتب بحثاً وتأليفاً ونشراً، وإن كان الغالب هو الناقد للأوضاع العامة للأمة الإسلامية أو دراسات حديثية أو فقهية ذات طبيعة أكاديمية في كثير من الأحيان، وبعيداً عن الدراسات التحليلية والحلول المتكاملة والبرامج الإيجابية والمشاريع الناجحة لإصلاح الأوضاع وإعادة الأمة إلى حظيرتها.
أما في جانب الإعلام فكان الموقف ــ غالباً ــ الترك والمجانبة الكاملة لكافة الوسائل الإعلاميةº نظراً لما قد ينطوي عليه المشاركة من سلبيات لا تُدرك أبعادها.
كانت السلبية تجاه وسائل الإعلام تعتمد منهجية تقول أن المشاركة في وسيلة يعني الموافقة على ما تقدمه من برامج و مواد، وأن هذا إقرار للكثير من وسائل الإعلام المخلّطة فضلاً عن المنحرفة. رغم الفضيلة في هذا الرأي وروح الصفاء والخيرية المعتمدة عليه إلاّ أن الأمر كان تعميمياً قاصراً وفهماً مغلقاً.
كانت لدى الصحوة الإسلامية الفرصة الهائلة لبيان حكم الإسلام في الكثير من القضايا وتوجيه الناس للحق والتحذير من الباطل، إلا البقاء في الدائرة الحمراء حرم الناس الكثير من الخير.
بعد سنوات طوال، وبعد سبر كثير انقلبت الصورة بالكامل، وتحول المعارضون إلى مؤيدين وبشكل مبالغ فيه. أصبحت الدعوة لمشاركة الإسلاميين في مختلف وسائل الإعلام المتاحة حمى الديدن العام للكثيرين منهم.
الغريب أن هذه الدعوة جاءت من المعارضين السابقين أنفسهم رغم أن الأوضاع ازدادت سوءاً في جانب وسائل الإعلام. هل السبب هو رؤية جديدة للواقع؟ ربما. أم السبب ردود أفعال حيال ضغط الواقع؟ أيضاً الجواب ربما.
الحقيقة التي يجب التوقف عندها أن مشاركة الإسلاميين في كافة وسائل الإعلام المتاحة سواء ذات المنهج التغريبي والعلماني بالكامل و المخلّطة يجب أن تخضع لقواعد مبنية على دراسة مفصلة بواقع الحال، وأيضاً بناء على المحتوى الذي سيقدم.
وبتفصيل أوضح نقول: ليس من المناسب لكل من حمل قلماً أن يكتب في أيّ صحيفة، وليس كل من أوتي لساناً أن يشارك في أي برنامج حواري وفي أي قناة تلفازية. الأمر يعتمد من المشارك وأين يشارك وفيم يشارك، والأمر يعتمد على التقدير الشخصي والاجتهاد الإنساني المبني على المصالح المعتبرة شرعاً، وليس الأهواء الذاتية والاندفاعات غير المنضبطة، والحماس الآني.
السلبية الكاملة مرفوضة، وأيضاً المبادرة غير المحسوبة والمطلقة في الخوض في كافة القنوات الإعلامية أيضاً ليس بإيجابي.
وأخيراً لابد من مراجعة دورية لهذا الاجتهاد ووضعه في أطره الصحيحة بناء على معطيات الواقع والنتائج والمصالح المتحققة وقواعد المصالح والمفاسد المؤصلة شرعاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد