من مظاهر الانحراف الفكري في الصحافة العربية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 - 1 - إن من نعم الله علينا أن بلغنا هذا الزمان الذي يشهد صحوة إسلامية مباركة، ورجوعاً من المسلمين إلى الله - تعالى -أفراداً وجماعات، شيباً وشباباً، رجالاً ونساء، وعودة راشدة إلى الحق وإلى منهاج كتاب الله - تعالى -وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، تقود طلائعها ثلة من العلماء، وكوكبة من الدعاة، يرشدون الناس ويوجهونهم، ويذكرونهم بأيام الله، ويبينون لهم صراطهم المستقيم.

 وإن من سنة الله التي خلت من قبل أنه ما من زمان ترفع راية للسنة، ويعلو فيه شأن للمسلمين، ويرتفع لواؤهم، إلا وتظهر فيه طائفة من الناس قد امتلأت قلوبهم غيظاً لعز الإسلام، وحقداً لعزة المسلمين، وارتوت أفئدتهم خبثاً ومكرا، ينتبذون مكاناً قصياً، ويسلكون مسالك شتى في الكيد للإسلام والتربص بحملته، وإن مما ابتلي به المسلمون في هذا الزمان نفر من بني جلدتهم، يعيشون بينهم ومعهم، يلبسون ثيابهم، ويتكلمون بلسانهم، لكنهم يحملون همَّاً غير همِّ دينهم، ويدعون إلى منهج غير منهج قرانهم وشريعتهم، يسلكون في ذلك طرائق قدداً، فمرة يؤذون المؤمنين باسم التطرف، وتارة يتطاولون على أعراض العلماء وطلبتهم باسم الحرص على الدين، وأخرى يلزمون الدعاة إلى الله باسم الحفاظ على المصلحة العامة واستتباب الأمن، وكل ذلك يصدر من مجتمعات إسلامية، وتقرؤه جماهير المسلمين، ينشرون ذلك باسم الحرية، حرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية القلم، أما غرضهم الأساس فهو الانتقاص من قدر العلماء والدعاة وتجريحهم، والتشكيك فيهم، ومحاولة نزع الثقة منهم حتى لا تقوم للإسلام قائمة، إدراكاً منهم أن تلك الصفوة من حملة الدين عليهم المعوّل بعد الله في نشره وفي تمكين الصحوة.

 

 - 2 - وإن مما ابتليت به مجتمعاتنا الإسلامية مؤخراً فئة ممن تسنموا الصدارة الصحفية وامتطوا صهوة أقلامهم لحرب العلماء والدعاة، ونشر مقالات صريحة وجريئة في التطاول عليهم والانتقاص من قدرهم.

وهم يعلمون أن جماهير القراء غالبيتهم من المسلمين، وأن ما يكتب في الصحيفة هو بالدرجة الأولى موجه لهم، وإن من أهم الكتابات التي تلفت أنظارهم هي تلك التي تكتبها أسماء معروفة ذات نفوذ مؤثر، وذلك لأن تلك الأقلام عادة ما تكون مسؤولة أو تعبر عن اتجاه الصحيفة كوسيلة إعلامية تعبر عن واقع المجتمع الذي تعيش فيه، أو - في أقل الأحوال - تكون مرآة لقياس فكر القائمين عليها وسياساتهم وتوجيهاتهم.

ومن هذا المنطلق فإن ذلك السيل الهادر من المقالات المدبجة بعبارات الذم وكيل التهم للدعاة والناصحين للأمة التي بدأت تطالعنا بها صحافة تصدر في مجتمعات إسلامية كان محل تساؤل الكثيرين من أفراد الأمة الإسلامية، بل وغضبهم مما يقال وينشر.

إن تلك الفئة من الكتبة يتحدثون بدعوى حرية الرأي عن قضايا ذات علاقة بصفوة الأمة وهم علماؤها وطلابهم والدعاة إلى الله والناصحون للمسلمين، وتلك وايم الله قضية ينبغي لمن أراد الكتابة عنها أن يستكمل شروطها، وأن يفكر ويقدر قبل الشروع في الحديث عنها.

 إن ذلك التوجه الخطير في الصحافة العربية له عواقب وخيمة على الأمة، وإن مما يزيد خطورته غض البصر عنهم من قبل الأنظمة السياسية في الدول العربية التي أعطتهم الضوء الأخضر لنهج ذلك المسلك.

وكان من نتيجة ذلك أن تمادى هؤلاء الكتاب في غيهم، وتحدوا مشاعر المسلمين وذلك من خلال الكتابة عن علمائهم ودعاتهم بأسلوب فظ غليظ، ومن خلال تسمية الدعاة والعلماء بأسمائهم والتعريض بهم والانتقاص من قدرهم ومكانتهم، وأخيراً من خلال ذكر أسمائهم في افتتاحيات الصحف وأغلفة المجلات إمعاناً في الجرأة ولفتاً للانتباه، في محاولة فاشلة منهم إما لجذب القارئ وكسبه، وإما استفزازاً له وتشفياً منه.

 إن من يتابع ذلك الزخم الهائل من المقالات والتحقيقات والأحاديث الصحفية التي ينشرها أولئك الكتبة على صدر صحفهم وأغلفة مجلاتهم تتبادر إلى ذهنه عدة انطباعات عامة هي في نظري القاسم المشترك الذي يجمع بينها، ومن تلك الانطباعات ما يلي:  أولاً: أن الكتابة عن الدعاة إلى الله وحملة الإسلام والناصحين له بقصد الانتقاص من قدرهم والتطاول عليهم، وتشكيك الناس فيهم لنزع الثقة منهم، وتسميتهم بأسمائهم الصرحية بالأسلوب الذي تنتهجه الصحافة العربية لا يخرج في نظري عن أحد أمرين:  أ- إما غرض شخصي للكاتب لا نعرف نحن القراء كنهه ولا دلالته، وفي ذك تجن علينا باقتطاع مساحة كبيرة من الصحيفة - وذلك من حق القارئ - لتحقيق مآرب ذاتية وتلبية رغبات شخصية.

 ب - وإما محادة صريحة للمؤمنين وإيذاؤهم، وقد جاء الوعيد لمن انتهج ذلك المسلك في قوله- تبارك وتعالى -: (والَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ والمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَاناً وإثماً مٌّبِيناً).

 ثانياً: إن هذا التوجه في الصحافة العربية يتزامن مع أحداث لا تزال تقع في بعض الأقطار العربية كان طرفاها الحكومات العربية من جانب والجماعات الإسلامية (وبعض المحسوبين على الحركات الإسلامية) من جانب آخر.

وإن ذلك توقيت في غير أوانه، بل إن الكثير من المسلمين يعتقد أن ذلك أمر قضي بليل، فهم يساهمون بشكل مباشر في ضرب المسلمين وشباب الصحوة الإسلامية ويتعاونون مع أنظمتهم في تنفيذ ذلك، ثم هم أيضاً بالتطاول على أهل العلم وطلاب العلم والمنتسبين إلى الدعوة الإسلامية يلتمسون عذراً لمن يتصيد في الظلام من دعاة الفساد ورؤوس الضلالة في المجتمعات الإسلامية.

 ثالثاً: أن أولئك الكتبة الذين ابتليت بهم صحافة الأمة يحاولون لفت انتباه الجماهير لما يكتبون بطريقة تتنافى مع أعراف الكتابة والصحافة.

إن مصطلح (جذب انتباه القارئ) للصحيفة لا يكون بتلك الطرق المجانبة للصواب، لقد درسنا الصحافة والسياسة في بلاد الإسلام وفي البلاد الغربية وما سمعنا ولا قرأنا ولا علّمنا أساتذة الإعلام أن هذا المصطلح الصحفي يجب أن يستخدم على حساب المبادئ والقيم والقوانين السائدة في المجتمع - أي مجتمع - وإن مصطلح (الحرية) ليس مطلقاً بل مقيداً تقييداً يتناسب و (المصلحة العامة) للمجتمع، وإلا أصبحت الحرية فوضى، والتعبير الحر هجوماً معلناً، فكيف ونحن نتعامل مع هذين المصطلحين في مجتمعات إسلامية تحكمها ضوابط الدين والشرع والأخلاق.

 إن تلك المنابر الصحفية التي تسلقها أولئك الكتبة ويفرضون على الناس آراءهم من خلالها هي منابر لا يملكونها، بل هم كغيرهم من أفراد المجتمع أنيطت بهم مسؤولية إدارتها أو الإشراف عليها، وليس من حقهم ولا من حق المجتمع عليهم أن يستغلوا تلك القنوات الإعلامية بدعوى (حرية الرأي) وأن ينشروا ترهاتهم وفكرهم الدخيل على صفحات الرأي.

 

 - 3 - تردد الصحافة العربية وأبواق الإعلام العربي بشكل عام مصطلحات دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، غربية غريبة، تترجمها الصحافة العربية على عواهنها بدون تمحيص ولا غربلة لمدلولها، مثل (الأصولية)، (الإرهاب)، (التطرف) إذا أطلقت في سياق وصف الإسلاميين والجماعات الإسلامية.

وإن من نافلة القول أن نؤكد هنا أن تلك المصطلحات وغيرها مما سنذكره بعد قليل هي مصطلحات تتناقلها وسائل الإعلام الغربية وتستقبلها وكالات الأنباء العربية وتقوم بترجمتها حرفياً وتضمينها في المادة الإعلامية المنشورة فيجدها القارئ العربي تتصدر الأخبار والتحقيقات والمقالات الصحفية التي يطالعون بها القراء بكرة وعشياً.

 ولئن تلقاها القارئ العادي بشعور بارد تجاهها إما لجهله بمصدرها أو بمدلولها إلا أنها تأخذ بعداً آخر حينما تتردد على ألسنة الكتاب وأصحاب النفوذ الإعلامي، وهذا ما وجدناه في ذلك التوجه الجديد بل الدخيل على صحافة المجتمعات الإسلامية.

 لقد قرأنا ما نشره أولئك الكتبة فوجدنا فيه من سطحية في الطرح، وغثائية في الفكر، وتقليدية غربية في الأسلوب، وقد اتبعوا في ذلك أسلوبا فظاً غليظاً في الحديث عن الدعاة وشباب الصحوة الإسلامية لم يخل من مغالطات شرعية يتحاشاها من ينتسب إلى الإسلام فضلاً عمن يدعي إصلاح المجتمع الإسلامي:  - فهم يصفون التدين والالتزام بـ (التطرف الأعمى).

 - ويصفون الصحوة الإسلامية بـ (الظاهرة الاجتماعية).

 - ويصفون الدعاة إلى الله بـ (أدعياء العلم).

 - ويصفون الحق الذي هو غاية الدعاة بـ (الخداع والتضليل).

 - ويصفون طريقة العلماء في نشر العلم - عن طريق الكاسيت مثلاً - بـ (أساليب غير مشروعة).

 - وعمموا الحكم على الجماعات الإسلامية ووصفوهم بأنهم كلهم (إرهابيون).

 - ويصفون الحريصين من طلبة العلم على متابعة الدروس والمحاضرات الدينية بـ (المتطرفين).

 تلك بعض من المصطلحات الدخيلة على عقيدة الأمة وفكرها، فالرجوع إلى الحق والتدين والالتزام بمنهج الكتاب والسنة هو (تطرف أعمى) والدعوة إلى هداية الناس ورجوع الشباب إلى الإسلام يسمى (ظاهرة اجتماعية)، ومن يستخدم هذا المصطلح يعرف مدلول الظاهرة الاجتماعية ومفهومها واستخداماتها عند أساتذة الاجتماع، أما استخدام أشرطة الكاسيت وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية لنشر العلم وإرشاد الناس وتبصير الأمة وهدايتها فذلك في نظر تلك الطائفة من حملة الأقلام الموبوءة (أساليب غير مشروعة)، وكأنهم قد نصبوا أنفسهم علماء بالحلال والحرام، والمشروع والممنوع، وتجاهلوا من يستخدم هذا النوع من الوسائل الإعلامية في نشر الفساد والرذيلة في المجتمعات الإسلامية، وسخروها للهو والغناء ومبتذل القول ورخيصه، وطلبة العلم وشباب الصحوة في مفهوم تلك الشريحة من حملة الأقلام هم (متطرفون)، ولو ناقشت أحدهم في مفهوم التطرف فلن تجد عنده الجواب الشافي، بل سيقول لك سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، أما الوسطية أو الإفراط فلم يستوردوها بعد من أبواق الإعلام العالمي؟ !  ثم انظر إلى أساليب التعبير الأخرى في مسيرة الإصلاح الإعلامي الذي يدعونه، مسيرة تصحيح العقيدة والمفاهيم في المجتمع الإسلامي، يصفون مشاعر الدعاة في نصرة الحق بأنها أصيبت بالهوس بعد أن تسلل إلى قلوبهم واهتماماتهم بأسلوب عاطفي يرفضه العقل والمنطق السليم! ! ثم إن هؤلاء الدعاة جاهلون بمواقف علماء الأمة من مجمل القضايا التي تخضع لأحكام العقيدة الصافية! ! هذه هي جريمة الدعاة الذين وضعتهم تلك الطائفة من الصحفيين في قفص الاتهام بتهمة الجهل المدقع بالعلم الشرعي وبفقه الواقع! ! وإننا نتساءل: من أين يؤخذ العلم الشرعي؟ أمن صدور العلماء والدعاة أم من الأقلام الصحفية المأجورة؟ أما أساليب الدعاة إلى الله في نصرة المظلومين من المسلمين في البلاد الإسلامية فهي (أساليب إرهابية)! ! لماذا؟ لأن هؤلاء الدعاة مهتمون بالدفاع عن (إرهابيين في بلدان عربية مسلمة لا هدف لهم سوى زعزعة الأمن والاستقرار وتنفيذ تعليمات مصدري الإرهاب في بلدان أخرى)..

أما (الإرهابيون) فهو  المصطلح الذي أطلقوه على المضطهدين في السجون الذين ينادون بالإسلام شريعة ومنهاجاً، وأما مصدروا الإرهاب فهم قادة الجماعات الإسلامية الذين يطالبون بتطبيق الإسلام وينادون بالحاكمية المطلقة لله في الأرض.

 إن الذين يكتبون باسم الحرص على الدين، وباسم الحفاظ على المصلحة العامة يجب عليهم أولاً أن يتبعوا تعاليم الدين وأن يطبقوه في واقعهم حتى يكون لكلامهم القبول والاستحسان، وإن الذين يكتبون باسم الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والبعد عن التعصب والتشنج لا بد أن يبدؤا بأنفسهم أولاً حتى لا يدعوا إلى ما يخالفونه، وأن يتدبروا منهج القرآن في ذلك: (يَا أَيٌّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَولاً سَدِيداً.. ) [الأحزاب 70]، (والَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضُونَ) [المؤمنون 3]، (فَقُولا لَهُ قَولاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشَى) [طه 44]، (وَاجتَنِبُوا قَولَ الزٌّورِ.. ) [الحج 30]، (وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحسَنُ إنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم.. ) [الإسراء 53].

 وأن يتدبروا سنة المجتبى - صلى الله عليه وسلم - في التنازع والتخاصم في الباطل.

روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: » من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط من الله حتى ينزع، ومن قال في مسلم ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال «.

 إن في نصوص الكتاب والسنة معالم المنهج الأمثل للتفكير والحوار، أما أن يُتخذ الإسلام ودعوى المحافظة عليه والحرص على المصلحة العامة ذريعة لإثارة الفتنة وزرع بذور الفرقة والتمزق في المجتمع، ويكون ذلك مطية للنيل من الدعاة والناصحين بكل طرق القول السيء والهجاء المقذع فذلك أمر يرفضه الدين، ويمقته أقل الناس علماً، فضلاً عن الدعاة وطلبة العلم.

 

 - 4 - لقد حدثتنا قصص القرآن الكريم في حقب مختلفة من التاريخ عن ذلك الصنف من الناس الذين استغلوا سلطانهم ومكانتهم في المجتمع بغرض الكيد للإسلام وأهله بدعوى الإصلاح، والحرص على الأمن واستتابه، والحفاظ على المصلحة العامة، فنصبوا أنفسهم دعاة مرشدين للناس وهم أبعد ما يكونون عن حقيقة الدعوة والإرشاد.

 يقول -تبارك وتعالى- عن فرعون وقصته مع موسى - عليه السلام -: (وقَالَ فِرعَونُ ذَرُونِي أَقتُل مُوسَى وليَدعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُم أَو أَن يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسَادَ) [غافر 26].

يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: انظر كيف أصبح فرعون مذكراً وواعظاً [1]، فنصّب فرعون نفسه داعية للناس ومحذراً لقومه ومنذراً لهم من موسى - عليه الصلاة والسلام - من أن يبدل دينهم أو أن يظهر في الأرض الفساد.

ففرعون على قوته وجبروته وبأسه في قومه لم يمنعه ذلك من الظهور بمظهر الناصح لهم! ! ولكن سرعان ما تظهر حقيقة هذا الصنف من الناس الذين يتخذون من مبدأ النصح للأمة قناعاً ووسيلة لتحقيق غاياتهم الدنيئة، ويكون ذلك - كما أخبر - عز وجل - إما بقولهم وإما بسيماهم: (ولَو نَشَاءُ لأَرَينَاكَهُم فَلَعَرَفتَهُم بِسِيمَاهُم ولَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ واللَّهُ يَعلَمُ أَعمَالَكُم) [محمد 30]، يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: »..

وإن لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شراً واراه.

وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه « [2].

 إن مخاطبة الأمة عبر الوسيلة الإعلامية بمادة مليئة بالمخالفات الشرعية، ومحاولة تطويع نصوص الشريعة لتحقيق الهوى والمآرب الشخصية من الانتقام للذات، ومحاربة للدين وأهله بدعوى الحرص عليه والمحافظة على مصالح المسلمين، وكيل التهم والتشهير بالدعاة إلى الله والناصحين للأمة، واستخدام الأساليب المبتذلة والرخيصة في ذلك، إن ذلك كله مما ترفضه مجتمعاتنا الإسلامية جملة وتفصيلاً، لأنه باختصار يتعارض مع عقيدة المجتمع ودينه، وهو ما ينافي نظامه الإعلامي الذي يجب أن يستمد إطاره الكلي من قواعد الإسلام وأصوله، ذلك لأن الكلمة في إعلامنا ينبغي أن تكون قادرة على إيصال معناها إلى جماهير الأمة، فلا تنوء بحمل معانيها، وأن يراعى في اختيارها الأسلوب الأمثل في مخاطبة المسلمين، وهو أسلوب ينأى عن الكلمة النابية واللفظة الرخيصة واللغة الحادة أو المبتذلة المنافية للذوق الإنساني [3].

 

 - 5 - إن من يعيش في مجتمعنا، ويحمل هماً غير همِّ ديننا، ويلبس ثوباً غير ثوبنا، وينادي بدعوة لا يرتضيها رب العالمين، وينشر في مجتمعنا كل ما يبعد الناس عن حقيقة هذا الدين، وينادي بأفكار ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب، بدعوى الحفاظ على الدين، والمصلحة العامة، وحرية الرأي، وغير ذلك من الدعاوى الباطلة، وشعارات زائفة، أحرى بهؤلاء أن ينبذوا، وأن يشرد بهم من خلفهم، وإن لحرية الرأي العام في مجتمعاتنا الإسلامية ضوابط معروفة معلومة، وإن استخدام هذه الحرية في غير مواضعها هو تجنّ سافر على القيم والمبادئ السائدة في المجتمع، يدرك ذلك كل إنسان حباه الله فطرة سليمة وعقلاً رشيداً، وتعاملنا مع مصطلح الحرية محكوم بضوابط الدين والشرع، وإلا أصبحت الحرية فوضى ونبتة سوء تفرق الأمة، وتظلل الفتنة، وتقود إلى الفرقة والتمزق.

وذلك ما سقطت فيه الصحافة العربية حينما قادها من أعمى الله بصيرتهم عن الحق، فنشروا الفكر الدخيل على عقيدة الأمة، فكر يوحي بالضياع ويدل على الغفلة والجهل بهذا الدين.

وإننا نربأ بصحافتنا أن تنشر علينا فكراً هزيلاً يستمد جذوره من مظاهر (الانحراف الديني) و (الهوس الحضاري) المريض.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير ابن كثير، 4/77.

(2) علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، 2/113-114.

(3) محمد كمال الدين إمام، النظرة الإسلامية للإعلام، دار البحوث العلمية، الكويت، ط 2، 1403 هـ، ص 159 بتصرف.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply