الإعلام الإسلامي .. المشكلات والحلول


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ظل التطور الهائل في علوم الاتصالات وتقنياتها الحديثة المستمرة يحتل الإعلام مركزاً متقدما ً وسابقاً بين مختلف وسائل الاتصال، حيث تطورت هذه الوسائل منذ أن بدأت بالرسائل المكتوبة والمطبوعة ثم المسموعة والمرئية في الوقت نفسه إلى أن تخطت اليوم كل الحدود والحواجز بعد التقدم المذهل في البث الفضائي وشبكة المعلومات الدولية -الإنترنت-، وهذا التقدم لا شك أنه تقدم محمود وطيب إذا تم توظيفه لصالح الإنسان، ونحن بوصفنا مسلمين لا شك أننا نحتاج هذه الوسائل لاستخدامها في نشر الدعوة الإسلامية حتى تصل للكافة في أرجاء المعمورة، وهو ما يفرض على القائمين على الإعلام عموماً والإعلام الإسلامي خصوصاً حسن توظيف الإمكانات التقنية لعلوم الإعلام والاتصال في تكريس خدمة الدين الإسلامي ونقل دعوته بصورة صحيحة، إلا أننا نجد اليوم للأسف الشديد مباراة هائلة بين الفضائيات العربية وتنافساً محموماً في بث الرذائل لا الفضائل من خلال القنوات الغنائية التي تنشر العري والإباحية بلا خجل على كل أفراد الأسرة، ولا مراعاة لديننا الإسلامي وضوابطه، وأخرى تخصصت في إذاعة المسلسلات والأفلام الخادعة لشبابنا لتشغل وقت بطالته

وقس على ذلك عزيزي القارئ حال الصحافة المكتوبة أيضا، فليست أقل سوءاً من الإعلام المرئي فمنها ما تخصصت أيضا في نشر فضائح وأسرار الشخصيات العامة وهو ما لا أراه يهم القارئ في شيء، ومنها ما تخصص في نشر الصور الجنسية الإباحية بما يتنافى حتى مع أخلاق المهنة وليس الدين فقط.أمور كثيرة وقع فيها الإعلام في مستنقع كان من الأجدر به أن ينأي بنفسه عنها.

وفي ظل هذا وذاك يعاني الإعلام الإسلامي أمراضاً كثيرة وخطيرة أصابته في الوقت الذي يشتد فيه ويقوى الإعلام التافه والسلبي الذي أشرنا إليه سالفا، فمن المؤسف أن نسمع أن دول العالم العربي الإسلامي لا يستطيعون مجتمعين أو دولة منفردة إطلاق قناة إسلامية بسبب ضعف الإمكانات المادية، ونرى كل يوم إضافة قناة غنائية جديدة.. فهل تكلف القناة الإسلامية أكثر من الغنائية؟ علاوة على أن مساحة البرامج الإسلامية في القنوات العامة محدودة جداً وفي أقل مساحة زمنية مقارنة بالبرامج الأخرى، هذا فضلا عن مواعيد البث غير المناسبة مما يعني أنه أمر متعمد ألا يتابع الناس هذه البرامج ولكن لمصلحة من؟

لا يخفى يا سادة أن الإعلام حين يوجه يكون لتصحيح الفكر أو تشويهه وتحريفه.

وفي دراسة للـ > يونيسيف< أفادت أن الشباب المراهق يقبل على المسلسلات الأجنبية والرياضية وتقول >إن أكثر البرامج التي تلاقي استحسان المراهقين هي الأفلام والمسلسلات وبرامج المنوعات والفيديو كليب، تليها بعض البرامج الأخرى، وهم نادرا ما يشاهدون النشرات الإخبارية أو أية برامج دينية أو ثقافية جادة.

ويشاهد مراهقو إحدى بلادنا العربية عدداً قياسياً من الأفلام أسبوعيا يتراوح بين 3 - 6 أفلام، 80% من مراهقي هذا القطر الذين شملتهم الدراسة يستقون جانبا كبيرا من معلوماتهم عن الجنس من تلك الأفلام، بل قال 64% منهم إنهم يشاهدون الأفلام بغرض مشاهدة لقطات الجنس.

إذاً السؤال هو: ماذا قدمت فضائياتنا لقضايا الشباب؟

وما واقع الإعلام الإسلامي وكيفية تناوله لقضايا الأمة وحل مشكلات المجتمع والعلاج المقترح لحلول مشكلاته؟ حول هذا الموضوع كان لنا هذا التحقيق.

- في البداية يقول فضيلة الدكتور / نصر فريد واصل، مفتي الديار المصرية الأسبق: الإعلام الآن بنوعيه العام والخاص فيه قصور، ولما كان الإعلام يهدف في الأصل إلى توصيل المعلومة الصحيحة ورد الحقيقة إلى أصلها وبخاصة في الخارج لغير المسلمين ولرفع الأمية الدينية والثقافية بين أفراد المجتمع والجاليات الإسلامية كل هذه الأهداف وصلت إلى مستويات متدنية جداً الآن وكل هذه المهام أعتقد أنها تتعلق بالدول الإسلامية والقائمين على أجهزة الإعلام خاصة في ظل اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب والوحشية وهذا خلط بالأوراق, وهنا يبرز دور الإعلام الإسلامي ليوضح ويبين من خلال وسائله على يد العلماء حقيقة الإسلام وما يهدف إليه من السلام وأنهما وجهان لعملة واحدة، فالإسلام عقيدة وشريعة ودين ودنيا، ويضيف د. واصل أن هناك قصوراً واضحاً في تبليغ الدين وأن أوقات الذروة الإعلامية خالية من البرامج الدينية والدعوية ويقول: هناك تقصير شديد في وزارات التربية والثقافة والإعلام والحكومة تجاه هذا الموضوع.

 

الصوت العالي

يقول أ. د. مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية: للأسف إن الإعلام الإسلامي في الوقت الراهن يقوم به مؤهلون وغير مؤهلين وأصحاب الصوت العالي في هذا الصندوق – التليفزيون - وفي الإذاعة يفتون فيما لا يعرفون بما لا يعرفون، وهناك علماء خاصة في التليفزيون قلة منهم علماء عظماء وأهل للفتوى والاجتهاد والكثرة الكاثرة جهلاء وإن كان بعضهم يحمل مؤهلا يجعله يفتى.

وللأسف يظهر بعض هؤلاء في أجهزة التليفزيون وترى من يرفع صوته ويرفع يده وحركات برقبته وهؤلاء لا يصح أن تصدر عنهم فتوى أو دعوة ويتضح هذا جيداً في القنوات الخاصة.

من هنا يجب ألا يقوم بالدعوة في وسائل الإعلام الإسلامي إلا من هو مؤهل لها حتى نضمن أن يظل الخطاب الإسلامي بخير طالما ابتعدنا عن النماذج التي وضحناها سلفاً.

 

الإعلام الإسلامي والفضائيات العربية

أما الأستاذ الدكتور: عبد الله حسن بركات، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر فيقول: يفتقر الإعلام الإسلامي على الفضائيات العربية إلى جودة الكم والكيف، فعدد الفضائيات لا يتناسب مع حاجة المجتمع المسلم ولا إلى حاجة الناس بصفة عامة وذلك لتنوع اللغات والثقافات واختلاف الأزمان في مطالع الشمس ومغاربها، فينبغي أن يتوفر العدد الكافي من هذه الفضائيات بحيث يتناسب مع هذه الحاجات ويلبي ضروراتها على الأقل أما من حيث الكيف، فإن مراعاة التخصص خاصة في جانب الفتوى غير جيد أو به قصور شديد، مما أدى إلى تضارب الفتوى دون توجيه مما أمكن المغرضين من الغمز واللمز، كما يلاحظ على برامج الفضائيات بصفة عامة عدم استيعابها لمشاكل المجتمعات الزمانية والمكانية ومن ثم هناك شبه انفصال بين واقع هذه المجتمعات. وبين ما يبث على الفضائيات، إضافة إلى ما سبق من كون هذه الفضائيات تحتكر أسماء هي في جانب الأداء أكبر من جانب العطاء واختيارهم والاقتصار عليهم يعود لأسباب عديدة لا رأي من بينها غالبا مراعاة الصلاح والأصلح والكفاءة الذاتية أو الوظيفية للبعد الدعوي أو المفهوم الشرعي.

 

واقع الناس

ويكمل د. عبد الله بركات كلامه: وليت القائمين عليها يرصدون واقع الناس والمجتمعات خاصة في الجوانب الأسرية والعقائدية، فالشباب ضائع مغيب والأسر متفككة وجهلت مبادئ دينها سواء فيما تقوم عليه الأسر أو فيما يعالج به واقعها، ناهيك عن الهجمة الشرسة على عقائد الإسلام ونبي الإسلام مما أصاب شباب المسلمين في مقتل فاضطربت أفكارهم واختلت المبادئ في قلوبهم حيرة واضطرابا وليس هناك ما يحضهم فضلا عما يستثمر طاقاتهم في المجال الصحيح على هذه الفضائيات.

 

البعض جيد

ويضيف د. بركات: ومن نافلة القول أن هناك بعض البرامج الحوارية أو التوجيهية أو الفتاوى على مستوى جيد تؤدي دورا لا بأس به، لكنه قليل قليل إلى جوار بقية البرامج الأخرى، أما بالنسبة لبرامج الطفل والمرأة فلا ترتقي إلى حد المستوى الأدنى، والواجب أن تكون برامج واعدة حتى لا يأتي اليوم الذي نبكي فيه على اللبن المسكوب فكل أمانينا للقائمين على هذه الفضائيات أن يرزقهم الله التوفيق والسداد في التخطيط الجيد وأن يحسنوا اختيار العلماء الذين ترقى بهم مهمتهم.

 

فمن هذه القواعد

- الاهتمام بالفرد المسلم في جميع شؤون حياته الاقتصادية, والاجتماعية, والسياسية فلا يصح أن يقتصر على الجانب التعبدي, بل لابد أن نخاطب كل مسلم في عمله ووظيفته كأن نقول له مثلا: كيف تخدم دينك عن طريق وظيفتك ونرسم له خطة منظمة لتحويل الوظيفة إلى عمل دعوي, وأيضا معالجة القضايا الاقتصادية الطاحنة التي اشتعلت نيرانها وضاع الحق فيها واختلط الحرام بالحلال,  فوجب أن نبين ونوضح للمسلم الأبواب الصحيحة لكسب المال وكيفية إنفاقه، وفي الجانب السياسي يلزم أن نوضح قواعد الشورى والعدل التي هي روح الإسلام.

-مخاطبة الطفل المسلم على قدر عقله ولغته مستخدمين الوسائل المختلفة من قصة ونشيد ورسم ونحو هذا قاصدين زرع قواعد الدين وأصول الأخلاق والآداب الإسلامية.

- التركيز على قضايا المرأة المسلمة التعبدية, والاجتماعية, والاقتصادية, مع الاهتمام بدورها التربوي.

- الاهتمام بالشباب المسلم والنظر في احتياجاته الفكرية, والرياضية, والاجتماعية, مركزين على ما يتلاءم مع حماسته وقوة بأسه, كأن يذكر له مثلا دوره في حمل راية الإسلام ضاربين له أمثلة من الشباب المسلم في الجيل الأول.

وأن نوضح له كيفية تحويل الرياضة إلى هدف إسلامي نبيل وهو تقوية الجسد, وأيضا الوقوف ضد التيارات الهدامة من يسارية وعلمانية وشيوعية وصهيونية وغيرها مما يهدف إلى هدم الشباب وتقليص دوره, ولا بأس أن توجد في وسائل إعلامنا ندوات ومحاضرات ومناظرات يقوم فيها الشباب أنفسهم بعرض قضاياهم أمام أهل التخصص ليوجدوا لهم العلاج الأمثل لأطروحاتهم.

وبعد فإن الإعلام الإسلامي يحتاج إلى غربلة وتقييم ومراقبة من لجان يرأسها علماء مسلمون متخصصون ليوضع الإعلام موضع البناء لا موضع الهدم.

لا يواكب المستجدات

ويقول أ. د. جابر عبد الموجود، أستاذ ورئيس قسم الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر: معروف أن الإعلام الإسلامي يقوم بدور فعال لدى العديد من قطاعات الجماهير المختلفة في تنمية الوعي نحو القضايا المتنوعة التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي وذلك لما للدين من مكانة هامة في نفوس الناس.

وعن تناول الإعلام الإسلامي لقضايا العصر يقول د. جابر عبد الموجود: للأسف الشديد الإعلام الإسلامي لا يواكب القضايا والمستجدات التي أتاحتها لنا التقنيات الحديثة، وذلك لا يرجع إلى عيب في مبادئ هذا الدين وأسسه وإنما يرجع إلى تخلف القائمين على الإعلام الديني، وعدم إدراكهم لمقاصد هذا الدين وأحكامه، أيضا تجمد فكر هؤلاء عند حد معين دون تطوير آلياته وفق مقتضيات العصر وما تسمح به قواعد الدين الحنيف الذي يدعو إلى التجديد وروح العصر.

 

العلاج

- أما عن العلاج فيوجزه أ. د. جابر عبد الموجود في عدة نقاط قائلا: لابد من تجديد الخطاب الديني بما لا يمس الأصول والقواعد الأساسية للدين الإسلامي.

- تثقيف قادة الرأي القائمين على الخطاب الإسلامي.

- تطوير الخطابات الأخرى، فلا يمكن تطوير الخطاب الإسلامي بمعزل عن هذه الخطابات.

 

ويبين د. جابر تفوق الخطاب الدعوي على الخطاب الإعلامي ومعظم وسائل الإعلام الأخرى وأنه أكثر تأثيرا على الناس خاصة في الريف وهنا يجب البحث عن الأسباب والأخذ بها، وأخيرا يقول إن الصحافة الدينية هي أكثر أنواع الإعلام الإسلامي التزاما في تناولها أما التليفزيون فهناك تأثر بملكية الوسيلة طبقا لاتجاهات الأصحاب المالكين للوسيلة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply