بسم الله الرحمن الرحيم
وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع خطيبًا، ليحدد معالم هذا الدين العظيم الذي رضيه الله - سبحانه وتعالى - لعباده، وحيث قال: (اليومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضطُرَّ فِي مَخمَصَةٍ, غَيرَ مُتَجَانِفٍ, لِّإِثمٍ, فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 3]، أطلق رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - تلك العبارة الشهيرة: والتي تُعدّ من البلاغة النبوية الرائعة، التي تختصر كل المسافات، والطاقات والجهود، وتقطع الطريق على الكسالى، بأنه لا يُعذر أحد من أتباع هذه الدين، في التخلي عن نقل معالمه إلى الآخرين الذين لم يعلموا، أو يسمعوا به، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: -آمل أيها القارئ الكريم تأمٌّل هذه العبارة، بكل ما أُوتيت من قدرة على التأمل والاستنباط- \"بلّغوا عنّي ولو آية\"، ألا تحسّ أنك مخاطب بهذه العبارة وحدك، \"فرب مبلّغ أوعى من سامع\".إذاً نحن أمام قاعدة عظيمة في ديننا، وهي نقله إلى الناس كافةº لأن من طبيعة هذا الدين العظيم، أنه ممتد ومتحرّك، سهل وواضح المعالم، لا غموض ولا زوايا مظلمة، أو خصوصيات، أو أقطاب لهم خصوصيات ليست لغيرهم، بل الكل سواسية، يسعى بذمتهم أدناهم.
هذه المقدمة تجرّنا إلى عنصر مهم في ديننا، وهو الدعوة إليه، ونقله إلى غير معتنقيه من الناسº لأنه دين عام للثقلين، فلزام على أتباعه إبلاغه لغيرهم من غير معتنقيه، وقضية القبول والرفض تأتي بعد ذلك، فإذا أُزيل العذر، وقامت الحجة، فالله - سبحانه - يحكم بعد ذلك.
لهذا عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نهج هذا الطريق بعد تلك اللحظات الرهيبة، عندما نزل عليه قوله - تعالى -: \"يَا أَيٌّهَا المُدَّثِّرُ\" [المدثر: 1]، فقام - عليه الصلاة والسلام - خير قيام بهذه المهمة، والدليل ما تحقّق على يديه، - صلى الله عليه وسلم -، خلال مدة وجيزة، من دخول الناس أفواجًا في هذا الدينº لأنه - صلى الله عليه وسلم - عمل بكل طاقته ووقته، لإبلاغ الناس، فدخل الناس كما هو معلوم سرًا، وخفية على خوف من الذين كفروا، ومنهم من أعلنها مدوّية، كعمر بن الخطاب، الذي فتح باب الجهر بالدعوة، ليمضي الوقت يسيرًا، حتى يتخطى هذا الدين أسوار الجزيرة العربية، لأول مرة، حينما حمل مجموعة من الصحابة، تلك الرسائل النبوية العظيمة، للدعوة إلى الله، الجديدة في أسلوبها، وهدفها، والبعد الإستراتيجي لغايتها، والسبب في ذلك، أن الأشخاص الذين وُجّهت إليهم تلك الرسائل، ليسوا من الناس العاديين، بل هم أشخاص، كلمة الواحد منهم، قد تدخل أمة من الناس في الإسلام، دون جهد أو عناء، وهذا من شدة بعد نظره - عليه الصلاة والسلام -، وهذا الهدف تمثل في مخاطبة ملوك الدول المجاورة لدولته - عليه الصلاة والسلام -، لدعوتهم إلى الإسلام، ليتحقق بعد ذلك عدة أهداف، منها: النّدية- (أسلم تسلم)، هذا هدف، والهدف الثاني، فيما لو استجاب هؤلاء، أو بعضهم، ما هي المكاسب العظيمة للإسلام بعد دخول هؤلاء فيه.. ؟ والهدف الثالث فيما لو ردّ هؤلاء الملوك بالرفض وهذا حصل- فعندها الحجة قامت عليهم، فيما لو حصل قتال بعد ذلك.
وقد أسفرت هذه الرسائل عن نتائج متباينة، حسب تكوين الملوك الشخصي، فالنجاشي قد أسلم، وتم تحييد الأقباط في مصر، إلى درجة أن يرسل المقوقس، هدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أمّنا، مارية القبطية، أم ولده إبراهيم رضي الله عنهما.
إذاً هذه الطريقة الرائعة التي سلكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي الدعوة بالمراسلة، لأول مرة في تاريخ الإسلام، ألا ترون أننا نحتاجها اليوم، ولكن بطريقة مختلفة، وقد تكون فريدة لو طُبّقت في هذا الزمن، عصر الذرة، وعصر الهيمنة الغربية، وتخلّف الشعوب المسلمة وضعفها، فالشعوب المسلمة، اليوم بأمس الحاجة إلى من يلمّ شعثها، ويجمع فرقتها، ولا يمكن أن يتأتى لهم هذا حتى يعودوا إلى أنوار النبوة، التي خفتت في نفوسهم كثيرًا، ليستمدوا منها قبسًا يضيء لهم معالم الطريق من جديد.
ومن أنوار النبوة التي أريد أن أزيح عنها الغبار، وهي التي قد أُهملت، أو نُسيت، وهي مخاطبة ملوك ورؤساء الدول الأخرى من غير المسلمين، برسائل كتلك الرسائل التي أرسلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الدول في عصره - عليه الصلاة والسلام - مع ملاحظة فارق التوقيت-وندعوهم فيها إلى الإسلام، أليسوا بشرًا بحاجة إلى أن ندعوهم إلى الإسلام.. ؟ وننقذهم من سراديب الكفر والضلال.. ؟ فواجب علينا أن نبلّغ ديننا، حيث لم يُعذر أحد في ذلك \"بلغوا عني ولو آية\".
ماذا لو قامت المنظمات والهيئات والجمعيات الإسلامية الشرعية، بواجب البلاغ، والحكومات الإسلامية أليست قادرة على إرسال مثل هذه الرسائل، لرؤساء الدول الأخرى، تدعوهم إلى هذا الدين، وكل سيفوز بأجر من يكون سببًا في اعتناقه الإسلام؟!
وبما أننا في مناسبة انعقاد القمة الإسلامية، في البقعة المباركة التي أرسل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول مرة، تلك الرسائل إلى ملوك الدول، وأيضًا نحن مقبلون على موسم الحج، فما المانع أن يوجّه رسائل مماثلة إلى زعماء العالم، يشرح فيها روعة الإسلام وعظمته، ويُدعون فيها إلى الله، والدخول في الإسلام.
هل في ظنكم أيها السادة، لو قام أحد رؤساء أو ملوك إحدى الدول الإسلامية بإرسال رسالة إلى أحد زملائه من رؤساء الدول الصديقة يدعوه شخصيًا إلى الإسلام، هل ستقوم حرب عالمية.. ؟ أو ستُقطع العلاقات الدبلوماسية..؟ أبدًا.. أبدًا.. بل سيُسجّل له في صحائفه إحياء سنة نبويّة، وأجر الدعوة إلى الله، بغض النظر عن الطرف الآخر هل استجاب أم لا.
نحن مشكلتنا في العالم الإسلامي، ما زلنا نعيش عقدة الشعور بالنقص، وأننا متخلفون، هذا هو سبب انهزامنا النفسي، ولم نفطن بعد أننا نملك القوة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ولكن -مع الأسف الشديد- ألقينا بها في سلة النسيان، ورحنا نتسول من العالم الغربي وغيره العز والمنعة والقوة، فوكلنا إلى ذلك (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). فبالله عليكم من يكتب هذه الرسالة...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد