يا قبلة الشهداء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

صـوفيّةٌ أشـلاؤهـا بغـداد  ***  فدمٌ يسـيل وأنفـسٌ أوراد

 

واعدتُ قلبي جانباً من مائهـا ***  عندي أنا لا يخلف الميعـاد

 

وأتيت بالشّعر المقفّى من دمي ***  والحبٌّ خلف قصائدي ينقاد

 

يا أجمل الكلمات حين أقولهـا  ***  يرتاح من ألم الرحيل فؤاد

 

ويشدّني سعفُ النّخيل فترتوي  ***  عيناي منه ويستقيـم وداد

 

شـرفٌ لـها أن تستعيرَ حروفَها *** مـنـك الـقصائدُ أو يكون مداد

 

مـاذا بـقِي للشعر دونك أنت في *** صـفحات أهل الضاد أنت الضاد

 

أسـنـدت إنشائي إليكِ فطاب في *** شـرع الـهوى الإنشاء والإسناد

 

وأتـيت بي أستافُ موحلةَ النّوى *** فـصـلـي عليلَ القلب يا بغداد

 

بـغـداد أنـت الـمنتهى والمبتدا *** والـمـلـتـقى والبعث والميلاد

 

وخـميلة المنصور شيدت فانجلت *** عـنـهـا النّقاب فبورك الإيشاد

 

يـا أيـكـة الـخلفاء مدّوا عزّهم *** فـوق الـوجود فسوّدوك وسادوا

 

مـرّ الـمـغول بخيلهم ورجالهم *** فـبـقـيتِ وحدك للزّمان وبادوا

 

والـيـوم يـا بـغداد عاد أميرهم *** ووراءه الـلّـقـطـاء ممّن هادوا

 

سـاقـوا إليك حديدهم وحصارهم *** وتـفـيّـأت بـنـخيلك الأوغاد

 

يـا ويـحهم جاؤوا يصبون الأذى *** صـبـاً وتـهـمي منهم الأحقاد

 

أو مـا دروا أنّـا نـهـزّ سيوفنا *** فـالـنّـاس تـحت سيوفنا أجناد

 

لـو يـرجع التّاريخ يقرؤنا على *** أبـواب مـكـة والـهـوى وقّاد

 

يـوم انـطـلـقنا للحياة فريحها *** عـبـقٌ وغـصـن جمالها ميّاد

 

ومشت خيول الفتح في طرق العلا *** لـتـقـرّ بـالـفـتح المبين بلاد

 

مـاردّنـا كـسـرى ولا إيـوانه *** وتـمـزّقـت بـحرابنا الأصفاد

 

أرخـى لـحـاضره العنان أسامةٌ *** ومـضـى يـهـزّ حسامَه المقداد

 

وهناك في الحمراء صلّى صبحَه *** مـوسـى فـصـلّت أبحرٌ ومهاد

 

وزروع مـكـة طاب فينا طلعها *** وعـلى حدود الصّين طاب حصاد

 

غـطّـيت وجهي أخجلتني أمتي *** فـحـنـت عـليه ونوّرته سعاد

 

يصطادني منك الهوى سحراً ومِن *** بـحـر الـهوى ليلاً أنا أصطاد

 

أوردتُ كـوثرَك الفراتَ جوارحي *** ويـطـيـب فيك الوِردُ والإيراد

 

يـا خجلتي حين الرشيد يعود مِن *** سـفـرٍ, ويـسـأل أيـنها بغداد؟

 

مـرّت غيومٌ في السماء وأمطرت *** لـكـن جُـباةُ خَراجها ما عادوا

 

لاتـسـألي عنّا فماضينا انقضى *** وبـيـاضـه حـلـكٌ بنا وسواد

 

مـلـيـار صـفرٍ, نحن يابغدادنا *** يـاويـلـتـي كم تكذب الأعداد

 

زبـدٌ عـلـى زبدٍ, على زبدٍ, على *** زبـدٍ, وأنـت الـمـدّ والأمـداد

 

فـي أم قـصرٍ, ألف ألف قصيدةٍ, *** فـجـراحـهـا الـشّعراء والنّقّاد

 

أبـلى هناك الرمل ما وسع العلا *** فـحـديـدهـم تحت النعال رماد

 

مـا ضـنّ بالأرواح أهلوها فمن *** لـهـب الـكـرامـة عدّةٌ وعتاد

 

تـلـك الـكرامة وهي أغلى منيةٍ, *** بـذلـت لـها الأرواح والأجساد

 

وسـعـى إلـيها الذّاهبون فخلّدوا *** وشـدا بـمـغـناها العبيد فسادوا

 

مـا كـان عـنـترةٌ ليحمل سيفه *** لـولـم يـعـده بـعـتـقه شداد

 

يـا ربّ هـل لي أن أراها لحظةً *** فـالـشّـوق بين جوانحي يزداد

 

وأعـوذ باسمك أن تعيذ قصائدي *** مـنـهـا فـفـيها يجمل الإنشاد

 

يـا قـبـلة الشّهداء طيبي خاطراً *** فـإلـى تـرابـك حجّت الأمجاد

 

يـا مـنتهى كل الجهات فكم وكم *** ضُـربـت إلـى أفـيائك الأكباد

 

ولكم سقى الأقطابَ ماؤُك فارتوَوا *** وتـوضّـأت فـي دجـلة الأوتاد

 

ولـكـم مشى فيك الجنيدُ مسبّحاً *** فـتـمـايـلت من شدوه الأعواد

 

مـنـك انـبرى للمشرقين قتيبةٌ *** تـعـدو جـيـادٌ خـلـفه وجياد

 

وهـنـا أبو الحسنين مدّ خيولـه *** فـتـبـاركـت حـقبٌ به ووهاد

 

صـلّـى على حبّات رملك خالدٌ *** ومـضـى يكبّر في الجموع زياد

 

قـرّي أو ابكي ليس يحزنني فمن *** دمـعـات عـيـنك تبدأ الأعياد

 

بغداد أنت الصيحة العصماء والـ *** ريـح الـجموح وهم ثمود وعاد

 

ولـئن قضى الأجداد فيك ففي غدٍ, *** سـتـقـوم فـي أكـفانها الأحفاد

 

بـالأمـس كـان ولا يزال شعارنا *** نـصـرٌ يـفـرّحنا أو استشهاد

 

بـغـداد إنـي في الصّبابة واحد *** ولأجـل عـيـنـك كـلّنا آحاد

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply