بسم الله الرحمن الرحيم
منذ وجدت البشرية على الأرض والصراع بين الحق والباطل، والخير والشرº قائم لا ينقطع، كما هي سنة الله في الحياة قال تعالى: ((ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم))، والله يخلق المتضادات والمتقابلات لتتم الحكمة، ومن ذلك تمايز أهل الحق من أهل الباطل، وأولياء الرحمن من أولياء الشيطان، ومن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه كما قال تعالى: ((وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه))، وقال تعالى: ((وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك)) فإظهاراً للعبودية بمختلف أنواعها يخلق الله الضد المقابل ابتلاءً وامتحاناً.
وبعث الرسل مبشرين ومنذرين ليبينوا للناس المهمة التي خلقوا من أجلها، فافترق الناس تجاه دعوتهم، واختلفت مناهجهم، فتعددت المناهج الأرضية وتشعبت، ولكنها كانت يداً واحدةً ضد منهج السماء (المنهج الإلهي) الذي دعت إليه الرسل، فالرسل وإن اختلفت شرائعهم إلا أن منهج التلقي ومصدره واحد، لذا فالسعيد من الخلق من اتصف بسلامة المنهج من كل ما يشوبه في التلقي، وفي الاستدلال، وفي فهم العقيدة، وفي العبادة، وفي الدعوة، وفي الرد على المخالف ونقد الآخرين، وفي آداب الخلاف وآداب الحوار، وفي التعامل والأخلاق والسلوك، وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة الذي يمتازون به، وهو المنهج الصحيح الذي يضبط الأقوال والتصرفات، وهو أشد ما يحتاجه المسلم في أيام الفتن والاضطرابات حيث غياب الرؤية الإسلامية الصحيحة، وغياب الوعي عن خطورة العدو، بل يصل الأمر إلى أن يعجز فاقد هذا المنهج عن اتخاذ موقف صحيح يرضي الله - عز وجل -، لاسيما إن كان صاحب كلمة تشرئب إليه الأعناق، وتتطلع إليه الأبصار، فيعجز عن اتخاذ موقف تاريخي متعلق بحدث كبير له شأن في مستقبل الأمة.
سلامة المنهج هي العاصمة من الزلل، والهادية في حوالك الظلمات، هي التي ميزت الصدِّيق بموقفه يوم الردة، وهي التي عصمت الأمام أحمد يوم المحنة في وقت تأخرت فيه كثير من الشخصيات، وهي التي جعلت ابن تيمية يصمد للتتار في دمشق في وقت صمم فيه أهلها على تركها، بل كان ذلك تفكير علمائها أنفسهم.
إن هذا المنهج يسير على من يسره الله عليه، ووفقه له، فليس هو لمن جهل فقه الكتاب والسنة، ولا لمن غفل عن مبادئ الإسلام الكبرى في السياسة والحكم والحرب والسلم، ولا لمن أعرض عن سنة الله في قيام الأمم وسقوطها، وذهاب ريحها، تلك السنة التي لا تحابي أحداً، وليست بينها وبين الخلق نسب.
كما أن هذا المنهج ليس لمن يقيسون الأمور بآرائهم وبأهوائهم ويسمونه اجتهاداً، ولا لمن يتعاملون مع النصوص بالبتر والتأويل الفاسد مع قلة معرفة بالواقع ومناط الحكم، ولا لمن يمرر كيده ومكره للآخرين تحت اسم المصلحة وهو لا يملك آليات الاجتهاد بل ولا علم له بالمصالح والمفاسد أو ما هو المطلوب جلبه وما هو المطلوب دفعه.
إن التمسك بالمنهج عند بعضهم يكون نظرياً، وعند التطبيق يبتعد كثيراً عن الأصل، بل إن من ابتلي بحب التقلب حسب المزاج- أو المصلحة كما يزعم - لا يلتزم بمنهج ثابت حتى لا يتحمل تبعاته.
إن الدعوة إلى التمسك بمنهج أهل السنة لا يفي فيه رفع شعار فقط، أو تمحور حول شكل حزبي ضيق نتعصب له بالحق وبالباطل، بل الذي نعنيه أكبر من هذا، لأنه منهج يمثل الفهم الصحيح للكتاب والسنة، والمسلمون أفراداً وجماعات ملزمون باتباعه، ولا خيار لهم في ذلك.
فالعاقل من ارتضى لنفسه سلامة المنهج، والمغبون من ركن إلى منهج السلامة، فهو يتقاعس عن القيام بالواجب عليه، ويعد لذلك أعذاراً يريد بها أن يسلم من تحمل المشاق والمسؤولية المناطة به، ويعلل تركه لما هو مطالب به بأمور كثيرة كالانشغال بطلب الرزق، أو كبر السن، أو فساد الزمان، أو إفساح المجال للآخرين، أو بتقاعس فلان من البارزين، أو بالانزعاج من لوم الآخرين له، أو عدم تقدير الناس لجهوده، أو برغبته في عمل يتوافق مع خواطره وتخيلاته، أو أن العمل لا يناسب شخصيته.. أو ...الخ
ولو أن الدعاة إلى الله اختاروا هذا المنهج (منهج السلامة) لما قام أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وقد أوذي الرسل في سبل تحمل أعباء الدعوة، وهم أكرم الخلق على الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد