بسم الله الرحمن الرحيم
خرج أحد الجيران من بيته في ساعة متأخرة من الليل لقضاء حاجة ماسة، فإذا به يفاجأ بمجموعة من الشباب يحاولون التسلل إلى بيت جاره والتعدي على عرضه وأهل بيته، فما كان منه إلا أن ترك هؤلاء وشأنهم وقال: \"دع الخلق للخالق، ولست وكيل آدم على ذريته! \".
ومشى هذا الجار، وكأن الأمر لا يعنيه، لا من قريب ولا من بعيد!.
مشى وهو يشاهد بأم عينيه الاعتداء الصارخ على جاره!، وربما سمع صراخ الأطفال، واستجداء النساء، ومع ذلك لم يعبأ بذلك كله!.
وكلّ هذا يفعله كي لا يقال عنه: فضولي، أو متزمت، أو طفيلي!.
لا أظن القارئ يختلف معي في أن تصرف هذا الإنسان خطأ واضح بكل المعايير، وفعل مشين بكل المقاييس، وتصرف أرعن!.
فكيف يشاهد هذا الإنسان من يعتدي على جاره، ومع ذلك يتخلى عنه، ولا يقدم لهؤلاء النصيحة والتذكير، ولا الوعظ والتحذير؟!.
وهذا هو نفس حال أولئك الأقوام الذين يخرجون عبر بعض القنوات الفضائية أو الكتابات الصحفية، يشنون الحملات تلو الحملات على أولئك الشباب الذين يغارون على عورات المسلمين، فيأمرون في الأماكن العامة كالأسواق والحدائق ونحوها بالحشمة والحياء والستر والعفاف، فكلما شاهدوا امرأة متبرجة قاموا بأداء النصيحة لها بالكلمة الطيبة والدعوة الصادقة، وإذا شاهدوا زوجاً مع زوجته المتبرجة ذكّروا الزوج بالمسئولية، وأنه سيُسأل أمام الله - تعالى -عن هذه المرأة، وعن عدم أمرها بالحجاب، وعن سماحه لها بلبس العباءة المخصرة.
وإذا أبصروا شاباً يحاول معاكسة فتاةٍ, ذكّروه بالله - تعالى -، وخوّفوه من عقوبة الله، وناره وجحيمه وأغلاله.
وهكذا ينصحون هذا، ويذكّرون ذاك، ويحافظون على سلامة المجتمع وأمنه وأخلاقه وعفافه.
كلّ هذه التصرفات لم تعجب أصحاب القلوب المريضة، والأفئدة السقيمة، فهم يعدّون هذا تدخلاً في الحريات، وأنّ هذه أعمال مخصصة لرجال الهيئات!.
إذاً: ما علاقة الجار بجاره، فمحاسبة السارق، ونجدة الجار مسئولية رجال الأمن، ولا علاقة له به مطلقاً؟!.
ولماذا نتنادى في كل محفل من المحافل في طلب التعاون مع رجال الأمن في القضاء على العابثين بأمن البلد، ونحارب في نفس الوقت الذين يحافظون على أمن وعرض أهل هذه البلاد!: (مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ)؟!. (أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ)؟!.
ثم يا ترى، ماذا يقول هؤلاء المخذلون في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من رأى منكم منكرا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان\". [رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
فمن نطيع؟!.
أنطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أم نطيع من في قلبه مرض؟!.
وماذا يقول هؤلاء في قول الله- تبارك وتعالى -: (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ). [سورة آل عمران، الآية: 110]. ؟!
فهل نتوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو نستمر عليه لنفوز بوصف الخيرية التي علقها الله - تعالى -بالقيام بهذه الشعيرة العظيمة؟!.
وماذا يقول هؤلاء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن ينزل عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم\". [أخرجه احمد وأبو داود والترمذي].
فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوّعد بوعيد شديد: أن من ترك هذه الشعيرة سوف تحل عليه عقوبة الله - تعالى -، ومن أعظمها أن ترفع يديك إلى السماء فلا يستجيب الله لك دعاءاً!.
لماذا؟!: لأنك رأيت المنكر فلم تنكره!، رأيت المعصية أمامك فلم تغضب لله تعالى!.
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود والترمذي من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده\". [وانظر: صحيح الجامع برقم: 1973].
إنّ وجود أولئك الشباب الذين يأمرون بالخير، وينهون عن الشر ظاهرة صحية في المجتمع، نحمد الله - تعالى -على نمائها، ونشكر الله على ظهورها، لأنها من أسباب النجاة وسلامة المجتمع من تنزّل العقوبات، كما قال الله - تعالى -: (وَمَا كَانَ رَبٌّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ, وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ). [سورة هود، الآية: 117].
فالقرى وإن كان فيها ظلمٌ لا تهلك إذا قام فيها المصلحون بما يجب عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا غلب على القرية الإصلاح - حفظها الله - من العقوبات الدنيوية، وذاك بفضله ومنّه - سبحانه -.
وسيعلم أولئك الشانئون في يوم من الأيام مدى الخير الذي جلبه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، ربما حتى على أنفسهم كما حصل لغيرهم ممن شاهدنا وسمعنا قصصاً: أن بعض أهليهم تعرضوا لمعاكس أو مضايق، وكان الخلاص منهم بإذن الله - تعالى -على أيدي أولئك الشباب الباذلين نفوسهم، وأوقاتهم، وأموالهم لحماية أعرض المسلمين وصيانتها.
وأخيراً: ما موقف هؤلاء من حديث جرير بن عبد الله البجليّ - رضي الله عنه -، والذي ويقول فيه: \"بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم\". [رواه أحمد ومسلم والنسائي].
فنسأل الله أن يكلل مساعي هؤلاء الشباب بالنجاح، وأن يحفظهم الله - تعالى -من كل مكروه، وأن يبارك في جهودهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد