بسم الله الرحمن الرحيم
من المسلم به أنه إذا أُريد للمتعلم أن يكون مواطناً يُدرك معنى المواطنة فلا بد أن يكون قارئاً حاذقاً· فالقراءة تساعد الفرد في إعداده العلمي وتكوينه الثقافي، وتسمو بخبراته العادية وتجعل لها قيمة عالية، بل وتوسع دائرة خبرته، وتعمّق فهمه للناس، وتساعده على تهذيب مقاييس التذوق لديه، وهي كذلك تساعده على التوافق الشخصي والاجتماعي، فكل جيل من الأجيال تواجهه مشكلات رئيسة في عملية التوافق الشخصي والاجتماعي· ومع أهمية القراءة في حياة الفرد وأهميتها كذلك للمجتمع، إلا أنها تصادف الكثير من الصعوبات في تعليمها وتعلمها· ولعل أهم مشكلة نصادفها في تعليم القراءة، هي إعراض المتعلمين عن القراءة وعدم ارتباطهم بها· وهذا يدل على فقدان الميل لديهم والميل في ذاته متعلِّم وهو يبرز من التفاعل المستمر بين حاجاتنا الأساسية والوسائل التي نكتشفها لإشباعها، والميل إلى القراءة مواز تماماً لتعلّم (كيف نقرأ)، فكما يقول وليم جيمس: إن ما نعرفه جزئياً يدفعنا بالفعل إلى زيادة معرفتنا· هذه الميول تعكس بطريقة مباشرة وغير مباشرة حاجات الفرد، سواء أكان عارفاً لها أم لا· والميل إلى القراءة مرتبط تماماً بالمعنى· فقيمة الميل إلى أي موضوع تكمن في أنه ذو دلالة لدى القارئ ولِمَ لا والكتاب إذا لم يحمل أي معنى أو لم يكن به شيء مميز يدعو إلى حمله والإقبال عليه سوف لا يخلق استعداداً وتهيؤاً عقلياً لقراءته· وقد أكَّد كثير من الكتاب على أهمية هذه الميول في إنماء القدرة على القراءة وتشجيعها وتوجيهها· ويجب أن يلاحظ أنه من المفروض أن المتعلم يمكنه أن يقرأ عند مستوى معين ملائم إلى حد ما لعمره العقلي· فاكتساب القدرة على القراءة لا قيمة له في حد ذاته ما لم تستعمل هذه القدرة على القراءة وتستغل، وعندما يكتب المتعلّم القدرة على القراءة فالمعلم لا بد وأن يعمل على إطراد تقدمه من خلال استمرار ميله إلى القراءة، ونتيجة لهذا فهو يستعمل ميول المتعلمين الخاصة لتنمية القراءة الحرة، والميول لا تحدد فقط المجال الذي يختار المتعلم ألوان قراءته ولكن أكثر من هذا أهمية أنها تحدد إلى أي مدى هو يقرأ أو إلى أي مدى سوف لا يقرأ· فالجو المدرسي بما فيه قد يدفع إلى هذا الميل، أو يدفع عنه، والمعلم الذي يشرف على عملية القراءة ويوجهها مسؤول تماماً عن خلق هذا الميل، ونحن نعلم أن حب المعلم والثقة فيه قد يساعد على حب المادة والنجاح فيها والعكس صحيح، والمعلم الناجح هو الذي يأخذ عملية توجيه المتعلم نحو القراءة على أنها عملية تثقيف وتنمية وازدياد للمعرفة ويحاول بالجهد والتوجيه الصادق والطريقة المثلى أن يشجع المتعلمين على القراءة دون محاولة لكبت رغبة مشروعة أو تكليف لهم بما ليس في طاقتهم، وأهم سبيل له في هذا أن يكون على بينة بقدرات المتعلمين القرائية واستعدادهم، فلا يقدِّم لهم إلا ما يلائم كل فرد منهم· ورب الأسرة الذي يرى في قراءة ابنه كتاباً خارجياً أمراً غير مشروع وضياعاً للوقت في غير طائل، إنما يقف عائقاً أمام خلق هذا الميل· صحيح أنه يوجد بعض المطبوعات التي لا تتفق وقيمنا ولا يرتضيها المجتمع، قد تكون سبباً في حرص الآباء على ألا يخرج الأبناء عن إطار ما تقرره المدرسة· ولكن يمكن للوالد في الوقت نفسه أن يختار من الكتب ما يرى فيه ارتقاء بأبنائه فكرياً، وأن يوجههم ويضع أمام أعينهم من الكلمات ما يناسبهم· إن المشكلة لدينا أننا لم نستطع حتى الآن أن نوجد علاقة بين الكتاب والمتعلِّم، وليس هناك من الكتب ما يحمل الجمهرة الغالبة من المتعلمين على الإقبال عليه والتهامه· والواقع أن تحقيق هذا الميل نحو القراءة يتطلب منا دراسات واسعة للتعرف على مستويات الأولاد ومدى قيمة ما يقدم إليهم في خلق هذا الميل، ومع هذا فهناك من الأمور ما يمكن عملها في حدودها الضيقة لخلق هذا الميل لدى أكبر عدد ممكن من المتعلمين والعمل على تنميته· والواقع أن المتعلم إذا ما كان لديه ميل قرائي فالخطوة الأساسية قد اتخذت لتنمية هذا الميل ومع هذا فليس هذا وحده هو نهاية اهتمامنا بتنمية القراءة عنده·· وقد اقترح (جاكوبز) أن المعلمين يمكنهم أن ينمّوا ميول المتعلمين في القراءة بطرق متعددة منها: أن يكون لدى المعلم مادة قرائية جذابة تنادي المتعلم إليها شريطة أن تكون جيدة في محتواها وملائمة لمستوى المتعلمين، وأن يساعد المتعلم ليجد المحتوى القرائي الذي لا يستطيع الوصول إليه، وأن يشجع المتعلمين ليتبادلوا نتائج قراءاتهم التي وصلوا إليها، وأن يشجع المتعلمين على أن يفسروا أو يشرحوا ما قرأواº وذلك بتمثيله أو تصويره، وأن يعمل على نشر خدمات الكتب بين أكبر عدد ممكن من المتعلمين، وأن يستعمل وسائل تقويم تساعد المتعلّم لينمي واقعياً تحصيله القرائي الحاضر وليتغلب على ما يعترضه نحو تطور أحسن في عملية القراءة·
ويمكن تنمية الميول القرائية عن طريق التعلم والتقليد والمنافسة الشعورية، ولهذا يرى (جتزل) أن الحاجة إلى إثبات الذات تلعب دوراً مهماً في تنمية الميول· ولعل الموضوع الأساسي والمهم في عملية إثبات الذات هذه هو الأبوان، فإذا ما كانت القراءة مهمة في نظر هؤلاء تصبح بالضرورة مهمة عند المتعلّم، ولتكوين ذاته فيحاول أن يتشرب قيمهم وميولهم· والمعلم يخدم هذه العملية كموضوع ونموذج في عملية تكوين الذات، فإذا ما كان لدى المعلم ميول قرائية فسوف يتبع المتعلم هذه الميول غالباً· وتنمية الميول القرائية وصفت على أنها عمل أخاذ، والمتعلم يجب أن يكون مأخوذاً بالميول الجديدة ومن ثم يجب أن تقدم إليه مادة ملائمة· وهناك تشابه إلى حد ما بين الطرق المستعملة لترقية الميول في القراءة وتلك الطرق التي تستعمل في ترقية الميل لتعلّم القراءة، فالوالدان يساعدان على ترقية الميل لتعلّم القراءة بترقية البيئة التي تثير المتعلِّم للقراءة، ومن هنا فالمجلات والصحف والكتب والقصص والأخبار مهمة· والمشروعات في القراءة بطريقة تعاونية بين المدرسة والبيئة يمكن أن تساعد في تقدم القراءة على أنها وسيلة لقضاء وقت الفراغ· ويمكن لبرامج التلفاز والكمبيوتر أن تقدم أساساً للميول التي يمكن أن تقود المتعلِّم إلى قراءة أبعد وتنمية ميوله الحاضرة، بل وزيادة حصيلته اللغوية، فلا شك أن الاهتمام بتكوين الميل إلى القراءة وخلق عادات قرائية سليمةº يتطلب أن يكون التركيز على القراءة الحرة، ولكن هذا لا يعني إهمال الأنواع الأخرى من القراءة خاصة ما يتعلّق منها بتحصيل العلوم المختلفة·
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد