رحلتي إلى المغرب العربي العظيم


بسم الله الرحمن الرحيم

 

في رحلة استغرقت ثماني ساعات جواً واستمرت شهراً تنقلاً إلى بلاد المغرب العربي البعيد كانت لنا جولة دعوية استضافنا فيها الدعاة والعلماء في بلاد المغرب العربي، واتسمت هذه الرحلة التي لم يعكر صفوها إلا ما وقع من أحداث تخريبية في الدار البيضاء أخيراً شحنت الناس والحكومة على الإسلاميين، ولعل أعجب ما لفت انتباهي هي هذه المسافة البعيدة وكيف وصلها الرجال الأوائل رغبة منهم في حب الخير للناس وتبليغ الدين للعالمين، وصلنا إلى المغرب بلد الحضارة والتاريخ العظيم بلد الموحدين والمرابطين ودولة الأدارسة والدولة السعدية ثم العلوية ويهمنا في الحديث عن المغرب الكلام عن الجانب الديني، فالمغرب تعيش في هذه الأعوام صحوة إسلامية عظيمة ملفتة للانتباه فالذي يرغب في رؤية هذه الصحوة يراها واضحة فالمساجد عامرة حتى إنك لا تقدر الصلاة داخل المسجد من شدة الزحام وتمتلأ المساجد بالمصلين قبل الآذان وخصوصاً صلاة المغرب، أما بعد العصر فينتظر الناس على عتبات المساجد لتفتح أبوابها في المغرب وأما الجمعة فليس لك مكان قبل الصلاة بساعة، والأعجب من ذلك كله أن هذا الزحام في مساجدها يستوي فيه النساء والرجال ومساجد المدن والقرى وغالب المصلين من الشباب المقبل على الدين، ثم تميز هذه المساجد في عموم المغرب بميزة لم أرها في أي بلد في العالم وهي اجتماع كل مساجد المغرب دون استثناء على قراءة حزب من القرآن بعد صلاة الفجر وحزب من القرآن بعد صلاة المغرب مما يعني قراءة جزء يومياً وختم القرآن نهاية كل شهر في كل مساجد المغرب، وقد جلست لأستمع إلى هذه الحلاوة القرآنية والقراءة التعليمية الجماعية للقرآن بعد المغرب في جامع سوريا في طنجه حيث لا تملك مدامعك إلا أن تسيل وتشعر بأعمدة المساجد تترنح معك والجدران ترتل خلفك وترتج المساجد بقراءة المصليين، لحزب من القران والعجيب أن الرجال والنساء في مصلاهم كل يحرص على ذلك لتصحيح قراءته مع الإمام وهذا التزاحم هو في صلاة المغرب كما هو في صلاة الفجر من الرجال والنساء لقد شعرت بلذة في سماع آيات كتاب الله برواية ورش لم أشعر بها من قبل، والأعجب من ذلك أن غالب أهل المسجد حفظة لكتاب الله إذ لا أحد يقرأ من المصحف بل الغالب يقرأ من حفظه فضلاً عن أئمة المساجد الحفظة المتفنون لكتاب الله - تعالى -الذين يختمون كل شهر مرة مراجعة مع الناس وتعليماً لهم، ومن خلال المواعظ والخواطر والمحاضرات اليومية التي كنا نشارك فيها لاحظنا إقبالاً على العلم وعفوية في الأسئلة وتعطشاً للدين وصدق عاطفة والتصاق بالإسلام واعتزاز بالانتماء له، كما لاحظنا سرعة تأثر الشعب المغربي وعاطفته الدينية القوية مما يفسر الاعتناء الكبير في القرآن العظيم، وأما المدارس الدينية فهي أكثر من أن تحصى مما يسمى بمدارس تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، فكتب لها أن نزور مدرسة أبي شعيب الدكالي بمنطقة سلا وهي مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم تميز طلبتها بالذكاء والسرعة في التقاط القرآن، كما كتب لنا زيارة مدرسة الرحمن لتعليم القرآن الكريم بالدار البيضاء واللقاء بمشرفها د. الإدريسي، كما كتب لنا زيارة مدرسة تعليم القرآن الكريم بمكناس واللقاء بأستاذها أشوخي، وكثرة هذه المدارس ينبئك عن كثرة الحفظة حتى قيل أن الحفظ في المغرب للنساء وأما الرجال فلهم الرواية بأكثر من قراءه مع الحفظ، وبعض هذه المدارس مغلقة أي تشمل السكن والإقامة والإنفاق على الأبناء الذين تراوح أعدادهم من 70-150 في كل مدرسة، يدفع أولياء أمورهم مبالغ رمزية مقابل الإقامة في المدرسة ويتعلمون خلالها القرآن الكريم قراءة وحفظاً وكتابة على الألواح ومصطلح الحديث والفقه المالكي ومبادئ النحو والصرف والبلاغة وأصول التفسير، مع تعلمهم القيام على خدمة أنفسهم من نظافة وترتيب وغسيل وإعداد طعام، وأما علماء المغرب ففحول مشهود لهم بالتمكن، فقد كتب لنا اللقاء ببعض علماء مكناس وفقهاءها وأصولهما كالأستاذ الدكتور البصري والدكتور فريد الأنصاري وثلة من علمائها، وقد لمست في علماء المغرب التواضع وحسن الخلق وسعة الصدر والاعتراف بالفضل لأهل المشرق حتى أنهم ما كانوا ينادوننا إلا أسيادنا علماءنا أبناء الصحابة أهل الإيمان العرب الأبطال تواضعاً منهم، وأما كرم المغاربة فأمر يفوق الوصف والتعبير صدقاً لا مجاملة فبدءً من الكرم باللسان والترحيب الطويل الكبير ثم بالموائد الممدود التي تستمر في غالبها إلى سبع وجبات متتالية يكرم بها الضيف وبكل سرور مع يسر أو عسر المضيف، لقد طبق أهل المغرب كل ما نسمعه عن الكرم وحسن الخلق والضيافة مع بساطة العيش والرغبة في خدمة الآخرين، وبشكل عام فالمسلم حينما يتجول في المغرب العظيم لا يشعر إلا أنه في بلاد الإسلام وحضارته القديمة إذا ركز في نظره على معالم الدين والصحوة الإسلامية، أما باقي المظاهر فمثلها مثل غالب العالم الإسلامي، أما طبيعتها في بلد جميلة ساحرة خضراء هواءها عليل ومائها عذب لها امتداد على الساحل يصل إلى 3700كم فيها السهول الخضراء والغابات والحدائق الغناء والحياة البسيطية بعيداً عن المدينة، والذاهبون لها أنواع فمنهم من يذهب للمغرب للسياحة والاستجمام، ومنهم من يذهب لصيد الطيور في الجنوب (الصويره)، ومنهم من يذهب للدراسة في الجامعة ففيها جامعات عريقة كجامعة القرويين بفاس وجامعة تطوان وجامعة محمد الخامس وجامعة مولاي إسماعيل بمكناس وغيرها كثير، ومنهم من يذهب لزيارة الآثار كالمسجد العظيم مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء ومسجد ساحة الفناء في مراكش ويوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين ومسجد الوداية في الرباط وعمره 11 قرناً ومساجد تاريخية في طنجة وتطوان ومراكش وأسفي وهي التي وقف عندها عقبة بن نافع فقال قولته المشهورة لو أعلم أناساً خلف البحر لركبت إليهم أبلغهم دين الإسلام ولكن يا أسفي، ومن الناس من يسافر للإبل والجمال في الجنوب في العيون والورزازات وغيرها وعموما للناس فيما يعشقون مذاهب...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply