بسم الله الرحمن الرحيم
خريطة طاجيكستان:
مع صحبة غالية قررنا زيارة إحدى بلاد وسط آسيا.. فوقع الاختيار على طاجيكستان.. البلد الجميل.. بأشجاره الباسقة التي ترحب بك في كل شارع من شوارع العاصمة الأنيقة النظيفة دوشنبه.. وتتنوع هذه الأشجار بأزهارها وأثمارها كلما أوغلت شمالاً أو جنوبًا في البلاد.. أو كلما حللت ضيفًا على إحدى غاباتها تمتع ناظريك بمنظرها.. أو شنفت أسماعك أصوات الطيور بزقزقاتها العذبة الجميلة.. وإذا قال لك مرافقك الذي يقود السيارة بعنف لا يناسب الطريق الضيق شديد الانحدار أو شديد الصعود: إن هذا فرع من نهر جيحون.. نقلتك العبارة إلى جيوش الفتح التي حملت راية التوحيد ومعه العدالة والحرية والحق وهي تجتاز النهر لتصل إلى بلاد ما وراء النهر.. ومن دون أن تُكره أحدًا أقبل الناس على الدين الجديد.. واليوم وبعد مرور قرابة خمسة عشر قرنًا.. لا يتذكر الشعب رغم ما أصابه من مكروه الشيوعية والاحتلال الأحمر والإرهاق.. سوى إسلامه الذي ألقى نفسه في أرجائه سعيدًا راضيًا يرجو رحمة ربه وينشد ثوابه.
من شرفة الفندق الأنيق النظيف يمكنك أن تُشاهد كل ما تتمتع به طاجيكستان من جمال المنظر وحلاوة المعشر وكرم الضيافة.. فإذا تجولت في حديقة الفندق واجهتك أشجار(الكاكا) والكرز والعنب والنعم الكثيرة التي هي في متناول الزائر لا مقطوعة ولا ممنوعة..
وإذا تدخل فساد النظام.. أو سوء التدبير وجدت بعض المنشآت قد توقفت عن العمل.. فلم تجد من يبدلها أو يصلحها.. وكذلك هي الحضارة الشيوعية.. حضارة مادية بلا صيانة.. لا تهمها حرية الإنسان ولا فكره ولا أشواقه.. ولا تهمها صيانة أدواته.. فتتحول المنجزات مع الزمن إلى حديد خردة.
هذه الحضارة لا تنسى أن تزرع لك عيونًا في جهاتك الأربع.. تضحك معك وتفتعل الحكاية.. لعلها تستنبط كلمة أو تلاحظ موقفًا تحمّله ما لا يحتمل.. ما أشقى الإنسان الذي يراقب الآخرين مقابل دريهمات.. وما أشقى الإنسان الذي يشعر بأنه ملاحق.. أو أنه متهم بدون تهمة!
ماذا يضر النظام إذا كان اسمك حسن أو أحمد.. بل ما يضره إذا كان فكرك في هذا الاتجاه أو الاتجاه الآخر.. أسلوب يقضي على سلام الفرد وعلى أمن المجتمع.. ومن هنا اعتبره الإسلام من الجرائم التي تستحق العقاب.
الإنسان الطاجيكي إنسان مضياف.. لا تكاد تستقر في بيته حتى تمتد أمامك وليمة عامرة.. تبدأ بالمقبلات الكثيرة، ثم الطعام المتنوع الأسماء والأشكال وأخيرًا بسلطان الطعام الذي هو الأرز الفاخر اللذيذ المصنوع بأيدي الطاجيكيات الماهرات.
الموقع والسكان:
طاجيكستان هي إحدى الجمهوريات الإسلامية المستقلة التي تشكل حاليًا مع مجموعة جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق منظمة دول الكومونولث، وهي تشغل الزاوية الجنوبية الشرقية بالنسبة لهذه الجمهوريات، تحدها أفغانستان من الجنوب، وقرقيزيا وأوزبكستان من الشمال، والصين من الشرق، وأوزبكستان من الغرب، ولها حدود ضيقة مع باكستان من جهتها الجنوبية الشرقية.
تشغل هضبة البامير- وهي أعلى هضبة في العالم- أكثر من نصف مساحة طاجيكستان في أجزائها الجنوبية والجنوبية الشرقية، أما الأجزاء الشمالية فتوجد فيها جبال آلاي.
سهول البلاد الخصبة تقع في جزئها الغربي والجنوبي الغربي، تعرف البلاد بغزارة أمطارها ووفرة مياهها، يمر نهر جيحون الكبير من أطرافها الجنوبية الغربية مكوّنًا على ضفتيه مناطق زراعية خصبة، تبلغ مساحتها 143 ألف كم2.
السكان:
يصل عددهم إلى ستة ملايين نسمة، وهم خلافًا لمعظم الجمهوريات الإسلامية المجاورة يتكلمون اللغة الفارسية، وهم في غالبيتهم من السنة الأحناف، باستثناء أعداد قليلة ينتمون للطائفة الإسماعيلية الآغاخانية يسكنون هضاب البامير في إقليم (غورنوبدخشان).
أما من الناحية العرقية فيمثل الطاجيك 62% من مجمل السكان، والأوزبك 23% والروس 7. 6% (نصفهم في دوشنبه) وهناك أقلية ألمانية في حدود 1% وبقية الـ6% تتوزعها أقليات إسلامية (التتار، والقرقيز، والتركمان...).
أهم المدن:
دوشنبه: العاصمة وقد عادت لاسمها القديم بعد أن أطلق عليها الشيوعيون اسم (ستالين آباد)، تقع غرب البلاد في المناطق السهلية، سكانها أكثر من مليون نسمة.
ترمذ: تقع غرب البلاد وهي ذات طابع تاريخي إسلامي، وإليها ينتسب الإمام الترمذي.
خوجند: وكانت تسمى لينين آباد أيام الاحتلال فيها نسبة عالية من الأوزبك.. تقع المدينة شمالي البلاد في عمق الأراضي الأوزبكية، وهي من أكثر المناطق نموًا في طاجيكستان ومن أغناها باليورانيوم.. وتضم مصانع ضخمة لإنتاجه وتنقيته.
كورغان تبه: وهي مركز إداري يكثر فيها أتباع حزب النهضة الإسلامي، وكولاب في الجنوب.
الموارد الطبيعية والحياة الاقتصادية:
تشتهر طاجيكستان بتربية الماشية وصناعة الجلود وصناعات النسيج القطني والأصواف والحرير، والصناعات الهندسية وصناعات التعدين ومولدات الكهرباء، وتوجد في البلاد كميات تجارية من اليورانيوم والفحم والحديد والذهب والزنك والتنغستن، أمـا فـي المجال الزراعي فمن منتوجاتها القطن (مليون طن سنويًا) والقمح والذرة.
أما وضع البلد الاقتصادي فإن أكثر من 70% من سكانه يعيشون دون مستوى الفقر.
الإسلام في طاجيكستان:
دخل الإسلام المنطقة على يد الفاتحين المسلمين في عهد الأمويين عام 706م. وفي القرنين التاسع والعاشر الميلادي قامت في تلك الديار دولة السامانيين التي ضمت جزءًا كبيرًا من أراضي آسيا الوسطى الحالية وأفغانستان، وكانت عاصمتها بخارى، وهي من أكبر الحواضر الثقافية في العالم الإسلامي في ذلك الحين، لكن بخارى سقطت خريف سنة 999م في أيدي القبائل التركية الرحل، ويفخر الطاجيك بعباقرتهم المسلمين أمثال الإمام البخاري، والترمذي، والخوارزمي، وابن سينا، والشاعر الفردوسي، وعمر الخيام صاحب الرباعيات المشهورة، والفلكي أبو محمود الخوجندي.
في سنة 1880م تحركت جيوش القيصر الروسي للاستيلاء على هذه البلاد بعد أن تمزقت إلى دويلات صغيرة، إلا أن المقاومة الإسلامية بقيادة الشيخ المجاهد "دوكجي إيشان" أعاقت تقدم هذه الجيوش، ولكنها لم تحل دون سيطرة الروس بعد أن قتل "إيشان" وقضي على المقاومة، ما زالت التحف الأثرية النادرة التي كانت تعرف بكنوز جيحون تعرض في متاحف روسيا ولندن شاهدة على غدر هؤلاء وخيانتهم.
وعلى الرغم من الصراع الدامي بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، فإن بابا الفاتيكان أيد القيصر الروسي في استيلائه على بلاد المسلمين وتمزيق دولتهم.
بعد الحرب العالمية الأولى وقف المسلمون إلى جانب الثورة الاشتراكية التي قامت عام 1917م، والتي وعدت بإعطائهم حريتهم واستقلالهم.. إلا أن البلاشفة ما أن أحكموا سيطرتهم على روسيا حتى بعثوا بجيشهم الأحمر لسحق الشعوب الإسلامية التي وقفت إلى جانبهم!
في سنة 1921م انطلقت شرارة الجهاد تحت اسم (بسماش) أي ثورة المجاهدين يقودها "إبراهيم بيك" في غربي البلاد ومدوم فضيل في شرقيها ودولت بيك في الجنوب.. إلا أن الفارق الكبير في الإمكانات والمجازر الرهيبة التي ارتكبها الشيوعيون.. أدى إلى انهيار المقاومة.. وعندما التجأ زعماء الجهاد إلى أفغانستان.. سلمهم الملك نادر شاه إلى روسيا التي قضت عليهم جميعًا.
في العهد البلشفي أنشئت جمهورية طاجيكستان الإتحادية عام 1929م بعد أن كانت إقليمًا تابعًا لأوزبكستان منذ عام 1924م، وكان الهدف السياسي الذي يرمي إليه الروس هو تفتيت وحدة هذه البلاد وإيجاد نوع من الصراع العرقي والمذهبي بين المسلمين، فقد كانت طاجيكستان جزيرة فارسية في محيط طوراني تركي.
في الأعوام العشرة من 1928 1938م شهدت البلاد صراعًا حادًا بين السكان الطاجيك وجموع المستوطنين الروس تمكن خلالها الشيوعيون من تصفية جيل كامل من مثقفي الطاجيك المسلمين وخاصة أيام ستالين (زاد عدد قتلى المسلمين في منطقة آسيا الوسطى عن عشرين مليون مسلم!)، ولم يزد الإرهاب الشيوعي الطاجيك إلا تمسكًا بهويتهم ودينهم.. خاصة مع هيمنة الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا ومطالبتها بجعل المذهب الأرثوذكسي دينًا رسميًا للدولة.
توصف شعوب الطاجيك والأوزبيك بأنها الأكثر تمسكًا بالإسلام في منطقة ما وراء النهر.. ولهذا السبب فقد ركزت الدعاية الشيوعية على هذه المنطقة فنشرت فيها الإلحاد مستخدمة كل الوسائل مثل الكتاب والمراكز الثقافية والجامعات وغيرها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد