أزمة كوريا الشمالية: خيارات واشنطن حسابات بيكين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تحاول الولايات المتحدة - التي تعارض البرنامج النووي لكوريا الشمالية - الضغط على جيران كوريا الشمالية لإقناعها بتفكيك برنامج أسلحتها النووية،. بينما جيران كوريا الشمالية - وإن كان عندهم أيضاً مصلحة في شبه جزيرة كورية منزوعة نووياً - ولكن لا يعني هذا أن جميعهم يعتبر هذا الملف أولوية يُقدم على باقي الاهتمامات، وهذا يمكن استيعابه بفهم المصالح المتباعدة بين الولايات المتحدة وجيران كوريا الشمالية.

 

* مصالح أمريكية في كوريا الشمالية:

ليس من مصلحة واشنطن السماح لكوريا الشمالية بتطوير الأسلحة النووية، وكنتيجة لهذا استهدفت سياسة إدارة بوش إقناع كوريا الشمالية بتفكيك والتخلي عن برنامج أسلحتها النووية، على أية حال إدارة بوش عندها الخيارات المحددة تحت تصرفها لضمان هذا الهدف:

أولاً: فرض جيش كوريا الشمالية الكبير نفسه كقوة منافسة للولايات المتحدة في شرق آسيا، وعليه فإن أي نزاع جدي مع كوريا الشمالية قد يؤدي إلى إلحاق الأضرار بجميع الأطراف المشتركة في المعركة، خصوصاً الدول المحيطة بشبه الجزيرة الكورية، ولدى كوريا الشمالية رابع أكبر جيش في العالم، مع حوالي 1.2 مليون موظف مسلح، وإنفاقه العسكري يعادل تقريبا 25 بالمئة من الدخل القومي السنوي.

والأكثر أهمية أن قدرات الشمال العسكرية تفوق الجنوب، حيث يمكن أن تستخدم بيونج يانج تقريباً بمعدل مرتين كمية من الموظفين المسلحين أكثر من سيؤول، ولها دبابات أكثر، ومدفعية بعيدة المدى، وناقلات جنود مسلحة، ورغم أن العديد من أسلحة الشمال قديمةº فإنه لا زال يحتفظ بالإمكانية لإلحاق الإصابات الهائلة بالجنوب، وبسبب هذا نشرت الولايات المتحدة قواتها في كوريا الجنوبية لكي تصد أي هجوم كوري شمالي، إذ إن الغرض الرئيس من القوات أن يحذر كوريا الشمالية بأن أي هجوم على الجنوب سيجلب الولايات المتحدة إلى النزاع.

وتورط أمريكا في العراق بأكثر من 130 ألف عسكرياً جعل من الصعب عليها إخافة كوريا الشمالية بشكل كاف، وتدرك كوريا الشمالية وأطراف معنية أخرى بأن واشنطن "غارقة" في العراق، وسوف لن تفتح جبهة عسكرية جديدة، فعلى سبيل المثال أشارت دراسة حديثة سربتها حكومة كوريا الجنوبية إلى أنه في حالة هجوم من طرف الشمال تحتاج الولايات المتحدة إلى 690,000 عسكرياَ بالإضافة إلى حوالي 2,000 طائرة حربية، وهذا يعني التزام أمريكا بـ 70 بالمئة من جنود بحريتها قاطبة، و50 بالمئة من قوتها الجوية، و40 بالمئة من قوتها البحرية، وآلاف الجنود العاديين، وتفوق هذه الأعداد أكثر من أربع مرات القوات الأمريكية الحالية في العراق.

ومع هذا الاحتياجات - واعتبارات أخرى - يصبح من الواضح بالنسبة لصناع السياسة في واشنطن بأن الخيار العسكري ليس مرغوباً فيه عند التعامل مع كوريا الشمالية، لذا تحاول الولايات المتحدة استعمال جيران كوريا الشمالية لممارسة الضغط على بيونج يانج، لكن إدارة بوش تثير المشاكل بمتابعة هذه النظرة، وهناك حقيقة أخرى أن جيران كوريا الشمالية لا يشتركون في نفس المصالح أو الأولويات مع الولايات المتحدة، إذ بينما تتفق اليابان نسبياً مع سياسة واشنطن الحالية تجاه كوريا الشمالية، أظهرت روسيا اهتماماً محدوداً بطلبات واشنطن بسبب صلاتها الوثيقة التاريخية مع كوريا الشمالية، وكذا رغبتها لتحجيم تدخل واشنطن في الشؤون الروسية، في حين تبدو مصالح الطرفين الآخرين في المحادثات - الصين وكوريا الجنوبية - أكثر تعقيداً، ومهددة بالضياع.

 

الصين:

حاولت إدارة بوش والسياسيون في واشنطن إقناع الصين للضغط على كوريا الشمالية لنزع سلاحها النووي، ذلك أن الصين حليف كوريا الشمالية الوحيد الهام، والتي تساعد إسناد نظام الزعيم كيم لي يونغ، تحتفظ بالقدرة على الضغط على كوريا الشمالية بتحديد مساعداتها الاقتصادية والإنسانية وفي مجال الطاقة، وتظل كوريا الشمالية بشكل كبير معتمدة على الصين لبقائها خصوصا ما يتعلق باحتياجات الطاقة، لهذا السبب تدفع الولايات المتحدة الصين لدعم السياسة الأمريكية في الضغط على بيونج يانج لنزع السلاح.

ورغم أنه لدى الصين مصلحة في خلو شبه جزيرة كورية من السلاح النوويº فإن له مصالح أخرى أيضاً وربما ذات أسبقية، فعلى سبيل المثال تشكل كوريا الشمالية حاجزاً بين الصين وكوريا الجنوبية التي كانت حليف أمريكا القوي لعقود.

وتحتفظ الولايات المتحدة بحضور عسكري كبير في كوريا الجنوبية، وانهيار كورية الشمالية يمكن أن يؤدي إلى "اغتصاب" الجنوب للشمال، الأمر الذي يغري الولايات المتحدة بتمديد وتوسيع دائرة تأثيرها إلى حدود الصين الجنوبية، ومن شأن هذا أن ينعكس سلباً على سياسة الصين الخارجية، ويعرض مساعيها لإعادة تأكيد سيادتها على تايوان للأخطار.

إضافة إلى ذلك فإن انهيار كوريا الشمالية قد يهيئ الأجواء لحصول كارثة إنسانية واقتصادية للصين، حيث تعاني بيجين من نزوح لاجئي كوريا الشمالية، وأي انهيار للنظامِ الاجتماعي المريض في كوريا الشمالية سيؤدي إلى نزوح جماعي غير مرغوب من اللاجئين، الأمر الذي قد يدفع الصين أيضاً لتصدير التنمية الاقتصادية في حال الانهيار لضمان قيام الحكومة الجديدة، أو توحيد الشمال والجنوب، بالإضافة إلى أن انهيار كوريا الشمالية يُعرقل العلاقات التجارية المتزايدة التي تتمتع بها الصين الآن مع كوريا الجنوبية، باعتبار أن ثروتها ستنفق في حالة الانهيار على إعادة بناء الشمال.

مع عدم الإغفال أن تقويض التأثير الأمريكي في شرق آسيا يعتبر هدفا إستراتيجيا بالنسبة لبيجين.

وإدراك الصين أن القوة الأمريكية في آسيا قد تتلاشى عزز سياستها الدافئة نحو كوريا الجنوبية، أملاً في الاقتراب منها وإبعادها عن حظيرة الولايات المتحدة واليابان.

وعلى هذا توضح العوامل السابقة لماذا الصين مهتمة بإبقاء الوضع الراهن الحالي في كوريا الشمالية، بينما يأمل المحللون الأمريكيون والدوليون أن تضغط الصين أكثر على كوريا الشمالية لإنهاء برنامج أسلحتها النووية، بينما من مصلحة الصين أن تستمر المفاوضات حول هذا البرنامج طالما كان ذلك ممكناً.

 

كوريا الجنوبية:

تقليدياً اعتبرت كوريا الجنوبية حليف أمريكا الرئيسي في آسيا، لكن بانهيار الإتحاد السوفيتي، وعلاقات سيؤول المتحسنة مع بيجين، وعزلة وإضعاف كوريا الشماليةº ما عادت سيؤول تعتبر بيونج يانج التهديد الأكبر كما كانت من قبل، إضافة إلى ذلك أدى انهيار الإتحاد السوفيتي إلى التدخل الأمريكي المتدرج في آسيا، لكن تورطها في العراق دفع سيول إلى التفكير أكثر في تأمين نفسها بقوى آسيوية أخرى في حال انسحاب الولايات المتحدة مستقبلاً من شرق آسيا.

فعلى سبيل المثال قرار إدارة بوش لسحب بعض قواتها من كوريا الجنوبية وإعادة نشرها في العراق أظهرت - سواء بقصد أو بغير قصد - أن الولايات المتحدة لا تولي الحرص والاهتمام نفسه بكوريا الجنوبية كما كانت من قبل.

وبالنسبة لواشنطن فإن إعادة الانتشار هذه تجسد هدف واشنطن للعب دور أقوى في ضمان طرق التجارة، وحماية المنطقة من "الإرهاب"، وأما بالنسبة لكوريا الجنوبية فإن هذا التغيير في السياسة يحمل سبباً كافياً لإثارة القلق من أن أمريكا قد تنسحب في النهاية من كوريا الجنوبية قبل حل نزاعها مع كوريا الشمالية، لذا تبنت سيؤول سياسة "ناعمة" نحو كوريا الشمالية من خلال عرض الحوافز الاقتصادية أملاً في تهيئة الشروط للتوحيد السلمي لشبه الجزيرة، وفي الوقت نفسه تعمل سيؤول على تعزيز قوتها العسكرية لتأمين نفسها من زحف الشمالِ في حال انسحاب أمريكا من كوريا الجنوبية وهذا بالتعاون مع اليابان.

هذا وتعمل سيؤول على تحسين علاقاتها أيضاً مع الصين انطلاقاً من أن تراجع التأثير الأمريكي في شرق آسيا من المحتمل أن يستبدل بالتأثير الصيني.

بالتأكيد هذه العوامل لا تعني بأن كوريا الجنوبية ستعكر صفو علاقاتها مع الولايات المتحدة، بالعكس تحتاج سيؤول لواشنطن مواصلة لتوفير المساعدة الأمنية لتفادي أيّ هجوم كوري شمالي محتمل، وبينما تدرك سيؤول قوة الصين المُتزايدة، وتريد تحسين العلاقات مع بيجينº فإنها لا تريد أن تخضع لسيطرة الصين، وعليه فإن اصطفافها بجنب الولايات المتحدة يضمن استقلالها من عملاق آسيا، وبالرغم من هذا عدلت كوريا الجنوبية إستراتيجية سياستها الخارجية، وهي بصدد إنهاء اعتمادها التقليدي على الولايات المتحدة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply