قديروف .. والخاتمة المأساوية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

وسط حشودٍ, عسكرية هائلة، وفي يوم الاحتفال بعيد النصر الروسي لقي أحمد قديروف الرئيس الشيشاني الموالي لروسيا مصرعه في ضربةٍ, موجعة من المجاهدين الشيشان للاحتلال الروسي.

وجاء اغتيالُ قديروفَ أثناء الاحتفالات التي نظمت باستاد "دينامو" وسط العاصمة الشيشانية "غروزني" صباح يوم الأحد بمناسبة ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي السابق على ألمانيا النازية عام 1945، ورغم أن قديروف تعرض عدة مراتٍ, لمحاولة اغتيالٍ, على يد المقاومة الشيشانية نجا منها بأعجوبةº إلا أن عملية الاغتيال تمثل نقلةً نوعية للمقاومة حيث إن الانفجار نجم عن زرع قنبلة داخل جزءٍ, خرسانيٍّ, في الاستاد، ولهذا السبب لم تتمكن المخابرات الروسية رصد القنبلة الليلة السابقة عندما فتّش مسؤولون أمنيٌّون الاستاد قبل الاحتفالات، وأسفر الانفجار عن مقتل 32 شخصاً وإصابة 46 آخرين من بينهم الجنرال فاليري بارانوف قائد القوات الروسية في الشيشان.

وعلى الفور اتهمت موسكو المجاهدين الشيشان بالمسؤولية عن الانفجار الذي وصفته بالعمل "الإرهابي"، وأعلن الكرملين أنه كلف رئيس الحكومة الشيشانية سيرغي إبراموف توليَ رئاسة الشيشان بالوكالة بعد مقتل الرئيس الشيشاني الموالي للروس أحمد قديروف، بينما توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمقتل قديروف قائلاً: "لا مجال للشك بأن العقاب سيكون حتميّّّاً لأولئك الذين نحاربهم اليوم".

تأتي عملية اغتيال قديروف بعد ثلاثة شهور فقط من استشهاد الرئيس الشيشاني الأسبق (سليم خان يندرباييف) إثر تفجير سيارته في العاصمة القطرية الدوحة، وأعلنت مصادر عدة تورٌّط الحكومة الروسية في اغتيال يندرباييف، وتوعدت المقاومة الشيشانية برد موجعٍ, لروسيا، وجاء الرد كما يعتقد المراقبون حاسماً، واضعاً الكرملين الروسي في مأزقٍ, باغتيال قديروف والذي كان يعوِّل عليه الكرملين كثيراً في تهدئة الأوضاع، وإضفاء الشرعية على احتلال الشيشان بعد الانتخابات التي أجريت في أكتوبر الماضي وانتخب قديروف خلالَها رئيساً للشيشان بدعمٍ, من موسكو.

 

من الجهاد إلى الموالاة:

ولد قديروف عام 1954م في آسيا الوسطى حيث كان الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين نفى كل مواطني الشيشان بتهمٍ, غير مؤكدة تزعم أنهم تعاونوا مع الغزو النازي، ودرس قديروف في العديد من المعاهد الإسلامية، وأصبح قديروف مفتياً لجمهورية الشيشان، وشارك في المقاومة الشيشانية ضد القوات الروسية بين عامي 1994م و1996م، وفي العام نفسه أصبح قديروف مفاوضاً عن الجانب الشيشانيّ في محادثات السلام التي أنهت هذه الحرب، واستطاعت الشيشان أن تعيش استقلالاً من جانبٍ, واحد لثلاثة أعوام، ولكنه سرعان ما انقلب قديروف ضد المجاهدين الشيشان أثناء التدخل العسكري الروسي الثاني في أكتوبر1999م ليقف إلى جانب موسكو.. زاعماً أنه غير موافق على تبني نهج الجهاد ضد روسيا، وعندما سئل قديروف عن سبب تغيير مواقفه من الجهاد إلى الموالاة لروسيا قال:"إن روسيا أعطتنا كل شيء قائلةً افعلوا ما تريدونº إلا أننا لم نستغل الأمر بصورة ملائمة".

بعدها أصبح قديروف من مفتٍ, إسلاميٍّ, إلى رئيسٍ, للإدارة الشيشانية الموالية لروسيا، واصطحب بوتين قديروف في رحلةٍ, إلى الأمم المتحدة العام الماضي، وظهر معه باستمرارٍ, على شاشات التلفزيون الوطني.

وبعدما غير قديروف توجهاتِه دعا زعيم المجاهدين الشيشان أصلان ماسخادوف إلى قتله نتيجة خيانته، وبالفعل تعرَّض قديروف لمحاولات اغتيال لا تحصى، وكادت امرأة أن تقتله قبل عامٍ,، وهي على مسافة أمتارٍ, قليلة منهº عندما فجَّرت نفسها، وقتلت 14 من الحضور أثناء احتفالٍ, ديني.

وزادت الفجوة بين قديروف ورفاقه المجاهدين بعد رفضه التفاوض بشأن السلام مع المجاهدين الشيشان.

 

خسائر روسية فادحة:

وكان الرئيس الروسي بوتين أرسل قواته إلى الشيشان في أكتوبر 1999م عندما كان رئيساً للوزراء، فيما كان يزعم تسميته عملية مكافحة الإرهاب.

ومنذ ذلك التاريخ والسلطات الروسية تزعم أن الوضع في الجمهورية القوقازية في طريق التطبيع، لكن هجمات المجاهدين الشيشان ضد القوات الروسية - لا سيَّما من خلال الألغام التي تفجر عن بعد - متواصلة بدون انقطاع، وغالباً ما يضرب المجاهدون الشيشان القوات الروسية بمناسبة الاحتفالات منذ بداية النزاع الروسي الشيشاني الثاني في أكتوبر 1999م.

وقد كشف تقرير نشرته صحيفة (نوفايا غازيتا) الروسية بداية العام الجاري أن الحرب بين روسيا والمقاومة الشيشانية أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 12 ألف قتيل في صفوف القوات الروسية، و40 ألف قتيلٍ, في صفوف المدنيين.

ورغم أن الصحيفة لم تُشر لمصادر هذه الحصيلة التي أوردتها، فقد لاحظ مراقبون أنها تختلف بشكلٍ, كبير مع الأرقام التي نشرتها السلطات الروسية، وتُشير إلى مقتل 8904 فقط من القوات الروسية خلال الحرب الأولى التي استمرت في الفترة (1994م- 1996م) ومنذ بدء الحرب الثانية في الأول من أكتوبر 1999م.

وقد نوهت الصحيفة الروسية إلى أن الحصيلة الجديدة ناتجة عن أن وزارتي الدفاع والداخلية الروسيّتَين لا تحصيان في أرقامهما العدد الرسمي للمفقودين والجنود الذين تُوُفٌّوا متأثرين بجروحهم وعددهم 832، والذين قُتلوا في داغستان في سبتمبر 1999م، وهي الجمهورية المجاورة للشيشان قبل دخول القوات الروسية إلى الشيشان في أكتوبر 1999م والذين دفنوا دون التعرف عليهم.

أما حصيلة القتلى المدنيين فتستند إلى تقييم لجنة إحصاءات الدولة التي تقدر عددهم بما بين ثلاثين وأربعين ألفاً خلال النزاع الأخير، وبين عشرة آلاف وعشرين ألفاً خلال الحرب الثانية.

 

مأزق الكرملين:

الخاتمة المأساوية لأحمد قديروف توضح المأزق الذي تعيشه المؤسسة العسكرية الروسية، والتي اعتمدت على اعتبار خيار القوة هو الخيار الوحيد في تسوية النزاع مع جمهورية الشيشانº فوجود إدارة شيشانية معينة من قبل موسكو أمر غير مجدٍ,، ويعد زائفاًº فالوضع الحقيقي يدار عمليّاً من جانب السلطات العسكرية، وبالتالي فإن ما يطلق عليه "الإدارة الشيشانية" لا تمثل الشيشانيين في شيء، وإذا كان من الناحية النظرية القوات الروسية تسيطر على معظم المدن الشيشانية بما فيها العاصمة غروزني، ولكن من الناحية العملية فإن المجاهدين الشيشان يتمتعون بوضعٍ, قويٍّ,º حيث يستطيعون دخول المدن وإيقاع خسائر فادحةٍ, في صفوف القوات الروسية، وإسقاط المروحيات، والذي أصبح ظاهرة متكررة، ويعد دليلاً على قوة المقاومة، وبأنها تملك أسلحةً حديثة من بينها صواريخ أرض جو من طراز إيفلا التي اعتُقِد أنهم يحصلون عليها من القوات الروسية مفيدين من تفشِّي الفساد والرشوة في صفوف هذه القوات.

ولعل الكرملين يدرك جيداً تعقيدات الوضع في الشيشان، والمأزق الذي وصلت إليه الحلول العسكرية للنزاع، ويجنح إلى السلم، وينسحب من الشيشان بعد اغتيال قديروف.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply