في الوقت الذي خرجت فيه القمة العربية خالية اليدين من أي عمل عربي مشترك يضمن الحد الأدنى من واجبنا تجاه القضية الفلسطينية ومقدساتنا على الأرض الطاهرة، تفاجئنا دولة تعد نفسها (علمانية) بتسجيل مواقف إيجابية ضد إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، وهو ذات الموقف الذي خرجت به هذه الدولة إبان الاحتلال الأمريكي للعراق.
ففي الوقت الذي لم تتخذ أي دولة عربية موقفاً حازماً ضد الاحتلال الأمريكي للعراق (باستثناء سوريا التي حركت القضية دولياً)، وفيما كانت بعض الدول الأخرى تقدم الأرض والمعسكرات، وخطوط الإمداد لقوات الاحتلال، كانت تركيا قد حزمت أمرها، وقررت عدم قبول الاحتلال الأمريكي للعراق عبر أراضيها، كانت تركيا ستستفيد كثيراً فيما لو أتاحت للجيوش الأمريكية الدخول عبرها، على الأقل ستضمن حداً من الدعم الأمريكي لعدم قيام دولة كردية في شمال العراق، وتحصين الحدود مع العراق في وجه من تعدهم (أعداء) من الأكراد هناك، وكانت ستنال الثمن مادياً أكثر من 8 مليارات دولار على شكل مساعدات اقتصادية - كالتي حصلت عليها مصر والأردن ودول عربية أخرى ثمناً لوقوفها إلى جانب أمريكا - إلا أن البرلمان التركي رفض كل ذلك، وقرر أن يقول: (لا).
أمس وخلال مجزرة اعتادت الدول العربية سابقاً أن تتخذ موقفاً (كلامياً سلبياً) منها، تحولت الأمور فجأة إلى ( متابعات إخبارية)، دمرت إسرائيل مئات المنازل الفلسطينية في رفح، وشردت آلاف العوائل الفقيرة في الشوارع، وقتلت أكثر من 60 شخصاً خلال أربعة أيام، وأتخمت المستشفيات بالمصابين والجرحى، فيما لم تتخذ أي دولة عربية موقفاً مناصراً للفلسطينيين، واكتفت بالمشاهدة كأي دولة تقع في الطرف الآخر من العالم !!
الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل غسلنا أيدينا من أي موقف لهم ضد الصهاينة، ولكن الصفعة الأخرى التي تلقاها الفلسطينيون هي أن الدول العربية الأخرى لم تعلن مجرد بيان استنكار لجرائم إسرائيل.
وحدها تركيا - الدولة الإسلامية الكبيرة - رغم دعاوى العلمانية المفترضة، ورغم عداء تاريخي مع بعض الدول العربية، قدمت درساً للعرب باتخاذ مواقف (عملية) تنأى عن الجمل (العروضية والإنشائية) العربية الداعمة لفلسطين !!!
وبعيداً عن تكلّف الإعلام والبيانات والخطب تناقلت وسائل الإعلام مطلع الأسبوع الماضي قراراً للحكومة التركية إلغاء عقودها العسكرية الموقعة أو قيد التوقيع مع جميع الشركات الإسرائيلية والمتعلقة بتصنيع وشراء الدبابات والمروحيات وطائرات التجسس بقيمة عشرين مليار دولار.
هذا القرار جاء في ختام اجتماع الهيئة العليا للصناعات العسكرية التركية الجمعة قبل الماضية برئاسة (رئيس الوزراء) رجب طيب اردوغان، ومشاركة (رئيس الأركان) الفريق أول حلمي اوزكوك، و(وزير الدفاع) وجدي غونول.
ولم تخش تركيا مما تخشاه بعض الدول العربية حيث أعلنت مصادر مسؤولة في الهيئة العسكرية التركية أن القرار الحكومي جاء في إطار السياسة التركية الجديدة الرافضة للتعاون العسكري الاستراتيجي مع إسرائيل التي سعت حكومة العدالة والتنمية طيلة المدة الماضية إلى تجميد علاقاتها بها احتجاجاً على ممارساتها اليومية ضد الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى رفض السيد اردوغان استقبال (رئيس الوزراء الإسرائيلي) ارييل شارون في أنقرة نهاية العام الماضي، وإلغائه لزيارات العديد من الوزراء الإسرائيليين إلى تركيا، وكذلك إلغاء زيارة (وزير الخارجية التركي) السيد عبد الله غول إلى فلسطين المحتلة (48) بسبب سياسة الاغتيالات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
ولم تمض إلا أيام قليلة حتى أعلن وزير الخارجية التركي أن الحكومة التركية قررت رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع السلطة الفلسطينية، وذلك بتعيين دبلوماسي برتبة سفير في القنصلية التركية الموجودة في القدس الشرقية.
وجاء هذا القرار في المؤتمر الصحفي الذي عقده غول يوم الأربعاء الماضي بعد لقاءه مع (وزير البنى التحتية الإسرائيلي) يوسف باريتسكي، والذي أعلن فيه أن تركيا قررت استدعاء سفيرها من تل أبيب لبحث مجمل التطورات الأخيرة في المنطقة، في تهديد واضح لإسرائيل بسحب سفارتها بحال استمرت بحملتها الهمجية ضد الفلسطينيين.
ما حدا بباريتسكي الاعتراف أن لقاءه مع اردوغان كان "أقسى لقاء يجريه في حياته، وأن أردوغان بدا غاضباً لدرجة الخروج عن طوره ضد السياسة الإسرائيلية".
هذه المواقف الحكومية المناصرة للقضية الفلسطينية العادلة لقت تجاوباً بين أعضاء الحكومة والبرلمان التركي، إذ إن مواقف الحكومة سمحت لهم باتخاذ مواقف سلبية ضد اليهود، وهو ما نتج عنه مؤخراً ( على سبيل المثال) تقديم مصطفى نوري اكبولوت (عضو البرلمان التركي عن حزب العدالة) استقالته من عضوية جمعية (الصداقة البرلمانية التركية الإسرائيلية ) تضامناً مع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد أكبولوت في بيان له أعلن يوم السبت 29 مايو أن إسرائيل تمارس أبشع أنواع المذابح في التاريخ بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وأنها تقتل بوحشية الأطفال والنساء والشباب من أبرياء فلسطين، وأن ما تقوم به هو ظلم لا يمكن القبول به، موضحاً أنه قرر الاستقالة من الجمعية البرلمانية احتجاجاً على إسرائيل وتضامناً مع شعب فلسطين.
يقرأ المسؤولون العرب هذه الأنباء كأي قارئ عربي، إذ لن تشكل لهم هذه الأنباء أي حافز أو درس لهم، فالأمر لدى الكثيرين لا يتعدى (مواقف تشجب وتستنكر وتدين) إن كان الأمر يستحق معاناة البيان الصحفي !!!، وربما عد البعض منهم أن أفضل المواقف التي يمكن أن تضمن السلامة للجميع هي المتمثلة بالدعم (المادي) عبر إرسال أموال للفلسطينيين لبناء منازل أخرى لهم غير التي هدمتها إسرائيل، قد تقوم إسرائيل لاحقاً بهدمها.
ما المشكلة.. طالما أن الجميع (ما عدا الفلسطينيين) بسلام، هل لتركيا أغراض وطنية أو مصالح غير معلنة فيما تقوم به من احتجاج على الممارسات الإسرائيلية؟
ربما.. لكن ذلك في نهاية الأمر يصب في صالح القضية الفلسطينية والإسلامية، وهي مواقف يجب أن ندعمها ونشد على يد من قام بها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد