حملة "مليون ضد محمد" التي أطلقها الفاتيكان ليست آخر موقف للفاتيكان ضدّ الإسلام ونبيّه - صلّى الله عليه وسلّم -، فقد أصدر الفاتيكان مؤخّراً بياناً يحذّر فيه النّساء الكاثوليكيّات من الزواج بمسلمين سواء في أوروبا أو خارجها، لأنّ المسلمين متوحّشين ضد النساء، وأن المسيحيّة التي سوف تتزوج من مسلم ستحرم من حقوقها.
فالفاتيكان له حساباته الخاصّة في أوروبا، فهو يعلم أنّه ضعيف على مستوى الوجود العام، ولذلك يريد أن يركب موجة العِداء للإسلام التي تثار كثيراً في مؤسسات صناعة القرار في الغرب لكي يستعيدَ بعض توازنه المفقود، وذلك يذكرنا بما حدث في أوروبا منذ عشرين عاماً عندما ركب موجة العداء للشيوعيّة، وحرّك الكنائس الكاثوليكيّة في أوروبا الشرقيّة ضد الشيوعيّة.
وكان الفاتيكان هو الذي حرّض نقابة " تضامن " في بولندا، حيث كانت هي المبادرة بإسقاط النظام الشيوعيّ.
ولأن الفاتيكان يعلم أنّ الشّعار المرفوع الآن هو محاربة الإسلام تحت دعاوى مواجهة الإرهاب، فهو يريد أن يلعب مع الإسلام نفس الدور الذي لعبه مع الشيوعية في السّابق.
والغريب أن القوم يتحدثون عن الحِوار بين الأديان والمحبّة والتّسامح، فكيف يستقيم الحِوار مع هذه المواقف السلبيّة التي كانت حملة " مليون ضد محمد " أعنفها وأفحشها؟.
والفاتيكان يعلم أنّه ضعيف في أوروبا ولذلك ضغط مؤخّراً للاعتراف بالجذور المسيحيّة في الدستور الأوروبيّ بعد أن تجاهله السّاسة ولم يشيروا إلى هذا الأمر.
والغريب في الأمر أنّه في الوقت الذي يعلن فيه الفاتيكان الحرب على الإسلام نجد المؤسسات الإسلاميّة في البلاد العربيّة والإسلاميّة عاجزة عن العمل وتكاد تكون مشلولة حتى في الدّعوة الدّاخلية، لأنّها مقيّدة تحت دعوى محاربة الإرهاب.
و من غرائب الأمور أيضاً أنّه بينما يسيطر اليمين المسيحيّ على السياسة في أوروبا، ويرفع بوش شعارات الدين في الانتخابات، ويقول: إنّه مرشّح المسيحيّة، بينما يحدث ذلك يحذّرنا الغرب وأتباعه في ديارنا من التداخل بين الدّين والسياسة!!
مُحارَبة ُالإسلام:
إنّ الضّغينة والحُنق على الإسلام، والرّغبة العنيفة في إقصائه هي أهمّ أهداف الحملة الصّليبيّة على جنوب السودان، إنّها تدرك أنّه لو نفذ الإسلام إلى هناك فإنّ ذلك مدعاة لانتشاره في كامل القرن الإفريقي ومنابع النيل ومنطقة البحيرات، وهي مناطق استراتيجية هامّة ومفصل حركة القارّة، وهذه ميادين لا مساومة فيهاº ومن ثَمّ سعت الكنيسة إلى نفي كل أثر يتعلق به من الجنوب، لقد كتب (اللورد كتشنر) عام 1982م قائلاً: "ليس من شك في أن الدين الإسلامي يلقى ترحيباً حاراً من أهالي هذه البلاد، فإذا لم تقبض القوى النّصرانيّة على ناصية الأمر في إفريقيا فأعتقد أنّ العرب سيخطون هذه الخطوة، وسيصبح لهم مركز في وسط القارة يستطيعون منه طرد كافة التأثيرات الحضارية إلى الساحل، وستقع البلاد في هذه العبودية"، ويشرح القس (أرشيد كون شو) الأمر فيقول عام 1909م: "إن لم يتمّ تغيير هذه القبائل السوداء في السنوات القليلة القادمة فإنّهم سيصيرون محمّديّينº إذ إنّ هذه المِنطقة مِنطقة استراتيجيّة لأغراض التنصير، إنّها تمتد في منطقة شرق إفريقيا في منتصف الطريق بين القاهرة والكاب"، ثم يقول: "إن كانت الكنيسة في حاجة إلى مكان لإيوائها فهو هنا لصدّ انتشار الإسلام، والقضاء على تعاليم النبيّ الزائف"، ونحن نقول: وهو تماماً ما تمت التوصية به في المؤتمر الإرسالي العالمي بأدنبرة عام 1910م: "إنّ أول ما يتطلب العمل إذا كانت إفريقيا ستكسب لمصلحة المسيح أن نقذف بقوة تنصيريّة قويّة في قلب إفريقيا لمنع تقدّم الإسلام".
التنصير وسيلتهم الخبيثة:
التّنصير حركة سياسيّة استعماريّة بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبيّة بغية نشر النصرانيّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السّيطرة على هذه الشعوب.
ويساعدهم في ذلك انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلاميّ، والنفوذ الغربيّ في كثير من بلدان المسلمين، وضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم، أو ييسرون لهم السّبل رغباً ورهباً أو نفاقاً لهم.
ويعد "ريمون لول" أول نصرانيّ تولّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبيّة في مهمتهاº إذ إنّه قد تعلم اللّغة العربيّة بكل مشقة، وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين.
ومنذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا، وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيريّة البروتستانتيّة إنجليزيّة وألمانيّة وفرنسيّة.
وكان للمنصّر "هنري مارتن "ت 1812م يد طُولى في إرسال المنصّرين إلى بلاد آسيا الغربيّة، وقد ترجم التوراة إلى الهنديّة والفارسيّة والأرمنيّة.
وفي عام 1795م تأسست جمعية لندن التنصيريّة، وتبعتها أخريات في اسكوتلاندة ونيويورك.
وفي سنة 1819م اتفقت جمعيّة الكنيسة البروتستانتيّة مع النصارى في مصر وكوّنت هناك إرسالية عُهد إليها نَشر الإنجيل في إفريقيا.
وفي سنة 1849م أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام، وقد قامت بتقسيم المناطق بينها.
وفي سنة 1855م تأسست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان، وقد انحصرت مهمّتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشّبان كما يزعمون.
وفي سنة 1895م تأسّست جمعيّة اتحاد الطلبة المسيحيّين في العالم، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بثّ روح المحبّة بينهم (المحبة تعني نَشر النصرانيّة).
وجاء "صموئيل زويمر" وكان رئيس إرساليّة التنصير العربيّة في البحرين، ورئيس جمعيات التنصير في الشّرق الأوسط، وكان يتولى إدارة مجلّة العالم الإسلاميّ الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م، وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد، دخل البحرين عام 1890م ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل، وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسّسها "زويمر" كان في حقل التطبيب في مِنطقة الخليج، وتبعاً لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان، ويُعَدّ " زويمر" من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أسس معهداً باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين.
خلف "كنيث كراج " "صموئيل زويمر" على رئاسة مجلة العالم الإسلاميّ، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة فترة من الوقت، وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي، في هارتيفورد بأمريكا وهو معهد للمنّصرين ومن كتبه ( دعوة المئذنة ) صدر عام 1956م.
أما "لويس ماسينيون" فقد قام على رعاية التنصير في مصر، وهو عضو مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، كما أنّه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا.
ويرى بابا الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أنّ من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به وتجنده ضده، والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول، ويقوم البابا بمغادرة مقره بمعدل أربع رحلات دوليّة لكسب الصّراع مع الأيديولوجيّات العالميّة وعلى رأسها الإسلام، وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرّفه للإنفاق منها على إرسال المنصّرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث، وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيريّ في كل أنحاء العالم، وتقويم نتائجه أوّلاً بأوّل.
مّنعُ الوَحدة الإسلاميّة هدفُهم:
يقول "القس سيمون": "إنّ الوَحدة الإسلاميّة تجمع آمال الشعوب الإسلاميّة، وتساعد على التملّص من السيطرة الأوروبيّة، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نَحُول بالتنصير باتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية".
ويقول "لورنس براون": " إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربيّة أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنّهم يظلون حينئذ بلا وزنٍ, ولا تأثير".
ويقول "مستر بلس": إنّ الدّين الإسلاميّ هو العقبة القائمة في طريق تقدم النصرانيّة في إفريقيا"، كما دأب المنصّرون على بث الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم ليمنعوهم من دخول الإسلام، وليشوّهوا جمال هذا الدين.
يقول "هنري جسب" الأمريكي: "المسلمون لا يفهمون الأديان، ولا يقدّرونها قدرها، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإنّ التنصير سيعمل على تمدينهم".
أما "لطفي ليفونيان" وهو أرمني ألّف بضعة كتب للنّيل من الإسلام يقول: "إنّ تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح".
و"أديسون" يقول عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: "محمد لم يستطع فهم النّصرانيّة ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوّهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب".
المنصّر" نلسن" يزعم بأن الإسلام مقلد، وأنّ أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانيّة، وسائر ما فيه أخِذ من الوثنيّة كما هو أو مع شيء من التّبديل".
المبشر" ف.ج هاربر" يقول: "إنّ محمداً كان في الحقيقة عابدَ أصنامº ذلك لأن إدراكه في الواقع كاريكاتور".
المنصّر "جسب" يقول: "إن الإسلام مبنيّ على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء"، ويقول كذلك : "الإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة".
المنصّر "جون تاكلي" يقول: "يجب أن نُريَ هؤلاء الناس أن الصّحيح في القرآن ليس جديداً، وأنّ الجديد فيه ليس صحيحاً.
أما القس "صموئيل زويمر" فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم: يجب إقناع المسلمين بأنّ النصارى ليسوا أعداء لهم.
ويقولون أيضاً: تنصير المسلمين يجب أن يكون بوساطة رسول من أنفسهم، ومن بين صفوفهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها.
تحالف الكنائس العالميّة والصهيونيّة:
الصهيونيّة العالميّة ومعها الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي استبدلوا العدو الغربي القديم بصناعة عدو جديدº ليحققوا من خلاله أهدافهم الاستراتيجيّة قريبة وبعيدة المدى, وأرادوا أن يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد على النحو التالي:
* يقومون بتصعيد حربهم التاريخيّة ضد الإسلام والمُسلمين بأيدي آخرين, على أن يتمّ تفضيل توريط أفراد ومؤسسات وتنظيمات "ذات واجهة إسلاميةّ" حتى تحدث الفتنة بين المُسلمين وبين بعضهم البعض في الداخل, ومن ناحية ثالثة يوجدون بذلك مُبرّرات للغرب لكي يتدخل في الشؤون العربيّة والإسلاميّة, ويعملون على تحريض دعاة العنف على أوطانهم, واحتضانهم وتغذيتهم بالأموال والسلاح, والدفع بهم إلى داخل بلادهم لارتكاب جرائم غير إنسانيّة باسم الدين مرة, وأخرى تحت وهم العمل السياسي المُعارض.
* الاستمرار في شَغل العرب في صراعات مع الغير, حتى يمنحوا الفرصةَ لإسرائيل لتحقيق مآربها في المِنطقة العربيّة, وتنفرد بسياسة يهوديّة تفرضها داخل الأراضي الفلسطينيّة على الوجه الأخص.
* السعي لهز أمن واستقرار المِنطقة العربيّة من حولها, ليقولوا للعالم الغربي: إنّ إسرائيل مُهدّدة من جيرانها العرب, وإنّ عدم استقرار الأمن في المنطقة العربية ينعكس عليها, وبذلك يقومون بتعطيل ووأد مُبادرات السلام, أو عودة الحقوق الفلسطينيّة المشروعة.
* البحث عن جبهات جديدة بعد أن تم تحييد دور كل من مصر والأردن وبعض الدول الخليجية "نسبياً" في الصّراع العربيّ الإسرائيليّ, وبذلك ترتاح إسرائيل من وجود وَحدة موقف عربيّ يؤثر على مخططاتها, ويحرجها أمام الرأي العالميّ, وفي ذات الوقت يحرم العرب من استمالة المواقف الأوروبيّة التي هي أفضل نسبيّاً مقارنة بموقف الولايات المتحدة الأمريكيّة تجاه القضية الفلسطينيّة.
* إفساد العلاقات السياسيّة والتعاون والصداقة بين الدول العربيّة والإسلاميّة والغرب, بتحريك ملفّات تعتمد على النماذج الغربيّة, سياسيّاً واجتماعيّاً, والقيام بتحريض المؤسسات السياسيّة الغربيّة في شكل حثها على فرض مطالب من العرب والمسلمين تصل لحد التدخل في الشؤون الداخلّة لدول المنطقة.
إنّ خبراءهم يقولون: إنّه توجد خُطّة سرّية لتحويل الأراضي المُقدسة الإسلاميّة في كل أنحاء العالم إلى مناطق" مُغلقة معزولة", يتمّ فيها ممارسة الشعائر الدينيّة, على أن تديرها مؤسّّسات دينيّة لا تكون لها علاقات بالسياسات الدوليّة, باستثناء ما يرتبط بأمور الدين البحتة والقضايا التي تؤثر عليه, وذلك اقتداء بنموذج "الفاتيكان" في إيطاليا, كما أنّ النصائح السياسيّة والتقارير التي تخرج من عباءة المنظمات اليهوديّة وعلى رأسها" الإيباك" في أمريكا تطلب من الإدارات السياسية الأوروبيّة والأمريكيّة إقامة أنظمة سياسيّة جديدة أكثر مرونة "في مِنطقة الخليج العربيّ" للتعاون بإيجابيّة أكثر تطوّراً مع أمريكا والغرب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد