حكومة جديدة، ورئيس جديد، ودعم تنموي من جامعة الدول العربية والأمم المتحدةº يبدو أنه لا يكفي إذا كان شخص الرئيس تدور حوله الشبهات والاتهامات بالعمالة لأثيوبيا وواشنطن، وهما الدولتان التي اكتوى الشعب الصومالي بنارهما في إقليم الاوجادين الذي تحتله أثيوبيا والأمريكان الذين اندحروا في الصومال عام1991م، ومن ثم ليس غريباً أن تأتي تصريحات الشيخ حسان داهر عويس وهو عقيد سابق في الجيش الصومالي، وزعيم قبلي، وعضو بارز في المحاكم الإسلامية التي تتبعها ميليشيا مسلحة، والتي تتهمها الولايات المتحدة بوجود صلات لها بتنظيم القاعدة، حيث أكد الجمعة الماضية "أن دخول قوات السلام إلى الصومال مخالف لتعاليم الإسلام، وأضاف أن الواجب الديني يحتم على كل الصوماليين قتال أي قوات سلام".
وكانت الحكومة الصومالية الجديدة طلبت من الاتحاد الأفريقي إرسال قوات حفظ سلام لضمان الأمن، وقد وافق الاتحاد الأفريقي على دخول نحو 6800 جندي لحفظ السلام من السودان وأوغنداº بعدما رفضت الفصائل الصومالية دخول قوات أفريقية من الدول المجاورة خاصة أثيوبيا، وجيبوتي، وكينيا.
وتسعى حكومة يوسف التي تم تشكيلها في كينيا أثناء محادثات سلام عام 2004 م إلى إنهاء القتال بين القبائل والميليشيات التي تدير الصومال منذ 1991م، وذلك من خلال جمع أسلحة الفصائل، الأمر الذي ترفضه قيادات القبائل في ظل عدم الاستقرار، وتوجهات يوسف الذي ينتمي إلى منطقة أرض بونت الشمالية، وليس له هدف غير إخضاع مقديشيو العاصمة وقبائلها التي حررت البلاد عام 1991م من الاحتلال الأمريكي.
وينبع الرفض الشعبي الصومالي للقوات الدولية - التي ستدخل الصومال لجمع أسلحة الفصائل، وتأمين الحكومة الجديدة - من نظرة الشعب الصومالي الذي يرى في حكومة يوسف الانتقالية التي شكلت في المنفى غير شرعيةº لأنها مفروضة من قبل دول معادية للصومال، والانتخابات البرلمانية التي أفرزت هذه النتائج كانت انتخابات صورية لا ترتكز على شيء، حيث يرى قادة "الحركة من أجل المجتمع" التي تضم عشرات من منظمات المجتمع المدني، ورابطة علماء الصومال، واتحاد المحاكم الإسلاميةº أن منظمة الإيجاد خاضعة لنفوذ إثيوبيا، وأن أعضاءها دعوا من يريدون إلى مؤتمر أعدت أجندته ونتائجه سلفاً، وفرضوا من يريدون من رئيس وبرلمان وحكومةº ولذلك فإن هذه الحكومة غير شرعية لم ينتخبها الشعب، ولم تأت بإرادة صومالية خالصة، وإنما فرضت عليهم فرضاً، وكل القرارات التي اتخذتها الحكومة حتى الآن هي قرارات غير صومالية أيضاً، كما يعارض عدد من الوزراء الذين يشاركون في حكومة يوسف نشر قوات أجنبية، ووقع اشتباك بين نواب البرلمان الصومالي الأسبوع الماضي أثناء مناقشة مسألة نشر القوات بما ينذر بتفجر الصراعات مستقبلاً، ويهدد باحتمالات التدخلات الدولية السافرة في البلاد، إذ من المؤكد أن واشنطن لن تسمح بسيطرة الشعب الصومالي على قراره في اتجاه يخالف سياساتها في منطقة القرن الأفريقي بعد تمركز أسطولها في القواعد الجيبوتية واليمنية، بما يستدعي ضرورة التدخل العربي المخلص من خلال الجامعة العربية، أو منظمة المؤتمر الإسلامي لإعادة ترتيب البيت الصومالي من جديد بصيغة تسمح بمشاركة كافة الفصائل والقبائل في السلطة دون انفراد يوسف المدعوم من واشنطن وأثيوبيا اللتان تحظيان بكراهية الشعب الصومالي.
معاناة إنسانية:
وعلى صعيد آخر يعيش الشعب الصومالي مأساة إنسانية بكل المقاييس بين مطرقة التنصير، وسندان الفقر، وعدم الاستقرار السياسي بالرغم من بدء فعاليات الحكومة الجديدة التي تنذر الأيام القادمة بمشكلات عديدة تصاحب عودتها، وبين تلك الأوضاع المأساوية التي يتحملها الشعب الصومالي، أذاعت وكالات الأنباء العالمية مؤخراً أن فيضانات تسوماني التي ضربت السواحل الآسيوية قد نقلت كميات كبيرة من النفايات النووية والكيميائية المدفونة في السواحل الصومالية (رصاص - زرنيخ - يورانيوم...) والتي تم دفنها بواسطة الشركات الإيطالية والأمريكية والسويسرية منذ نحو عام 1991م بعدما سقطت الحكومة المركزية في الصومال بعد التدخل الأمريكي في شؤون الصومال الداخلية.
نفايات نووية:
وتكشف تلك المأساة التي يواجهها الصوماليون بعد إصابة العديد منهم بنزيف في المخ، وبعض الأمراض الجلدية المعدية وغير المعروفة من قبل، وموت العشرات من الصوماليينº تكشف عن مخاطر التفتت والتشرذم التي تهدد الصومال، والعديد من الدول الأفريقية التي دخل سيناريو تقسيمها مرحلة التنفيذ مثل السودان، وذلك عبر التقسيم المتعمد للدول بحيث تتناثر النزاعات الحدودية الدموية في أنحاء القارة، وتشتعل الثورات والاضطرابات الداخلية في كل دولة، وتحرك القوى الغربية مسارات الصراع، وتتوالى النداءات المستغيثة بقواتها لحفظ السلام، وتتبدد قوى الشعوب الأفريقية في دوائر مفرغة للصراع، وذلك ما ظهر، أما ما خفي فهو أعظم وأخطر بكثير.
التنصير:
وهو حرب التنصير ضد الشعب الصومالي الذي يبلغ نسبة المسلمين 100%، والتي استعرت بعد زوال الحكومة عام 1991م، حيث ساءت الأوضاع، وسال لعاب المنصرين من جديد نتيجة حالة الفوضى السائدة، ومارس شياطين التنصير حرباً قذرة لم تحتج إلى مزيد جهد باستعداء أمريكا على العمل الخيري الإسلامي الذي كان ملاذاً للمسلمين الصوماليين.
وبمنع المنظمات الخيرية الإسلامية من ممارسة نشاطاتها في الصومال، وإغلاق مؤسسة البركة المصدر الوحيد لدعم الصوماليينº ازدادت حدة الحملات التنصيرية في إعلانها عن هدفها، ونشرها للأناجيل، ومجاهرتها بالصلبان، حيث فرضت المنظمات التنصيرية على الفتيات الدارسات في قرية دار السلام الواقعة جنوب غربي مقديشيو نزع النقاب مقابل دعم المدرسة مالياً، كما اخترعت المنظمات الكنسية مثل: منظمة بارنبس فاند البريطانية أقلية مسيحية صومالية، وبالطبع فإنها تعاني من الاضطهاد والتضييق، وسارت لجنة الحريات الدينية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن الصومال على هذا النهج، مدعية وجود أقلية مسيحية في الصومال تتعرض للإساءات الدينية، بالإضافة لاعتبار اللجنة تجريم التبشير في الدستور ومحاربته من قبل الصوماليين اضطهاداً دينياً، وقد استغلت المنظمات التنصيرية [ حرب الأوجادين] في تثبيت أقدامهم، وممارسة نشاطاتهم في الصومال، فبدؤوا بإقامة الكنائس، ومن الغريب أن العاصمة 'مقديشيو' يوجد بها أربع كنائس كبيرة على الرغم أنه في وقت إقامتها لم يكن ثمة نصراني واحد في البلاد!.
وأقيمت المراكز الثقافية التنصيرية في العاصمة والمدن والقرى الكبيرة، واستطاع المنصرون في وقت سابق أن يبسطوا نفوذهم على مراكز حساسة في الدولة، كما خصصت إذاعات للصومال تبث من مناطق مختلفة، وبخاصة أسبانيا.
ومن أبرز المنظمات التنصيرية منظمة "مجتمع التوراة" والعاملة منذ 1968م، حيث طبعت أكثر من أربعين ألف نسخة من [العهد الجديد]، ووزع منها قرابة ثلاثة آلاف نسخة في حينها على الصوماليين في الداخل والخارج، ومنظمة "آباء كونسولاتا" والتي تمارس عملها التنصيري في ثوب إغاثي عبر إدارة وحدات طبية، ودور أيتام ومدارس، ومنظمة "أخوات كونسولاتا" التي تقدم برنامجاً للإغاثة الكاثوليكية منذ 2002 م بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، يتضمن برامج غذائية للأطفال، ويهدف هذا المشروع للوصول إلى تنصير 300 طفل سنوياً، ويوزعون على الأهالي الأرز والذرة، والسكر والحليب، أما منظمة كاثوليك ريليف فقد آلت على نفسها مساعدة المنظمات التنصيرية المختلفة في الصومال منذ عام 2002م، ومنظمة المينونايتيون التي يتركز نشاطهم في الصومال منذ خمسين عاماً من خلال برنامج 'طريق يسوع بين الصوماليين' عبر الوسائل الإغاثية مثل: توزيع البذور والأغذية على شيوخ القبائل، دفع تكاليف المراقبة الصحية غير الحكومية لوباء الكوليرا الذي تفشى في منطقة 'جوبا'، ودعم المدارس المحلية، وإمدادها بالكتب الدراسية والمناضد والكراسي والأدوات التعليمية، وأحياناً بدفع الرواتب للمعلمين.
بالإضافة إلى البرنامج العائلي العالمي الذي يهتم بالنساء والأطفال، ومنظمة التطوير الإغاثية الكنسية [CRDE] التي تهدف إلى الدعوة الصريحة إلى المسيحية، وتقدم الدعم الإغاثي للصوماليين عبر مشاريع إنمائية زراعية شمال غربي الصومال، ويتم فيها إيواء ما يزيد عن 300 ألف لاجئ.
مطامع أثيوبية:
ويضاف إلى ذلك نشاط الأثيوبيين لإشاعة الزنا والمحرمات والدعارة وبيع الحشيش والخمر والمخدرات لإغراق المجتمع الصومالي المسلم بها، وينطلق الأثيوبيون الأرثوذكس من مركز 'ديردوه' على الحدود الأثيوبية الصومالية بعون من المنظمات الغربية لممارسة نشاطاتهم الذي يبدأ من زرع الشقاق بين الصوماليين، والتشكيك في عقائد الإسلام، وتنتهي بالنشر الصريح للنصرانية من أجل ضمان استمرار السيطرة على إقليم الأوجادين الصومالي المقتطع، وبين تلك التطورات التي تهدد استقرار البلاد يبقى الباب مفتوحاً أمام عودة التدخل الأمريكي في الصومال مجدداً، في غيبة العرب والمسلمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد