يحتار الكثيرون في تفسير هذا الإقبال المتزايد، وغير المسبوق، من جانب الألمان على اعتناق الإسلام، على الرغم من كل ما يُثار حول هذا الدين من اتهامات وأباطيل، فما الذي يفسر إقدام أربعة آلاف ألماني على اعتناق الإسلام في الفترة ما بين يوليو 2004 ويونيو 2005، وهو ما يتجاوز أربعة أضعاف عدد المسلمين الجدد قبل عام من هذه الفترةº إذ يبلغ المعدل الطبيعي لمعتنقي الإسلام في هذا البلد الأوروبي نحو (300) فرد على الأكثر سنوياً.
مجلة (دير شبيجل) الألمانية حاولت تقصي أسباب هذا الإقبال غير المسبوق على اعتناق الإسلام بين الألمان، مستعينة بدراسة أصدرها مجلس الوثائق الإسلامية في ألمانيا، ويؤكد فيها أن أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والحملة الهوجاء التي قادتها الصحافة في الغرب ضد الإسلام، وما أعقبها من رسوم (كاريكاتورية) مسيئة للرسول-صلى الله عليه وسلم - نشرتها صحف دنمركية، ثم آراء بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر غير المنصفة حول الإسلام، لم تستطع وقف انتشار الدين الإسلامي في ألمانيا وأوروبا، بل أصبح هذا الدين أكثر قبولاً من غيره من الأديان في هذا البلد.
ونقلت المجلة عن المتحدث باسم المركز سالم عبد الله الإشارة إلى أن معظم المعتنقين الجدد للإسلام هم من المسيحيين من مختلف الأوساط الاجتماعية، ممن انتهى بهم الأمر إلى الشك في دينهم، أو من النساء الذين يتزوجون من مسلمين، ويقررون بعد ذلك اعتناق الإسلام بكامل حريتهم.
ويلفت عبد الله النظر إلى أن الجالية الإسلامية الموجودة في ألمانيا تُعدّ مصدراً لاجتذاب الكثيرين إلى الإسلام بفضل روح الإخاء التي يتمتعون بها.
وكانت دراسة ميدانية، أصدرها قسم التربية الدينية بجامعة فورتسبورج الألمانية، كشفت عن تراجع قيمة الدين وتضاؤل تأثيره إلى أبعد الحدود في حياة الشباب الأوروبيين المعاصرين. وأظهرت الدراسة وجود تفاوت في المواقف العامة للشباب الأوروبيين من الدين، ونوّهت إلى أن الارتباط بالتعاليم الدينية يبدو قوياً في تركيا المسلمة والدول الكاثوليكية، وضعيفاً في الدول البروتستانتية.
وعرّف 23% من الشباب الألمان و80% من الشباب البولنديين و81% من الشباب الأتراك أنفسهم في الدراسة بأنهم أشخاص متدينون وجاؤوا من أسر متدينة، واعتبر المشرف على الدراسة الدكتور (هانز يورج تسيبريتس) أن هذه الجزئية تدل على تنامي تأثير الإسلام بشكل متزايد على الشباب المسلمين وضعف ارتباط الشباب الأوروبي بالعقيدة النصرانية.
شخصيات مرموقة
وتشير دراسة مجلس الوثائق الإسلامية إلى أن حوالي ألف شخص اعتنقوا الإسلام في ألمانيا خلال عام 2006 المنصرم، كما أدى انتخاب إكسيل أيوب كولر رئيساً لمجلس المسلمين الأعلى في ألمانيا في عام 2005 إلى تسليط الأضواء على أعضاء المراكز الإسلامية من أصل ألماني ممن يشغلون مراكز مرموقة في مجالات العلوم والاقتصاد والسياسة.
وكان وزير الداخلية الألماني (فولفجانج شويبلة) قد أثار موجة احتجاجات واسعة بعدما وصف الإقبال المتزايد داخل البلاد على اعتناق الدين الإسلامي بالخطر. وعبر (شويبلة) في مقابلة مع صحيفة (دي فيلت) عن قلقه من الارتفاع الكبير في عدد المواطنين الألمان الذين دخلوا الإسلام في الفترة الأخيرة، معتبراً أن هؤلاء يمثلون تهديداً محتملاً على الأمن الألماني.
وأضاف "لا أقول إن كل من يعتنق الإسلام هو مشروع لإرهابي جديد، لكن واقعاً ملموساً لا تخطئه العين يظهر أن الإرهاب بات ينمو على تربة المجتمع الألماني، ولم يعد يأتي من خارجه فقط". وأدّى الجدل الدائر داخل ألمانيا حول الإقبال على اعتناق الدين الإسلامي إلى مطالبة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم بزيادة المراقبة الأمنية والمتابعة المجتمعية والإعلامية للمسلمين الجدد.
من جانبها ترى الأخصائية الاجتماعية في شئون الأديان (مونيكا فولراب) أن الجدل الدائر حالياً حول الإسلام في ألمانيا ساهم في إعطاء الإسلام مكانة هامة داخل المجتمع الألماني.
جذور عميقة
يذكر أن عدد المسلمين في ألمانيا يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف مليون مسلم، معظمهم من المهاجرين الأتراك، ويرجع أول تواجد للسكان المسلمين في ألمانيا إلى عام 1739 في عهد الملك (فريدريك فيلهالم) الأول ملك بروسيا، وسبق ذلك تأسيس أول مسجد في مدينة بوتسدام عام 1731 وكان مخصصاً للجنود الأتراك. ويبلغ عدد المسلمين من العرب حوالي (250) ألف نسمة، يقيم معظمهم في الولايات الغربيةº حيث توفر فرص العمل. واعتنق الإسلام من الألمان حتى الآن حوالي (100) ألف شخص.
ويُقدّر عدد المسلمين الألمان الذين لهم حق المشاركة في الانتخابات بنحو مليون مواطن، يشكلون أقل من 2% من إجمالي الناخبين في ألمانيا.
ويصل عدد المساجد وأماكن الصلاة في ألمانيا إلى (2200) مسجد ومصلى، تابعة في معظمها إلى مؤسسات دينية تركية نتيجة للعدد المتنامي للمسلمين الأتراك الذين يمثلون غالبية الجاليات الإسلامية في أوروبا، فيما يصل عدد المساجد ذات المآذن والقباب (الشكل التقليدي للمسجد) في ألمانيا إلى ما يزيد عن (140) مسجداً، ويُشار إلى أن مسجد الفتح المقام في مدينة مانهايم عام 1995 يُعدّ أكبر المساجد في ألمانيا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد