في منتصف التسعينيات افتتح كلاوس كينكل الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية الألماني أكاديمية الملك فهد بمدينة بون بحضور ممثل عن الأسرة الحاكمة في المملكة، في كلمته بهذه المناسبة أعرب كينكل عن أمله بأن تصبح الأكاديمية صرحاً ثقافياً يؤكد على متانة العلاقات بين ألمانيا والعالم الإسلامي.
بعد ما يقرب من عشرة أعوام على افتتاح الأكاديمية يجري الحديث عنها فقط في سياق التحقيقات التي يقوم بها مكتب حماية الدستور والبوليس السري الألماني ضد إسلاميين ينشطون بمدينة بون وضواحيها، وتم زج اسم الأكاديمية في أكثر من قضية كان آخرها عقب إلقاء القبض على إسلامي عراقي وآخر فلسطيني كانا يخططان وفقاً لما أشيع لتنفيذ تفجير في العراق، وأن والد زوجة الإسلامي الفلسطيني يعمل في الأكاديمية.
وكان هذا النبأ مدعاة مرة جديدة للمشرف على ملف أكاديمية الملك فهد روتر في ولاية شمال الراين وستفاليا أن يبدأ تحقيقات جديدة لهدف إغلاق الأكاديمية، وحال تدخل السياسة وأهمية العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والسعودية دون الاستجابة لمطلب روتر، لكن الأخير يستغل كل مناسبة لهدف تحقيق هدفه.
الخلاف حول الأكاديمية وحول مسجد النور في مدينة برلينº إضافة للجدل الدائم حول الحجابº من المشكلات التي أثارت أجواء عدم الثقة بين مسلمي ألمانيا والمؤسسات السياسية في ألمانيا، بعد حظر الحجاب في المدارس الفرنسية يفكر الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم في ألمانيا بالقيام بهذه الخطوة في ألمانيا.
ومثل المراقبة التي تخضع لها أكاديمية الملك فهد في بون من قبل البوليس السري الألمانيº فإن مسجد النور في برلين والذي يزوره دبلوماسيون عرب ومسلمون يخضع أيضاً للمراقبة من قبل البوليس السري البرليني، ويواجه إمام المسجد - وهو لبناني رفضت السلطات المحلية طلب حصوله على الجنسية الألمانية - تهمة التعاطف مع إسلامي حاول استخدام مقر المسجد لتجنيد وتدريب شبان للقيام بأعمال عنف ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية وبريطانية - وفقاً لما ذكرته لائحة الاتهامات ضده -.
منذ وقت - وتحديداً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م - يعمل المسلمون في ألمانيا بصورة خاصة لهدف حصر الخسائر، والتصدي قدر الإمكان لحملات التشكيك بالإسلام والمسلمين، وباعتراف أوغوز أوجنجو من مؤسسة "الرؤية القومية" - وهي أكبر تنظيم إسلامي تركي في ألمانيا - فإنه لا يمكن القول أن العلاقات بين المسلمين في ألمانيا والمؤسسات الألمانية عادية، أو أنها على غرار الزمن الذي سبق تاريخ الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
على مدى الأسابيع القليلة الماضية استجاب عدد من المسؤولين عن مؤسسات ومنظمات واتحادات للمسلمين في ألمانيا إلى طلب من صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" للإعراب عن آرائهم حول مستقبل التعايش بين المسلمين والألمان في المجتمع، وقال فولفغانغ غونتر ليرش المحرر المختص في قضايا الإسلام وشؤون الشرق الأوسط أن الهدف هو معرفة آراء المسلمين في ألمانيا بشأن الحياة في هذا البلد، ومدى استعدادهم لاحترام دستور البلاد، الجدير بالذكر أن هناك ما يزيد عن ثلاثة ملايين مسلم غالبيتهم من الأتراك يعيشون في ألمانيا، غالبية المسلمين الذين أتوا للعيش في هذا البلد كعمال ضيوف في الستينيات، وكطلبة في الثمانينيات والتسعينياتº لا يفكر معظمهم بمغادرة ألمانيا والعودة إلى موطنه الأصلي.
وهكذا أصبح المجتمع الألماني على ضوء العدد المتزايد للمسلمين وتراجع عدد المواليد بين الألمان مجبراً على السعي لاحتواء المسلمين وإدماجهم بعد أن تنكر لهم سنوات طويلة، ليس سراً أن تشريع الذبح على الطريقة الإسلامية، وبناء المساجد في المناطق الألمانيةº لم تكن لتتم لولا وقوف القضاء الألماني إلى جانب المسلمين الذين اضطروا لرفع دعاوى أمام المحاكم للحصول على حقوقهم التي ينص عليها القانون الأساسي الألماني الدستور، والذي أورد فيها حرية العبادة.
لكن على الطرف الآخر، ونتيجة تشرذم منظمات ومؤسسات واتحادات المسلمين نشأت مع الوقت ثغرة وهي عدم وجود مجلس للمسلمين يتحدث باسمهم جميعاً.
ويعتقد أن هناك منافسة قوية بين القائمين على هذه المنظمات وغالبيتهم أتراك، بينما هناك عربي واحد هو الدكتور نديم عطا إلياس رئيس المجلس المركزي لمسلمي ألمانيا، وتشكو الدوائر السياسية الألمانية من عدم إجماع المسلمين في ألمانيا على متحدث يمثل مصالحهم، ويتحدث بلسان واحد.
من الأسئلة الملحة التي فرضت نفسها بعد حملات التشكيك الجماعية ضد المسلمين طلبت الصحيفة المذكورة من القائمين على المؤسسات الإسلامية توضيح آرائهم، وطلبت من نديم عطا إلياس ورمضان كورويوز من الجمعية الإسلامية بمدينة فرانكفورت، وعلي كيزيلكايا من المجلس الإسلامي في ألمانيا، وأوغوز أوجنجو ميليت جوروش ومحمد يلديريم وباكير ألبوجا من الاتحاد الإسلامي التركيº أن يعلقوا على هذا الموضوع - رغم أن هذه المنظمات لا تعبر عن آراء غالبية المسلمين المقيمين في ألمانيا لأنهم ليسوا منتظمين في هذه المنظمات -، وقد أجمع أولئك الأشخاص الذين استجوبتهم الصحيفة على أهمية بذل جهود لهدف تحقيق إدماج المسلمين في المجتمع الألماني، فإنه ليس بينهم من يجد أن الدستور الألماني يتعارض مع حياة المسلمين.
وأثار شعار الإسلام الأوروبي حفيظة البعض لعدم توضيح الهدف المقصود من الإسلام الأوروبي، فالإسلام واحد إن كان في مصر، أو في السعودية، أو في الصين، أو في ماليزيا، غير أنه تم الترحيب بالإجماع على إنشاء أقسام للدراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية يكون الهدف منها العمل من أجل التعرف على الإسلام وتعاليمه، وتعريف المجتمعات الغربية بها، ونبذ الأحكام المسبقة التي تضر بسمعته، لكن القائمين على المؤسسات الإسلامية الذين نشرت آراؤهم رفضوا بشكل قاطع أن يحدد غير المسلمين هوية جديدة للإسلام.
الجدير بالذكر أن المراجع السياسية الألمانية تسعى منذ وقت إلى تعديل نشاطات المساجد التي تتهم بالغالب بأنها المكان الطبيعي لتجمعات الإسلاميين، منذ وقت يندس عملاء البوليس السري الألماني بين المصلين في مختلف المساجد، وتكون خطبة الجمعة تحت المجهر، وعوقب أحد أئمة المسجد التابع لأكاديمية الملك فهد بمدينة بون بخسارة وظيفة العمل كمدرس حين ذكر كلمة الجهاد - وهي الكلمة التي يعتبرها البوليس السري الألماني دعوة مفتوحة للقيام بأعمال عنف! -، وتجري مساع حثيثة من أجل أن يتعلم أئمة المساجد اللغة الألمانية ليصبح بالإمكان إلقاء خطبة الجمعة باللغة الألمانية، لكي يصبح مضمونها واضحاً حيث هناك كلمات مثل الجهاد تشير لأكثر من معنى.
وإذا كانت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" قد نجحت في وضع منبر للحوار الإسلامي الألمانيº إلا أن هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى حل، لكن لا شك أن المسلمين في ألمانيا يتمتعون بحقوق لا يملكونها في بلدانهم الأصلية، وقد أصبحت المجتمعات الغربية تنظر بشك بصورة أكبر تجاه المسلمين، هذا الشك الذي أدى بأن يستوقف البوليس السري الألماني رجلاً يرتدي عباءة وله لحية، أو سيدة محجبة في وسط الشارع طلباً للتعرف على الأوراق الثبوتية!، مثل هذا التصرف يثير الغيظ والحزن في نفوس المسلمين بغض النظر عما إذا كانوا ينتمون لأحد التنظيمات الإسلامية أم لا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد