هل يمثل اغتيال عماد مغنية، أو الحاج رضوان، أو علي نوري زادة - أيّاً كان اسمه - نقطة فاصلة في الصراع الدائر الآن على المنطقة العربية؟ وما مستقبل الصراع بين المحور الإيراني السوري والمحور الأمريكي الإسرائيلي بعد حادثة الاغتيال؟
سؤال يتردد بقوة على صعيد المراقبين، وداخل دوائر صنع القرار في المنطقة وفي العالم كله.
فشخصية القتيل على الرغم من غموضها إلا أنها كانت شهيرة بدمويتها، وقدرتها على التخفي، فضلاً عما تمثله من وظيفة شديدة الخطورة في المنطقة من كونه حلقة الوصل بين الإيرانيين وأتباعهم في المنطقة برمتها، أو بالأحرى فقد كان أحد المسئولين بدرجة ما عن تدريب الأجنحة العسكرية لإيران في الدول العربية القريبة، وبصرف النظر عن كون الرسالة أمريكية أو إسرائيلية أم بتعاون مشتركº فالذي قتله أراد إرسال رسالة قوية إلى المحور الإيراني - وإيران في لبه - مفادها أنكم في حالة ضعف، وموقف متراجع، ويسهل اختراقكم واغتيال زعمائكم، والأهم أنكم لستم في موقف المبادأة بل رد الفعل.
قبل الاغتيال:
تسود المنطقة أجواء مفعمة بالتوتر الشديد المهيأ للانفجار في أي لحظة، فالمحور السوري الإيراني يزداد ارتباطاً وتوثقاً، فسوريا غير معنية ولا تبدي اهتماماً بالمحور العربي، وتعتبره محوراً ضعيفاً بلا أجنحة، وينفذ أجندات أمريكية إٍ,سرائيلية، كما أنها لا تقبل مساومات قبل دفع الثمن مقدماً وهذا أمر معروف عن النظام السوري، فهو نظام يجيد اللعب بالأوراق السياسية، ولا يفرط بسهولة في أوراقه قبل أن يحصل على المقابل، فهو لن يمرر موضوع انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان قبل إلغاء المحكمة الدولية لقتلة الحريري، والنظام مستعد لحرق لبنان كله وتدميره على من فيه طالما هو لا يتحكم في كل الخيوط كما كان قبل اغتيال الحريري، ومن أجل ذلك باع النظام نفسه لإيران، وسلم أوراقاً كثيرة له، وليس مستعداً للتخلي عن ذلك، فالارتباط السوري الإيراني كما كتبنا في مقال سابق لا يرتبط بمصالح سياسية اقتصادية إنما يرتبط برباط عقيدي يجمعهما المذهب الشيعي والنصيري، ولكن النظام يلعب على ورقة أنه ليس له بديل مقبول لدى الأمريكان وإسرائيل والغرب، والجميع يذكر في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق عندما زادت الضغوط الأمريكية على النظام السوري، حتى أن كثير من المراقبين اعتقدوا أن أمريكا على وشك غزو سوريا، وتكرار النموذج العراقيº حدثت اتصالات في ذلك الوقت بين إسرائيل بزعامة شارون على الولايات المتحدة طلبت فيها تخفيف الضغوط على النظام السوري، فإنه ليس له بديل.
ولكن النظام السوري في عهد بشار يختلف في كثير من أموره عن النظام في العهد السابق عهد الأب، ففي عهد حافظ الأسد كان يدرك التعقيدات الدولية جيداً، والتوازن الإقليمي، ومتى يلعب بأوراقه ومتى يخفيها وهكذا، أما الابن فهو ضعيف الخبرة، وليس بحنكة أبيه، ولكنه يشبهه في أمر واحد وهو البطش والدموية، ونفذ النظام السوري طوال الثلاث السنوات الماضية اغتيال الحريري أعمال القتل لسياسيين لبنانيين معارضين وعسكريين ورجال مخابرات يظن أنهم معادون لسياساته، وليحاول فرملة عجلة المحكمة الدولية وإعاقتها.
أما النظام الإيراني فقد مارس لعبته مع الأمريكان بنجاح منقطع النظير، فقد ساهم في سقوط أقوى نظامين في مواجهته النظام الأفغاني في كابول ونظام صدام حسين في بغداد، وأصبح جنوب العراق شبه محتل بالنفوذ الإيراني، وبعد الإفاقة الأمريكية على واقع التمدد الإيراني في المنطقةº بدأت في مراجعة سياستها تجاه إيران، وتطور الصراع فيما بينهما ليمتد إلى البرنامج النووي الإيراني، وبين التجاذب الإيراني ورديفه السوري والشد الأمريكي ورديفه الإسرائيلي يدور الصراع، وحقيقته بالنسبة للولايات المتحدة يتعلق بضبط القوى الإقليمية بحيث تدور في المنظومة الأمريكية، ولا تتمرد عليها، أو يكون لها أجندة مختلفة، بينما تنظر إسرائيل إلى هذا الصراع باعتبارها القوة الأولى الإقليمية وليس سواها، فهي تعمل على إضعاف أي قوة تبز، ولا مانع من التحالف السري مع إيران إذا كان إضعافاً للعرب واحتواء لهم كما حدث في زمن الحرب العراقية الإيرانية، حيث أمدت إسرائيل إيران سراً بالأسلحة وقطع الغيار بينما إيران تنظر إليه بحسبها أنه قضية حياة أو موت تكون أو لا تكون، فإذا خرجت منتصرة منه أو بصفقة مع الولايات المتحدة فإنها عندئذ قد قطعت شوطاً كبيراً في سبيل إحياء إمبراطوريتها الفارسية العالمية، أو على الأقل الصفوية الإقليمية، ومن أجل ذلك زرعت حزب الله في لبنان ليكون أداة لها تكسب به أوراقاً على طاولة اللعب مع إسرائيل وأمريكا، وفي حرب تموز 2006م أثبتت إيران أن لديها ذراعاً استطاع أن يقف في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، وفي نفس الوقت دشن بذلك دولته داخل الدولة اللبنانية محاولاً إقصاء الأطراف الأخرى.
ولكن إيران تركت الملعب اللبناني إلى حد ما لسوريا التي تخشى المحكمة الدولية، وجر المسئولين فيها إلى الخارج لمحاكمتهم، فحزب الله كان أداة إيرانية بتوجيهات سورية حتى ضربة اغتيال مغنية.
الموقف بعد الاغتيال:
جاءت عملية الاغتيال لتلقي بظلالها على جوهر العلاقات الإيرانية السورية، ويبدو أن القيادات الإيرانية قد فقدت الثقة في النظام السوري، وقدرته على ضبط حالات الاختراق الأمني في داخله، فالتصريحات الإيرانية، وكذلك حزب اللهº تنصب على المشاركة في التحقيق الخاص بمقتل مغنية، بينما تنفي سوريا ذلك حرصاً على سمعتها، وإدعاء السيادة، ولكن الكل يعرف أن النظام السوري قد سلم كثيراً من مفاصله لحكام إيران، وارتهن قراره السياسي عندهم، وكرس الاغتيال، وأجهز على البقية الباقية من أي استقلالية أو قدرة على الحركة منفرداً، وبذلك فإن اغتيال مغنية جعل الأمور تؤول داخل حلبة الصراع إلى إيران لتتصرف فيها بشكل كامل.
ولكن ما هي الخيارات أمام إيران؟ هل ستسكت على اغتيال مغنية بالرغم من أن الضربة موجهة إليها في الأساس؟ أم سترد على ذلك لتثبت قدرتها على الصمود والمواجهة، وبذلك لا تفقد الورقة اللبنانية في صراعها مع المحور الأمريكي الإسرائيلي، وتكون نصيبها في الكعكة العربية كبيراً؟
نحن نعتقد أن إيران سترد على عملية الاغتيال لكي تستعيد زمام المبادرة الذي فقد منها، وقد يجر ذلك إلى حرب مفتوحة، وبالطبع فالخاصرة اللبنانية هي الأضعف، والمواجهة لإسرائيل، والأمر يقتضي تهدئة الساحة اللبنانية، ومحاولة إبعاد تحالف الرابع عشر من آذار عن سدة الحكم - وخاصة حكومة السنيورة - والتي تقود البلاد الآن، وهذا يعني عودة خيار انتخاب رئيس جديد للبنان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد