هل ترحل القوات الأمريكية عن أفغانستان؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

على الرغم من إنجاز كافة التوصيات التي تمخضت عن مؤتمر "بون" الذي انعقد في ألمانيا تحت إشراف الأمم المتحدة لتقرير مصير أفغانستان، وفي مقدمتها وضع دستور للبلاد، وانتخاب رئيس للدولة، ومجلس تشريعي، إضافة إلى تهيئة كافة عناصر البنية التحتية الأخرى السياسية والاجتماعية والاقتصاديةº فإن الأوضاع القائمة حالياً ما زالت تذكرنا بحالة الفوضى التي كانت تعيشها أفغانستان في أوائل التسعينيات بعد انسحاب القوّات السوفيتية.

قادة المجاهدين الذين شاركوا بنجاح في الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي تمكنوا أيضاً من الفوز بنصيب الأسد من مقاعد مجلس النواب خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر الماضي، وهو ما كشف أنهم ما زالوا يتمتعون بثقة الجماهير رغم محاولات تشويه صورتهم، والتقليل من شعبيتهم، وفي مقدمة هؤلاء القادة "برهان الدين رباني" رئيس الدولة السابق الذي تصدر قائمة المرشحين الفائزين عن مسقط رأسه في ولاية "بدخشان"، و"عبدرب الرسول سياف" زعيم حزب الدعوة الإسلامية (الاتحاد الإسلامي سابقاً) عن ولاية كابول.

الحزب الإسلامي هو أحد عناصر المقاومة الأفغانية، والذي أصبح الآن معترفاً به بعد أن تم طرد زعيمه "قلب الدين حكمتيار"، وقد تمكن الحزب في الانتخابات الأخيرة من الحصول على 40 مقعداً من مقاعد مجلس النواب البالغة 249 مقعداً ليصبح الكتلة البرلمانية الأكبر، وقد ظل الحزب لبعض الوقت على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية، ثم تم السماح له بفتح مقار جديدة في كابول منذ منتصف العام 2004 قبيل الانتخابات الرئاسية، وأصبح أعضاء الحزب يعيشون مترفين، ويتجولون في شوارع العاصمة بسياراتهم الفارهةº بفضل التمويل الأمريكي.

التغيير الذي أصاب الحزب الإسلامي جاء نتيجة قرار مشترك من جانب كل من المخابرات العامة الباكستانية، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكيةº بضرورة العمل على استقطاب هذا الحزب في العملية السياسية.

العضو المنتخب حديثاً في مجلس النواب ورئيس الحزب الإسلامي "خالد فاروقي" اعتبر وجود الحزب في البرلمان بهذا العدد الكبير نسبياً من المقاعد في مثل هذه الظروف الصعبة بمثابة نصر كبير، وقال: إن الحزب كان يعيش في حالة فوضى تامة بسبب غياب التمويل اللازم، وافتقاره للتنظيم الجيد، وأعرب عن أمله في أن يتمكن الحزب من إعادة تنظيم كوادره، وأن يقوم أعضاؤه في البرلمان بدور أكثر نشاطاً وفاعلية.

العديد من الأعضاء السابقين في جماعة طالبان تمكنوا من الفوز، ودخلوا البرلمان، ولكن لم يجمعهم تنظيم مؤسسي مثل الحزب الإسلامي الأفغاني، ومن ناحية ثانية فإن حكمتيار لم يدع إلى مقاطعة الانتخابات كما فعل الملا عمر زعيم جماعة طالبان الذي أصر على مقاطعة هذه الانتخابات، ولهذا فإن عناصر طالبان السابقة التي دخلت البرلمان ليس بمقدورها لعب دور سياسي مؤثر داخل البرلمان بسبب الخلافات العديدة القائمة بينها، وعدم وجود تنظيم مؤسسي لهم.

التمثيل البرلماني لمقاطعات شمال أفغانستان التي تضم بعض قبائل الطاجيك والأوزبك، وبعض قبائل البشتون والقوى الشيعيةº يتسم أيضاً بالتشتت، وعدم وجود توافق حول برامج سياسية مشتركة، الأمر الذي ساهم في إضعاف قدرة نواب هذه المقاطعات على القيام بدور برلماني مؤثر، فضلاً عن زيادة حدة الانقسامات الاثنية والطائفية بين قبائل الشمال والجنوب أيضاً، وغياب القيادات القادرة على توحيد صفوف هذه القبائل خلفها.

"حامد كيلاني" ابن الزعيم الروحي للبشتون لم يتمكن من الفوز في انتخابات مجلس النواب، حيث تفوق عليه منافسه "خالد فاروقي" الزعيم الجديد للحزب الإسلامي الأفغاني، الأمر الذي اضطر واشنطن للضغط على الرئيس قرضاي من أجل تعيين كيلاني كعضو في مجلس الشيوخ، حيث تسعى الولايات المتحدة لتوظيف كيلاني وأتباعه كقوة مناهضة للإسلاميين بصفة عامة، ولجماعة طالبان على وجه الخصوص، على الرغم من أن كيلاني نفسه يعتبر نفسه من المجاهدين، ويدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان.

"كيلاني" الذي كان ينتظر طائرة عسكرية لتنقله إلى الولايات المتحدة تلبية لدعوة رسمية من لورا بوشº صرح للصحفيين قائلاً: "أنا لا أوافق على إطلاق مفهوم (أمراء الحرب) على المجاهدين، على الرغم من ارتكابهم بعض الأخطاء، فهؤلاء المجاهدون هم أناس قدموا تضحيات كبيرة من أجل أفغانستان، وأنا فخور بأنني أعتبر نفسي واحداً منهم"، وأضاف: "لا أرى ضرراً في تطبيق القوانين الإسلامية في أفغانستان، وهناك بعض التفسيرات الخاطئة للإسلام تصدر من بعض العلماء على نحو أدى إلى إثارة بعض الشكوك والمخاوف في الغرب إزاء تطبيق الشريعة الإسلامية، وفيما عدا ذلك فإنه لا أحد يعترض على تعاليم الإسلام السمحة والمعتدلة".

القوات الأمريكية باتت عاجزة عن التصدي لهجمات المقاومة التي تمكنت بالفعل من الحصول على أسلحة متطورة روسية وصينية الصنع، على نحو أتاح لها زيادة قدراتها الهجومية في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكية، فضلاً عن نجاحها في كسب تعاطف قطاعات عديدة من الشعب الأفغاني الذي بات يشعر بتذمر بسبب العمليات العسكرية الأمريكية وما ينجم عنها من قتلى ومصابين في صفوف المدنيين، كما أن الغارات الجوية وعمليات التفتيش المكثفة التي تقوم بها قوات الاحتلال الأمريكية في الجنوب والشرق أثارت سخط الأهالي في هذا الإقليم الذي يعتبر من أهم معاقل المجاهدين في أفغانستان.

وشهدت الأشهر الأخيرة تصعيداً في العمليات العسكرية من جانب جماعة طالبان ضد الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية، حيث تمكن المجاهدون من تنفيذ العديد من الهجمات التي كبدت القوات الأمريكية خسائر فادحة، على نحو دفع الرئيس حامد قرضاي إلى دعوة زعيم الحركة الملا محمد عمر إلى المصالحة، والحوار مع حكومته في كابول، وهي الدعوة التي ردت طالبان برفضها، مؤكدة أن الهجمات الفدائية سوف تستمر حتى رحيل القوات الأمريكية عن البلاد.

وفي الوقت الذي تواجه فيه القوات الأمريكية مقاومة شرسة من جماعات المقاومة، وتشعر بعجزها عن التصدي لهجماتهم، والحد من الخسائر التي تتكبدهاº أصبحت تراهن على كيلاني وأقرانه من الزعماء الروحيين، وتعتبرهم فرصتها الوحيدة لجلب الاستقرار إلى أفغانستان، فيما تستعد طالبان لشن المزيد من الهجمات على قوات الاحتلال مع بداية فصل الصيف المقبل، الأمر الذي يعني أن المقاومة الأفغانية لم يعد ممكناً القضاء عليها، وأن القوات الأمريكية خسرت الحرب في أفغانستان كما خسرتها من قبل في العراق، ولم يعد أمامها إلا الاستعداد للرحيل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply