لهذا أعلنت كوريا الشمالية امتلاك السلاح النووي والانسحاب من المفاوضات


بسم الله الرحمن الرحيم

بعد روتين المحادثات السابقة، ونتيجة لعدم خروجها بنتائج إيجابية مهمة، ونظراً لبقاء المشكلة قائمةº غابت القضية عن الواجهة الأساسية، وتم تجاهل كوريا الشمالية، ثمّ ما لبث أن تطوّر الوضع بشكل دراماتيكي لتعود كوريا الشمالية والمسألة النووية إلى واجهة الأحداث من جديد.

ففي 1/2/2005 أعلنت كوريا الشمالية بشكل رسمي وعلني امتلاكها السلاح النووي، وأنها تعلق إلى أجل غير مسمى مشاركتها في المفاوضات حول برنامجها النووي، متهمة واشنطن بالسعي لإسقاط النظام الحاكم في بيونغ يانغ، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في بيونغ يانغ في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية نريد محادثات سداسية، لكننا مضطرون لتعليق مشاركتنا في المحادثات لمدة غير محددة، أضافت الوزارة: 'نحن صنعنا أسلحة نووية للدفاع عن النفس، والتعامل مع سياسة إدارة بوش الهادفة إلى عزل وتقييد [الشمال]'، مضيفة: 'الواقع الحالي يثبت أن القوة فقط هي التي يُمكنها حماية العدالة والحق'.

واتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بأنها تخطط لغزو الجمهورية الشيوعية بهدف استكمال هيمنتها على القارة الآسيوية، وحضت مواطنيها على "الإخلاص والولاء" عقب التوتر الناشئ عن إعلان بيونج يانج امتلاكها قنبلة نووية، وانسحابها من المحادثات السداسية، وكانت صحيفة "رودونج سينمون" الناطقة بلسان حزب العمال الشيوعي الحاكم في كوريا الشمالية قد خصصت صفحتها الأولى لعنوان يحمل الكلمات التالية "الوحدة أمضى سلاح"، وكتبت تقول: "في مثل هذا الوقت، عندما تصبح الأمور متوترةº فإن المهمة الأكثر إلحاحاً هي تقوية وحدتنا، لنكن صوتاً واحداً، وعلى قلب رجل واحد، لنكرس أنفسنا لحماية الزعيم (كيم ايل جونج) والأرض".

من هذا المنطلق يمكننا أن نعزو الأسباب التي دفعت كوريا الشمالية إلى هذا الاتّجاه في التصعيد، وهذا التصرّف للاعتبارات التالية:

أولاً: إدراك كوريا الشمالية أنّ سلسلة المحادثات التي جرت حتى الآن لم يكن الهدف منها الخروج بحلول للأزمة الحاصلة (على الأقل بالنسبة للولايات المتّحدة)، بقدر ما كان تقطيعاً للوقت، وهذا ما أغضب كوريا الشماليّةº خاصّة مع تنامي الشعور لديها أنّها قد تكون الهدف التالي بعد أن تنتهي القوّات الأمريكيّة من العراق.

ثانياً: اللامبالاة التي تبديها الولايات المتّحدة لكوريا الشماليّة ولمطالبها، وإصرارها على مهاجمة النظام الكوري الديمقراطي الشعبي، خاصّة عندما وصف الرئيس بوش كوريا الشماليّة بأنّها "قاعدة للطغيان" في خطابه للاتّحاد في 3/2/2005.

ثالثاً: وهو الأهم، ففي سياق التخوّف الإقليمي والتذمّر من حلفاء الولايات المتّحدة -اليابان وكوريا الجنوبية - تجاه تأثّر سياسة الردع الأمريكيّة في المنطقة بالقدرة النووية لكوريا الشمالية، وتآكل مصداقية استراتيجية الردع الأمريكي لحماية كوريا الجنوبية واليابان نتيجة توسيع كوريا الشمالية لفضائها الاستراتيجي باستخدام صواريخها الباليستية، قامت وزارة الدفاع الأمريكية وفي سياق طمأنة حلفائها (اليابان، وكوريا الشمالية) بتمرير وثيقة سريّة سربتها وزارة الدفاع الكورية الجنوبية في 4/2/2005 تكشف عن خطة عسكرية أمريكية معدة بعناية للتعاطي الفوري مع تطورات الأحداث في حالة ما إذا اندلعت حرب طاحنة على شبه الجزيرة الكورية بين سوول وبيونج يانج، ووفقاً لما جاء في وثيقة وزارة الدفاع الكورية الجنوبية التي كشف النقاب عنهاº فإن الولايات المتحدة تعتزم نشر حوالي 69 ألف جندي أمريكي إضافة إلى ألفي مقاتلة حربية وسفينة حربية إذا نشبت الحرب مع كوريا الشمالية.

كما أن التعزيزات الطارئة ستتضمن العديد من الوحدات المقاتلة، والوحدات المضادة للطائرات، وقوات جوية، وأنظمة تسليح تهدف إلى ضرب مدفعية العدو وأسلحة الدمار الشامل التي يملكها، وستمثل التعزيزات العسكرية الهائلة سبعين في المئة من إجمالي قوة مشاة البحرية الأمريكية، وخمسين في المئة من حجم قواتها الجوية، وأربعين في المئة من قواتها البحرية.

وتعليقاً على تلك الوثيقة قال مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع الكورية الجنوبية: 'الخطة الأمريكية تعكس بوضوح مدى التزام واشنطن بتوفير الحماية الكاملة لسيول في مواجهة الخطر الكوري الشمالي النووي'.

وفي أول رد فعل لها على تلك الوثيقة التي صدرتº نقلت أجهزة الإعلام الكورية الشمالية عن مصدر عسكري كبير في بيونج يانج قوله: 'انتقامنا سيكون مريعاً من الأمريكيين وأذنابهم لو وقعت هذه الحرب'، وأضاف المصدر الكوري الشمالي: 'إذا أشعل الاستعماريون الأمريكيون أوار الحرب فنحن لن نتردد في ضرب كل قواعد الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، ونحولها إلى بحار من النيران الملتهبة'، وطبقاً لما نقلته وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية فقد أضاف المصدر العسكري الكوري الشمالي: 'بالطبع سنحرق أيضاً قواعد حلفاء أمريكا الذين يتآمرون معها'، في إشارة إلى كوريا الجنوبية واليابان.

ونعتقد أنّ هذه الأسباب هي التي دفعت كوريا الشمالية إلى إعلانها امتلاك السلاح النووي، وانسحابها من المفاوضات السداسية إلى أجل غير مسمى من أجل تعزيز قدراتها الردعية في وجه الخطط الأمريكيّة، دون أن تقطع الأمل بعودتها إلى المفاوضات لاحقاً لكن بشروط.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply