أزمة أخلاق ( 2- 4 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المستغربون على خطا أساتذتـهم:

رأينا فيما مضى أن جحافل المبشرين والمستعمرين كانوا منذ مطلع القرن التاسع عشر يعملون وفق خطة محددة، هدفها إفساد أخلاق المسلمين وإبعادهم عن التمسك بتعاليم دينهم الذي هو عصمة أمرهم، وكان التجاوب مع هذه الخطة محبطاً لآمال وطموحات المبشرين كما أشار إلى ذلك زويمر في خطبته.

 

وبعد احتلال الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لمصر عام 1798، شهدت خطة المستعمرين بعض التقدم الذي تزايد عندما أخذ محمد علي باشا وأبناؤه من بعده يرسلون الطلبة الصغار إلى فرنسا بقصد الدراسة، وكان هؤلاء الطلبة يتسنمون مراكز قيادية بعد عودتـهم إلى بلدهم، كما كانوا يستغلون هذه المراكز التي شغلوها في الدعوة إلى الفكر الغربي العلماني.

 

غير أن الإنجليز عند احتلالهم لمصر عام 1882 استطاعوا أن يحققوا نجاحاً واسعاً عجز عنه الفرنسيون، ولعل السبب يعود إلى أن النفوس كانت مهيأة لذلك، ومن جهة ثانية فإن طريقة الإنجليز في العمل كانت أكثر خبثاً ودهاءً، ولهذا فقد أنشأوا المدارس والجامعات، ووضعوا المناهج الكفيلة بتحقيق أهدافهم، وغني عن البيان أن داهيتهم "دنلوب" كان مستشاراً لوزارة المعارف، والوزير عنده ليس أكثر من منفذ لما يرسمه ويخطط له هذا المستشار، وفضلاً عن هذا وذاك فقد ربى الإنجليز أجيالاً اختاروهم بعناية فائقة ودراية تامة، وأصبح التلامذة بعد رحيل المستعمر رسلاً له، يترسمون خطاه، ولا يرضون بغير نـهجه بديلاً.

 

كانت مسألة تحرير المرأة كما زعموا شغل تلامذة المستعمرين الشاغل، ومن أجل تحقيق هذا الهدف حاولوا اختصار الوقت مستغلين ما كسبوه من شعبية وتأييد جماهيري عريض، ومن الذي يستطيع في تلك الفترة أن يشكك بالزعيم سعد زغلول وأمثاله من أبطال النضال والاستقلال (ž!!)، بل من ذا الذي يستطيع أن يزعم بأن هؤلاء القادة ينفذون مخططات المستعمر الدخيل؟!!، مع أن الخاصة والعامة يعلمون أنـهم من ألد أعدائه.

 

وخلال فترة قياسية لا تتجاوز أربعة عقود نجح التلامذة في تحقيق ما عجز عنه زويمر وأمثاله، وبشكل أخص فيما أسموه تحرير المرأة:

 

- فنظام الدراسة في الجامعات قام على أساس الاختلاط بين الجنسين، ثم شمل هذا النظام المعاهد والمدارس على مختلف مراحلها.. وأصبحت هذه الجامعات مثل معارض الأزياء، لأن القوانين المرعية لا تشترط لباساً معيناً، وهذا يعني أن من حق النساء أن يلبسن ما يحلو لهن ولو كان فيه مخالفة لقواعد الدين والأخلاق، وليس من حق أحد أن يمنع البنت من الجلوس مع الشاب الذي تختاره على مقعد واحد، ولهما حق الخروج والدخول إلى الجامعة سوية، وما يصاحب هذا الدخول والخروج من خلوات محرمة، ولا تسل عن الحلال والحرمة في ذلك لأن أبطال الاستقلال حرروا المرأة من الظلم والظلام والاستبداد، وأصبحت مثل الرجل، ولم تعد مجرد متاع يتصرف بـها ولي أمرها كما يشاء.

 

- والمرأة صارت شريكة للرجل تعمل وإياه في جميع مؤسسات الدولة، وفي الشركات العامة والخاصة وكثيراً ما يحدث أن يكون مكتب الرجل والمرأة في غرفة واحدة، يمكثان فيها ثمان ساعات في اليوم، والباب لابد وأن يكون مغلقاً معظم الوقت.

 

إن هذا الوضع الذي لا يشك مسلم يعرف الحد الأدنى من العلوم الشرعية بحرمته أصبح هو الوضع الطبيعي المألوف، ومن لا يعجبه ذلك فعليه الاستقالة من عمله، ومن الصعوبة بمكان أن يجد وظيفة بديلة ليس فيها مثل هذه المنكرات.

 

وإذا كان هذا حال أصحاب الوظائف العادية المتواضعة، فأصحاب الوظائف الكبيرة: كالوزير، ووكيله، والمدير العام، وغيرهم لابد أن يكون لكل منهم مسؤولة عن إدارة شؤون مكتبه "سكرتيرة"، وهم الذين يختارونـها، وقد جرت العادة أن يكون الجمال هو الشرط الأول في هذا الاختيار، ويكاد الباحث لا يجد امرأة قبيحة الشكل تشغل وظيفة "سكرتيرة".

المقال التالي حقوق الإنسان المقال السابق أزمة أخلاق (1- 4 )

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply