بين الأصولي والمأجور … !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

جرت العادة أن تطالعنا وسائل الإعلام الغربية بكلمة Fundamentalism (الأصولية) حينما تريد أن تصف الحركة الإسلامية أو أفراد المسلمين الذين يدينون بالولاء والتبعية لمنهج الإسلام وحده، ولا يقبلون بالهيمنة الأمريكية، ووصاية (الرجل الأبيض) المباشرة وغير المباشرة.

وعلى عادته، حينما يخترع الإعلام الغربي مصطلحاً معيناً، ويريد أن يقرّه في الأذهان، فإنه يصنع له صورة ذهنية، وهكذا كان، فقد صار الـ Fundamentalist (الأصولي) شاباً ملتحياً، وفتاة متحجبة، وعندما يبرز الإعلام الغربي هذه الصورة وكثيراً ما يفعل ذلك في معرض حديثه عن الصحوة الإسلامية (وخطرها..!) على النظام العالمي الذي يديره (الرجل الأبيض)، الذي حوّل العالم إلى واحة من السلام من خلال (قنابله الذكية) كما حدث في هيروشيما وفيتنام وبغداد!!. عندما يعرض الإعلام الغربي هذه الصورة لهؤلاء الشباب والفتيات، فإنه غالباً ما يختمها بتعليق ترجمته: (... ويؤمن هؤلاء الشباب الأصوليون بأن الإسلام هو الحل، وأن تعاليمه التي تعود لأكثر من ألف وأربعمائة سنة يمكن أن يقوم على أساسها دولة في القرن العشرين).

 

هذه هي (الصورة الذهنية) التي صنعها الإعلام الغربي للمد الإسلامي: شباب ملتح هائج دينياً، وفتيات متحجبات، يرفضون أن يكون التحديث والتنمية مساوٍ, للتغريب والعلمنة، يقفون خلف كل المسيرات والتظاهرات و.. (خطر قادم) يهدد كل (الأنظمة الوادعة) و(الصديقة).

 

لكن ماذا يقول قاموس أكسفورد الانجليزي عن Fundamental؟ يقول: إن الكلمة تعني الأساسي، المبدئي. وحينما تطلق الكلمة على شخص ما فإنها تعني أنه شخص ملتزم بأساس الأمر الذي هو بصدده، وبأصله. كذلك كانت ترجمة قاموس المورد البعلبكي لهذه الكلمة، وأضاف إليها: جوهري وأصولي، أي يهتم بأصل الشيء وأساسه.

 

من هنا، فإن (الصورة) التي صنعها الإعلام الأمريكي لكلمة Fundamentalism (الأصولية)، لا تمثل معناها اللغوي حقيقة، لكنها في التاريخ الغربي النصراني مرتبطة بجماعات نصرانية تتمسك بحرفية كتبهم الدينية، وترفض منجزات الحضارة الحديثة على أساس من رؤية (دينية مسيحية) متخلفة تنادي بالعودة إلى الحياة الفطرية للإنسان البدائي الأول، وذلك كردّ فعل ضد الحياة المادية للإنسان الغربي، وأجواء التفسخ التي نشرت القلق، وأحدثت فصاماً في شخصيته.

 

كلمة Fundamentalism ترجمها (الإعلام العربي) إلى كلمة (أصولية)، وصار يطلقها على الحركة الإسلامية وأبنائها، وهي من حيث مضمونها عند من يطلقونها تماثل كلمة (رجعي) التي سادت في الستينات أيام المد اليساري. ولأن اليسار إنحسر إلى درجة تدعو إلى (الشفقة)، وصار الإعلام العربي في معظمة إما أمريكياً، أو يسارياً بتمويل أمريكي (!!) فإن المصطلح تم تغييره لينسجم مع الخط الذي يسير عليه الممول، الذي يبني (نظاماً عالمياً جديداً) لا يكدر صفوه إلا الأصوليون.

 

وكلمة (أصولي) في معناها اللغوي في اللغة العربية ذات معنى سام ورفيع. فالأصولي هو الذي يرتكز على الأصول، وهي هنا المنطلقات الأساسية الأولى للإسلام. ومن معانيها أيضاً أن تقول أصول العقيدة أو أصول الفقه، أي المرتكزات التي تقوم عليها العقيدة أو الفقه.

 

قد يسأل سائل: إذا كان هذا هو معنى أصولي، فلماذا يستخدمها الإعلام العربي كنوع من الغمز واللمز ضد المسلمين الذين يطالبون بالعودة إلى الإسلام (الأصولي) وشريعته ومنهجه، ويرفضون (الإسلام المعلب) الذي صمم في لندن أو باريس أو واشنطن؟ بشكل أوضح: لماذا نرى في جريدة (عربية) ولنسمها مثلا (الشرق الأوسخ)، حملة مشبوهة، مثل مصادر تمويلها، ضد المسلمين الذين يسقطون برصاص الجيوش (الوطنية) جداً (!!!)؟

 

الجواب هو أن تعرف أن الإسلام الأصولي إنتاج محلي فرضته إرادة الجماهير، أما غيره من (أنواع) الإسلام الأخرى (…) فهي مصنعة في الخارج المحلي إذا نافس المستورد، وزاحمه يسقطه، لأن الناس بطبعها ترفض (المستورد)، حتى لو كان يعرض على (واجهات خضراء)، إذا ما توفر لها (المحلي) الجيد. وحيث أن الجريدة (العربية) التي افترضناها (…) وشقيقاتها، ما هي إلا قنوات تسويق لذلك المستورد، فإنها ستسقط بسقوطه. لأن الجماهير جعلت خيارها النهائي المحلي الأصولي وركلت إلى الأبد ذلك المستورد حتى لو كان معروضاً في (واجهات محلية).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply