إلى ابنتي ريحانة ..


 

بسم الله الرحمن الرحيم

"ريحانة" هي ابنتي الصغيرة التي لا تزال تسعد ببراءة طفولتها، ولا تزال تتقلب في نعيم صفاء فطرتها، ولا تزال كل خلجة من سمعها وبصرها وفؤادها تنبض بهذه البراءة والصفاء، وكأن الله - تعالى -  قد جمع كل براءة وصفاء أهل الدنيا في وهج عينيها وبسمة شفتيها وتمتمات لسانها.

لقد زارتني قبل العيد ونظرت إليّ باسمة من خلف الزجاج السميك الشفاف الذي كان يفصل بيننا، ففاضت بسمتها برداً وسلاماً على قلبي وقالبي وروحي وجسدي وباطني وظاهري، ولكن ظلت تلك البسمة ماثلة أمام ناظري لا تغيب عن عينيَّ ما دامتا مفتوحتين، ولا تغيب عن وجداني إذا ما أغلقت عينيّ في ليلي!

 

الطفولة الباسمة

إنها نظرة الطفولة الباسمة في وجه بطش الظالم وقهر السجن وصلافة الغرور! إنها نظرة الطفولة الباسمة التي تنشد بصمت للفجر القادم القريب الذي سيشرق صادقاً لا محالة, والذي سيطرد كل جيوش الظلام وطوابير الخفافيش وأسراب الغربان! إنها نظرة الطفولة الباسمة التي باتت تقف على أعتاب سجن شطة, وجلبوع, والجلمة, والدامون, وأشمورت, وتلموند, والرملة, وعتليت, والشارون, والنقب, ونفحة, وعسقلان, واللجون!

إنها نظرة الطفولة الباسمة التي باتت تقف على أعتاب كل السجون التي ذكرتها والتي فاتني ذكرها هنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وهناك على أعتاب سجن أبو غريب, وبجرام, وجوانتنامو، وهناك على أعتاب كل سجن في خاصرة العالم الإسلامي والعربي والحاضر الإنساني!

إنها نظرة الطفولة الباسمة التي تنبت في أرض من عذاب وحرمان وآلام ودموع! لطفلتي "ريحانة"، ولكل هذه الطفولة اجتهدت أن أكتب هذه القصيدة في يوم 10 ديسمبر 2003 المجتمع والتي جاءت تحت هذا العنوان "غاب كعك العيد" عَلَّني أفلح بوصف خفقات قلب هذه الطفولة في يوم العيد الذي هو من أغلى أيامها.

 

يا لحزني غابَ كعكُ  * * * العيدِ والثوبُ الجديد

عن فتاةٍ, من صغاري * * * عمرُها مِثلُ الورود

اسمها ريحانةٌ قد * * * زيّنَت بيتي السعيد

ولها وجهٌٌ مليحٌ  * * * قَمرٌ زانَ الوجود

ولها عينان ترنو  * * *  لغدٍ, حُرٍّ, مجيد

ما أُحيلى ثغرَها  * * * مع حُمرةٍ, فوقَ الخدود

عندما كانت تنادي  * * * أبشروا اليومَ عيد

وتنادينا صباحاً يا * * *  أبي أين النقود

أينَ حلوى العيدِ يا  * * *أُمي بها فرحي يزيد

انهضا هيا نصافح  * * * جدتي أختَ الشهيد

ونصافح جدّنا  * * * بِراً وإجلالاً رشيد

ثم راح العيدُ وال  * * * أفراحُ ما زالت وُفود

وتوالت بَعدهُ الأع  * * * يادُ تَترى لا تحيد

ثم غارت في دُجى  * * *الليلِ على بيتي الجنود

واستباحوا حرمةَ  * * *الأطفالِ إذ كانوا رُقود

وسَعَوا فينا فس * * * اداً  ودماراً لن يَسود

وأحالوني أسيراً  * * * قابعاً خلفَ السدود

ثم جاء العيدُ يزهو  * * * ضاحكاً حُراً ودود

وأنا حولَ يديَّ  * * * الطُهرِ تشتدُ القيود

فبكت ريحانةٌ ترنو  * * *  إلى الدربِ البعيد

علّها سوفَ تراني  * * * قادماً رغمَ الحقود

وسعت خلفَ الشباب * * * يك تُنادي كالرعود

هل ستبقى يا أبي  * * * في السجنِ مغلول الزنود؟

ثم هبّت نحو باب  * * * البيت عَلّي قد أعود

تفتحُ البابَ ولكن  * * * أيقنت أني شريد

فارتمت مع دمعها  * * *في حضنِ أمٍ, من حَديد

أخفت الأمٌّ بصبرٍ,  * * * حُزنها المُرَّ الشديد

ومضت تمسح عنها  * **  أدمعاً فتَّت كُبود

وحكت يا ابنتي لا  * * * تحزني نحن الأُسود

يا فتاتي يا شِغافَ  * * * القلبِ والبيتِ الطريد

كفكفي الدمعَ وظلِّي  * * * في حمى الربِّ الحميد

لا تخافي لا تُراعي  * * * من لظى نار الحَسود

واعلمي ما من سجونٍ,  * * * ابنتي طالت خُلود

وأبوكِ اليومَ إن يحيا  * * * عن البيتِ فقيد

سوف يأتي هاتفا  * * * فينا وفي الطفلِ الوليد

نحنُ جندُ اللهِ لا  * * * نخشى من الظلمِ المريد

وقريبا يظهرُ الإس * * * لام منصورَ البُنود

في رحابِ القدسِ والأ * * * قصى وتندثرُ الحدود

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply