يا سائلي عن جراح أمتي سأجيبكم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من أين أبدأ؟! وكيف أبدأ؟! ما القضية؟! وما الخطب؟! وكيف المخرج؟!

يا رب عليك توكلنا، ومنك الفرج والنصر، يا رب بك نستغيث ففرج الهم والغم، أرشدنا إلى الطريق المستقيم، وثبت أقدامنا على الحق، واهدي من ضل من المسلمين، واجمع على الحق كلمتنا، ووحد على الهدى صفنا، واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

وتتوالى الرسائلº فبكى أناس، واستبشر أناس، وتفاءل أناس، و يأس أناس، وحار أناس، وضاقت الدنيا بأناس، وصبرت قلوب فحار الدعاة، وبكى الخطباء، وهم آخرون، !

إنه حال الأمة، إنه حال المسلمين، إنه حال الشباب، منهم من حمل هم الأمةº فأرسل رسائل يسألني عن حال العراق، والأمة الإسلاميةº كيف الحال؟ وكيف المخرج؟

وهل نحزن لجراح الأمة؟ أم نفرح ببشائر تبشرنا بها؟ !

ومنهم من يبكي من حروف كلمات رسالته على حال الأمة من التفرق والتناحر، بين الشباب وحتى الدعاة، ورسائل حملت هما كبيراً، وتحدثت عما يحدث اليوم من هجمة إعلامية وعسكرية على المجاهدين في البلاد المحتلة، وخصوصا العراق، وآخرها رسائل تتكلم لي عن غياب بعض العلماء والدعاة عن مسؤوليتهم، في القيام بما أمرهم الله به من تبليغ دين الله وإظهاره بدون خوف وترد، فحرت، وترددت، كيف أتكلم عن هذا الأمر العظيمº نعم والله عظيمº نعم والله مسؤولية، ونحن نرى ونسمع عن ما يحل بإخواننا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان.

نعم والله إنها مسؤولية عظيمة، ونحن نرى المنكرات أمام أعيننا، نعم والله مسؤولية ونحن نسمع ونرى الباطل، فلا يجرؤ أحد على صده إلا من وفقه الله إلى ذلك، إنها مسؤولية إبلاغ دين الله من غير تحريف ولا تبديل ولا تأويل، إبلاغ دعوة الله وإظهار الحق، مهما كان أهل الباطل أقوياءº بلا خوف ولا تردد، نعم والله.

أيها الدعاة، أيها الإخوة، أنها مسؤولية عظيمة، وكثيراً ما يتكلم الشباب عن هذه المسألةº أعني مسألة إظهار الحق على لسان العلماء والدعاة، ومما يؤسف إن بعض الدعاة بدأ ينكر على الشباب مطالبتهم العلماء في إظهار الحق: فتسمع من يصف الشباب بالمتحمس والطائش، ويتفلت من المسؤولية، نعم أقولها وبكل صراحة هنالك تقصير من قبل كثير من العلماء والدعاة نحو الدعوة وإبلاغ دين الله، وأصبح بعضهم عندما يسأل عن مسألة عظيمة يتفلت منها بمهاجمة السائل، واصفاً إياهم بالمتحمسين والمتهورين، وأنهم أصحاب جهل، وأنا في ذلك لا أقصد أولئك الشباب الذين يتطاولون على العلماءº لا والله، وإنما أقصد بهم أولئك الشباب الذين يبحثون عن الدواء لواقع الأمة.

نعم أيها الإخوة، هناك تقصير وهذا لا ينكره أحدº وإن من أهم أسباب حدوث الانحراف في أفكار الشباب، وحدوث الفجوة بينهم وبين العلماء، هو سكوت العلماء طويلاً عن النوازل العظيمة التي تحل بأمة الإسلام، نعم والله سكوت رهيب عما يحدث بأمة الإسلام، فأين أقوال العلماء مما يحدث اليوم، من تدمير مدن أهل السنة في العراق، أين بياناتهم؟

أين خطاباتهم؟ أين كلماتهم؟ عسى أن تخفف شيئاً من جراح الأم الثكلى، والشيخ المسكين، والطفل اليتيم، نعم والله إنها حقيقة مرة، ترددت في الكلام عنها، لكنه واقع الأمة اليوم.

أين المؤتمرات؟ أين التوجيهات للمجاهدين الذين يصارعون أعتى دول الكفر في هذا العصر؟ أم أن المؤتمرات تعقد فقط لتغير المناهج الإسلامية، ومساعدة النصارى في بلدانهم، أم عقد الصفقات مع دول الكفر، أم إصدار الاستنكارات على بعض أخطاء المجاهدين دون أن يضع لهم توجيها.

إنه الواقع!! ومع كل أسف! ومع أن الكلمات السابقة قد حملت نوعاً من الهم والحزن، إلا أنني متفائل، نعم يا من أرسلتم رسائلكم تفاءلوا، ووالله أننا على الحق مهما طغى الطاغي وكبرت قوته، نعم نتفاءل بقوله - تعالى -في كتابه العظيم: ((قُل هُوَ الرَّحمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيهِ تَوَكَّلنَا فَسَتَعلَمُونَ مَن هُوَ فِي ضَلالٍ, مُبِينٍ,)) (الملك: 29).

 نعم أيها الشاب، نعم أيتها الشابة، نعم أيها المسلمون نتفاءل، ما دمنا نؤمن بالله - تعالى -، وما دمنا متوكلين عليه، وما دمنا ناصرين لدينه، ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ)) (الحج: 40).

نعم مهما كثرت الجراح، وحلت المصائب، فنحن بأذن الله منتصرون، أننا بعودتنا إلى دين ربنا هو نصر يغيض الكفار:

فقل لي بربك لماذا يقتل الصليبيون في العراق شيخاً هرماً يتوجه إلى المسجد لصلاة الفجر؟!

ولماذا يعذب أعوانهم من المرتدين: شابا ملتزما يدعون إلى الله - سبحانه -؟

ولماذا يدمر إخوان القردة والخنازير مسجداً ويدنسون كلام الله؟!

لماذا يخاف الصليبيون في العراق من شاب أعفى لحيته وقصر ثوبه؟! لماذا تستنكر وزيرة خارجيتهم المجرمة بيانا أو فتوى لعلماء يدعون لنصرة المجاهدين في البلدان المحتلة؟!

والجواب على كل هذا: إنه الخوف من هذا الدين، إنهم يعلمون أن نهايتهم ستكون على يد أتباع هذا الدين المتمسكون به، نعم يا عباد الله: إنه هذا الدين!! إنه الإيمان بالله - سبحانه -!! إنها العقيدة الصحيحة، إنه التوكل على الله - سبحانه - وحده، ((قُل هُوَ الرَّحمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيهِ تَوَكَّلنَا فَسَتَعلَمُونَ مَن هُوَ فِي ضَلالٍ, مُبِينٍ,)). إنها حربهم الصليبية التي أعلنوها، قال - تعالى -: ((وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهوَاءَهُم بَعدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ, وَلا نَصِيرٍ,)) (البقرة: 120).

ويا أمة الإسلام لا تحزني ولا تجزعي، فإن الحق حق، والباطل باطل

فإن الله - سبحانه - يختار من عباده شهداء، وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -: (فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، فإنه مشتمل من محبة اللّه - تعالى - والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر اللّه، وسائر أنواع الأعمال، على ما لا يشتمل عليه عمل آخر، والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنيين دائماًº إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة، فإن الخلق لابد لهم من محيا وممات، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهماº فإن من الناس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا مع قلة منفعتها، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد، وقد يرغب في ترفيه نفسه حتى يصادفه الموت، فموت الشهيد أيسر من كل ميتة، وهي أفضل الميتات) (مجموع الفتاوى- الجهاد).

 نعم أيها الإخوة موت الشهيد أيسر وأشرف كل ميتة.

واعلمي أمة الإسلام أن هذه الأحداث هي سنة الله: قال - تعالى -: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ)) (العنكبوت: 2).

فهو ابتلاء من الله ليظهر الصادق فيجازيه الله على صدقه وصبره على الأذى، ويظهر الكاذب المنافق، قال شيخ الإسلام- رحمه الله -: ((إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) (الحجرات: 15).

فحصر الإيمان في المؤمنين المجاهدين، وأخبر أنهم هم الصادقون في قولهم: آمنا، لا من قال، كما قالت الأعراب: ((آمنا)) (الحجرات: 14). والإيمان لم يدخل في قلوبهم، بل انقادوا واستسلموا.

وأما المنافقون فهم بين أمرين: إما أن يعذبهم، وإما أن يتوب عليهم، فهذا حال الناس في الخندق وفى هذه الغزاة، وأيضًا فإن الله - تعالى - ابتلى الناس بهذه الفتنة، (ليجزى الصادقين بصدقهم، وهم الثابتون الصابرون، لينصروا الله ورسوله، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم. ) (مجموع الفتاوى/ الجهاد.

واعلمي يا أمة الإسلام علم يقين أن حكمة الله اقتضت أن يكون الحق والباطل في خلاف دائم، و صراع مستمر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل ذلك ليميز الله الخبيث من الطيِّب، فمنذ بَزَغَ نجم هذا الدين وأعداؤه من يهودٍ, ونصارى ومشركين، يحاولون القضاء عليه بكل ما يستطيعون ((يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمٌّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ)).

حاول أعداء هذا الدين القضاء عليه في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم - فما أفلحوا، وحاولوا في عهد الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم- فما أفلحوا، ثم في العصور المُتَأَخرة إلى وقتنا هذا، وهم يحاولون دائبينº بالعنف والصراع المُسلح تارة، و بالمكر والخداع، والخطط والمؤامرات تارة أخرى، فالله يقول: ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِن استَطَاعُوا)).

 والله - جل وعلا - يقول: ((وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم)).

هذه شهادة الله على أعدائنا بما يريدونه منا، وأَيُ شهادة أعظم من شهادة الله وأصدق، والتاريخ في ماضيه وحاضره يشهد بذلك، لكن أنَّى لهم أن يفلحوا ما تمسَّكنا بكتابنا وسُنَّةِ نبيِّنا محمد- صلى الله عليه وسلم -.

كلٌّ العدى قَد جَـنَّدوا طَاقَاتِهِم *** ضِدَّ الهُدَى والنٌّورِ ضِدَّ الرِّفعَةِ

إِسلامُنا هُـَو دِرعُـنَا وَسِـَلاحُنَا *** و منارنا عَبرَ الدٌّجَـى فِي الظٌّلمَةِ

هُـَو بِالعَـقِيدةِ رَافِعٌ أَعلامَهُ *** فَامشِي بِظِلِّ لِوَائهَـا يَا أُمَّتِي لا الغَـربُ يَقصِد عِزَّنَا كَلا وَلا *** شَرقُ التَحَلٌّلِ، إنَّهُ كَالحَـيَّةِ الكُلٌّ يَقـصدُ ذُلَّـنَا وهَوَانَنَا *** أَفَغَـيرُ رَبِّي مُنقِـذٌ مِن شِدَّةِ؟

يا سائلي عن حال أمتي اعلموا:

أن هذه الأمة أمة جهاد ومجاهدة، وصبر، ومصابرة، ومتى ما تركت الجهاد، ضُربت عليها الذلة والمسكنة.

يا سائلي عن حال أمتي اعلموا:

أن الله - تعالى -كتب العزة والقوة لهذه الأمة، متى ما صدقت وأخلصت، فها هي دولة الإسلام الناشئة، تقف في وجه الكفر كله، بقواه المادية فتهزمه، وتنتصر عليه ((وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ))

يا سائلي عن حال أمتي اعلموا:

أنه ما تسلل العدو سابقًا ولاحقًا إلا من خلال الصفوف المنافقة، والمتخاذلة والمتميعة، ولم يكن الضعف والتفرقة في هذه الأمة، إلا من قِبَل أصحاب المسالك الملتوية، ((لَو خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُم إِلاَّ خَبَالاً ولأوضَعُوا خِلاَلَكُم يَبغُونَكُمُ الفِتنَةَ وَفِيكُم سَمَّاعُونَ لَهُم)).

يا سائلي عن حال أمتي اعلموا:

أن مواجهة الأعداء لا يشترط فيها تكافؤ القوى، يكفي المؤمنين أن يعدٌّوا أنفسهم بما استطاعوا من قوة، ثم يثقوا بالله، ويتعلقوا به ويثبتوا ويصبروا، وعندها يُنصروا.

فها هو سلفهم ابن رواحه يقول: والله ما نقاتل الناس بعَدد ولا عُدة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به، ومنها أن الحق لابد له من قوة تحرسه، لا يكفي حق بلا قوة،

قال الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب: (فإذا قام المسلمون بما أمرهم الله به من جهاد عدوهم، بحسب استطاعتهم، فليتوكلوا على الله، ولا ينظروا إلى قوتهم وأسبابهم، ولا يركنوا إليها، فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب إدالة العدو على المسلمين ووهنهم عن لقاء العدو، لأن الله- تبارك وتعالى -أمر بفعل السبب، وأن لا يتوكل إلا على الله وحده، قال - تعالى -: ((وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ)) (المائدة: 23).

وقال - تعالى -: ((إِن يَنصُركُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُم)) (سورة آل عمران آية: 160).

وقال - تعالى -لمحمد- صلى الله عليه وسلم -: ((إِذ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُم فَاستَجَابَ لَكُم أَنِّي مُمِدٌّكُم بِأَلفٍ, مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشرَى)) (الأنفال: 9-10).

فإذا فعل المسلمون ما أمرهم الله به، وتوكلوا على الله، وحققوا توكله، نصرهم الله، وأمدهم بالملائكة، كما هي عادته مع عباده المؤمنين في كل زمان ومكان، ) (الدرر السنية)

 

فيا أمة الإسلام: أيها السائلون عن حال أمتي: أيها الدعاة إلى الله: في كل زمان ومكان، اتقوا الله، وأجمعوا أمركم، وذُودوا عن دينكم ومحارمكمº فإن من لا يذود عن دينه ومحارمه، ولا ينتصر لدينه، ذليل حقير غير خليق بالعزةº بل لا تحلو له الحياة، اصبروا و صابروا، ورابطوا، وبما تمسك به أسلافكم تمسكوا، جاهدوا كجهادهم، واصبروا كصبرهم، وتوكلوا على الله، وثقوا بالله واطمئنوا، وأبشروا، والعاقبة للمتقين. ((وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرسَلِينَ * إِنَّهُم لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ)) (الصافات: 171، 170).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply