بسم الله الرحمن الرحيم
رأيت ذات مرة صورة عجيبة وزعت على شبكة الإنترنت، كانت تلك صورة حمار ـ أجلكم الله ـ كان إكافــه هو علم الكيان الصهيوني، أعني كان كاللحاف يغطي ظهره، وأرسله شبان فلسطينيون كانوا يختبئون عند طرف جدار، أرسلوه إلى ناحية جنود صهاينة في الطرف المقابل للشارع، والتعليق تحت الصورة يقول: إن الجندي الصهيوني همّ أن يطلـق النار علــى الحمــــار، فصاح به الضابط: كفّ يدك الآثمــة، ويحك.. أتريد أن تثيــر علينــــا جمعيات حقوق الحيوان!!! لا عجب، فالحمار عندهم أثمن من الفلسطينيين، الذين لم يعد لدمائهم المهراقة كل يوم أي قيمة، ربما لأنهم ليسوا معاهدين أو مستأمنين!!، بينما لدماء خنازير الصليبيين في أوكار التجسس والاحتلال قيمة الذهب الأبيض، بل أعظم!!
غير أن ثمة سبباً خفياً لثمن الحمار لدى الصهاينة، إن بينهم وبين هذا المخلوق نسباً، ألا نذكـــر قوله _ تعالى _:"مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّورَاةَ ثُمَّ لَم يَحمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارًا بِئسَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * قُل يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمتُم أَنَّكُم أَولِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِن كُنتُم صَادِقِينَ * ولا يَتَمَنَّونَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَت أَيدِيهِم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"، وفي هذه الآية عبرة أخرى، فعندما اضطرمت نار العمليات الاستشهادية المباركــة في الكيان الصهيوني، فأثخنت فيهم أيٌّما، وكسرت غرور الجيش الذي ظن أنه لا يُقهر، وكشفت عجزهم وجبنهم، وبعدما كان شارون قد تعهد أن يقضي على الانتفاضة المسلحة في مائة يوم، وإذا بها تحاصره، والكيان الصهيوني في نفق أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية خانقة يحاول الآن الخروج منها بخدعة (خارطة الطريق) التي هـي ليست سوى (أوسلو) بائســـة جديدة.
اقترح بعض المفكرين الصهاينة بناء على أنه لايفل الحديد إلاّ الحديد، اقترح تأسيس مكتب لاحتضان وتدريب من يريد أن يقوم من اليهود بمثل هذه العمليات التفجيريّة في المناطق الفلسطينية، ووزعت أرقام هاتف المكتب، عسى أن يتصل المتطوعوّن، فلم يكن يشبه هذا الهاتف بعد وضع رقمه في هذا الإعلان، إلا صمت الزعماء العرب في خشوع أمام بوش وهو يلوح لهم بسوط راعي البقــر! بمعنى آخـر لم يتصل أحد، ثم اقترح أن تكون الدعوة موجهة لمن يرغب في الانتحار، بناء على أنه منتحر منتحر، فليقدم إذن خدمة لأمته بعملية انتحارية، بدل أن يموت في عقر داره، لكن النتيجة أنه لم يحدث أي جديد، ففشلت الخطة تماماً، وعرفت يومئذ لماذا لم أسمع قط طيلة حياتي أن يهودياً قـد انتحـر!!
ولسنا هنا نمدح الانتحار وهو من الكبائـر، ولكن من يتدبر الآية السابقة يعرف سبب تشبث اليهودي بالدنيــا، ذلك أن بخل اليهود، وحرصهم على أكل الربا، وأموال الناس بالباطل، متولد من عبادتهم للحياة الدنيــا، فكيف يتمنون الموت، إنهم لن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهــم الآثمة من عبادة الدنيا. ومهلاً.. كأنّ الله _ تعالى _ يرشدنا إلى المخرج في آية سورة الجمعة، والجمعة عيدنا، وهي التي فضلنـا الله بها على الأمم، إن الله _ تعالى _ يقول: إن اليهود يحبون الدنيا ويكرهون الموت، هذه نقطة ضعفهم، فكونوا أنتم أيها المؤمنون تحبون الموت في سبيل قضيتكم لتنتصروا عليهــم.
ولهذا السبب كانت العمليات الاستشهادية هي الضربة النوعية التي أصابت نقطة الضعف اليهودية بمقتل، فكانت هي أقصر طريق للوصول إلى توازن الرعب مع العدو الصهيوني، وقد وصلت الانتفاضة إليه _ بفضل الله _ ثم بإيثار الآخرة على الدنيا، الذي هو المحرك الأساسي وراء العمليات الاستشهادية، والذي كان دوماً أعظم عدة لأهل الجهاد في تاريخ الإسلام وانتصاراته، أما خارطة الطريق فليست سوى وهم وخداع يقصد به إنهاء الانتفاضة المسلحة، فكل هذه التغيرات من المجيء بأبي مازن ودحلان، مروراً بكل الضغوط السياسية التي مارستها أمريــكا، إلى شرم الشيخ والعقبة، كلها تؤدي إلى طريق واحد، هو القضاء على قدرة الانتفاضة على الاستمرار في إبقاء توازن الرعب، إنها جزء مما يسمــــى (الحملة العالمية على الإرهاب) فالانتفاضة المسلحة قد أُدرجت في ضمن هذه الحملــة بصراحة ووضوح.
غير أنه لما كان القضاء على حماس والجهاد وكل الفصائل المجاهدة في فلسطين داخل الكيان الصهيوني نفسه، في غاية الصعوبة بل هو متعذر لاعتبارات كثيرة، فلا يمكن شنّ الحرب الشاملة على تلك الفصائل من خارج الفلسطينيين، دون أن يحدث ذلك إثارة الرأي العام العالمي، ثم إنه يقويها ويجمع عليها القوى الشعبية الفلسطينية أكثر مما هي مجتمعة، والعالم الإسلامي أيضا. لما كان ذلك كذلك، فالحل الوحيد هو أن يتم تحويل السلطة الفلسطينية نفسها إلى منفِّذ لهذا الجزء من الحملة الدولية على (الإرهاب)، جزء القضاء على الانتفاضة المسلحة، وبعد أن تنتهي السلطة من القضاء على الجهاد الفلسطيني، مقابل بعض التنازل الشكلية التي يقدمها شارون، بإزالة (كرفانات) من هنا وهناك، وبعض البيوت الخشبية التي تسمى مستوطنات، بعد ذلك ستكون معادلة الصراع خارج لعبة توازن الرعب، وسيكون لليهود موقف أقوى في المعادلة، ويفرض حينئذ الكيان الصهيوني شروطه، ويحقق أهدافه، وتصبح الدولة الفلسطينية المزعومة كما يريدها هو، لا كما يريدها الفلسطينيون، فضلاً عما يريدها المسلمون، هذه هي حقيقة خارطة الطريق مهما زخرفوا القول غروراً.
ومن غرائب الزمان أن شخصاً من المهووسين بمعاهدات (ولاة الأمر)، تساءل قائلاً: إن خارطــة الطريق معاهـدة وقعها (ولي الأمر) أبو مازن! فلماذا لا يكون اليهود أيضاً بموجبها معاهدين. قلت ساخراً لمّا بلغني الخبــر: معــه حق.. لاسيما وقد (بصم) عليها (ولاة أمـــــر) آخرون أيضاً، فرحين بهــا، وجعلوهــا سبيل خلاص هذه الأمة من محنتها مع اليهود والصليبيين، التي استمرت أكثر من نصف قرن من الزمان!! ومالهم لا يفعلــون وقـد جاءت من (ولي الأمر) الكبير بوش!!!
وتصدقون أم لا؟ لقد حدثني عـدّة أن الفكـرة أعجبت ذلك المهووس، حتى قام بعد صلاة الجمعة يعظم النكير على الذين يخرجون على ولاة الأمر وينقضون معاهداتهم مع اليهــود معرضــا بالمجاهدين في أرض فلسطين!! يا للأســى، بل يا للفجيعــة، ولكن حقــاً تعالوا لنتساءل.. تُرى لماذا يصمت اليوم المتباكون على قتل أولئك الأبرياء المعاهدين المساكين الذين كانوا خائفين فأمنّاهـم في بلادنا بشرط ألا يحملوا ســلاحاً فيهـا، ولا يعينوا على قتل مسلم، ولا يحق لهم اتخاذ بلادنا منطلقاً لغزو واحتلال بلاد المسلمين!!..
لماذا يصمتون اليوم عن معارضة (خارطة الطريق) التي يراد منها إنقاذ الصهاينة من هزيمتهــم، بعد أن شبعت أرض الإسراء من دماء الأبرياء الفلسطينين!! تُرى لماذا تحتل أمريكا العراق، بعد أن قتلت آلاف الأبرياء ولازالت تقتل، وتسرق ثروات ومستقبل هذه الأرض الإسلامية، وتنطلق منها لتعيث في بلاد الإسلام فساداً، وفي المقابل ليس سوى صمت القبور الرهيب يخيم على أفواه المتباكين على أبرياء (المعاهدين)!! لماذا ينطلق مؤتمر العقبة المشؤوم للإجهاض على الانتفاضة بينما قتل ويقتل الصهاينة الآلاف، واعتقلوا ويعتقلون عشرات الآلاف من الأبرياء، وفي المقابل ليس سوى صمت القبور الرهيب على أفواه المتباكين على الأبرياء؟!
لماذا يقتل الروس آلاف الشيشانين منذ أعوام؟! وفي المقابل ليس سوى صمت القبور الرهيب على أفواه المتباكين على الأبريــاء، لماذا يرزح المظلومون وعلى رأسهم المجاهدون والدعاة في السجون تحت أقسى وأفحش أنواع التعذيب من قبل حرّاس الحدود العربيّة الزائفة جلاوزة فرعون الجاثم في البيت الأسود.. يرزحون منذ عقود… وفي المقابل ليس سوى صمت القبور الرهيب على أفواه المتباكين على الأبرياء؟!
لماذا يعقد الأمريكيون الاتفاقيات والمعاهدات الملعونــة التي تمكنهم من الاستمرار في تحويل أرض البلاد العربية إلى معسكرات دائمة لها، وسياساتها إلى مسرح لعربدتها، وأجواءها إلى ممرات لطائراتها حاملة اليورانيوم المنضب وغير المنضب، حاملة الموت والدمار والبؤس لشعوب الأمة الإسلامية، وفي المقابل ليس سوى صمت القبور الرهيب على أفواه المتباكين على الأبرياء. يا للعجب! لماذا يصمت هؤلاء حيث يجب أن ينطقوا، وينطقون حيث يكون في الصمت نجاتهــم؟!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد