قبور تمشي فوق الأرض !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أصبحت امتنا الإسلامية الكبيرة في وضع يُرثى له وضعها يثير الشفقة إلى حد البكاء،هي اليوم أشبه ما تكون بالطائر الذي بلله الماء في ليلة شاتيه، فهو ينتفض من شـدة البرد.! بل امـتنا أسوأ حـالاً بكثير من هـذا الطائر المسكين،توشـك أمتنا أن تموت على عيون الدنيا ...

 

والكل يرميها: 

يتطلعون في شبه ذهول..

ويواصل كثيرون فينا العزف والرقص والغناء بكل سماجة وبلاهة!!!.

دموعنا تسح بغزارة، وسكاكين الأعداء تعمل بشراسة في رقاب المسلمين.. ونحن لا نكاد نئن، بل أكثرنا يتابع المشاهد التي تهتز لها السماء وهو يتناول طعام العشاء!!

 

والسر في هذه البلادة:

 أن جرعة التخدير كانت من القوه بمكان..!

طريقنا أمسى مفروشا بأطنان من الأشواك الحديدية المبثوثة تحت أرجلنا مبثوثة في كل شبر من الأرض..

 

 وهي أشواك مسمومة، ملونه بألوان الطيف.

قد تنجو من بعضها، لكنك قد لا تنجو من البعض الآخر...

ثم إن قطاع الطرق لن يدعوك تمضي في سلام..

لقد انتشروا في كل زاوية، ويتربصون بك عند كل منعطف..

وشرعوا يشحذون سيوفهم الغادرة في الظلام،

ينتظرون وقع خطانا ليهتبلوا فرصة غفلتنا فيهجموا في شراسة وعنف..

وهم في الأصل _ كما أخبرنا ربنا _ لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمه.

 

والمطلوب.. والمطلوب من هذه الأمة _ كما يُراد لها _:

أن تواصل السير قدما في ذل إذا أرادت الحياة، مع أن الموت ينتظرها في الطريق..!!

والأصل في مثل هذه الحالة: أن بطن الأرض خير من ظهرها..!

حال مبك مضحك في آن..!! يا أمةً ضحكت من جهلها الأممُ!

ومع هذا فكل فرد منا غارق حتى أذنيه في هموم صغيره هزيلة لكنها كثيرة ومتنوعة ومتراكمة أكثر من الرز...!

بل أكثر من حبات رمل الشاطئ!

غير أنها لا تتعدى في الغالب هموم (البطن وما دون).........!!

النيران المتأججة تحرق كل شيء حولنا، ونحن كأننا لا سمع ولا بصر...!

أو كأن هذه النيران العاصفة لا تعنينا في شيء..

 

 كأنها في القمر لا في بيوتنا..!!

ومن ثم ترانا ما زلنا نواصل العزف والرقص والغناء في منتهى البلادة والبلاهة......!

أترانا أموات من حيث لا ندري؟؟

هل بقي فينا من عنصر الإنسانية الكريمة شيء بعد؟!!

إن الحيوانات وهي حيوانات غير عاقلة، ليفزعها اللهيب فتفر من مواطن الخطر إلى مواطن الأمن، وتتحفز بقرونها كلما أحست بالهلاك...!!

أما نحن في هذا العصر.. أما نحن.....!!

أما نحن فلنا الله لم يعد كثيرون فينا حتى مثل الحيوانات في تفاعلها مع الظروف حولها...!!

مع إننا كنا خير أمة أخرجت للناس..!!

أمة كانت تعلم الدنيا أفانين الحياة وآدابها..

كذلك كان آباؤنا الذين لم يتحصلوا على شهادات عالية من المعاهد والجامعات!!!!!!

لكنهم كانوا رجالا دوخوا الدنيا، وقادوا الأمم..

أما نحن فشهاداتنا تزين مجالسنا!!!

ونتباهى بها كما تتباهى فتاة بفستان عرسها المعلق في دولابها..!!

 

ورثنا المجد عن آباء صدق *** أسأنا في جوارهم الصنيعا

 

بكاء نسائنا في العالم الإسلامي وعويلهن حرك حتى الجماد، وأنين صغارنا يفتت القلوب المتحجرة، ناهيك عن القلوب الحية...!!

ومن ثم لم يبق إلا أن نوقن انه لم تعد لنا قلوب أصلا..!!

لقد غدونا قبورا تمشي فوق قبور... والقبور تنتظرنا اليوم أو غداً..!!

يبدو أنه: لم يبق إلا أن نقيم المآتم علينا، ونتلقى العزاء في أنفسنا..!!

الذئاب العاوية الجائعة في كل مكان، تنهش لحوم أبنائنا و بناتنا، ونحن نتابع المشهد الدامي (وقد) نتأثر قليلا ريثما ينتهي المشهد فحسب لنعاود الهز والرقص من جديد..!!

 

ونمصمص الشفاه ونحن نتابع حسناوات الفضائيات..!!

صغارنا يتساقطون بين أيدينا بالجملة، ويتكومون في الطرقات..

كأنهم عظام نخره جمعها كناس، وتمر الريح بهم لتصفر في خوائهم صفيرها المزعج، والجحافل المغولية ما تزال تزحف زحفها المجنون، لتسحق كل الرؤوس التي تسجد لله - عز وجل -..

وجماهير كثيرة في أمتنا ما تزال تتلهى بالسفا سف، وتنشغل في ليلها ونهارها بالتفاهات، والقيل والقال، والمجون..

من يدري؟ لعل هؤلاء يظنون أنهم سينجون بهذه السفاهة في دنياهم قبل أخراهم..؟!

هيهات هيهات........!!

يراد لأمتنا أن تحيا حياة الديدان الحقيرة..

 

وأكثرنا استمرأ المهانة وخاض فيها حتى الركب..!

عقولنا امتلأت بالغثاء، وبطوننا اكتظت بالشهوات المحرمة، ونفوسنا لا تهوى إلا ما يتساقط من الموائد القذرة في هوليود وأمثالها..!

والسر: أن قلوبنا أترعت بالهموم المتواصلة في أشياء هذه الدنيا القريبة – وليتها كانت أشياء نافعة ومثمره حقا – وفي ذات اللحظة نسيت جماهير أمتنا الآخرة..

 

وما أدراك ما الآخرة؟؟

الآخرة التي هي موعد الصدق الذي لا مفر منه..

فلما نسيت هذا الموعد، أصبحت غثاء فعاقبها الله بالذل والمهانة والخزي..

ويتعجب أناس بعد ذلك.. إذا نزلت بالأمة المصائب تترى:

يتعجبون فيتساءلون في دهشة وبلاهة مقززة:

كيف يحدث لنا ذلك ونحن مسلمون؟! كيف؟ لماذا لا ينصرنا الله!؟

وهذا جهل مركب.. أو هو استهبال، وسذاجة تبلغ مستقر العظم..!

ألسنا نقرأ، أو نستمع للقرآن كل يوم..!؟

فهل بحثنا عن إجابة لأسئلتنا التي تحيرنا في طيات كلام ربنا الجليل..

هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..

إن جواب السؤال واضح وضوح الشمس في كبد السماء:

(.. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَت أَيدِيكُم وَأَنَّ اللَّهَ لَيسَ بِظَلَّامٍ, لِلعَبِيدِ).

نعم بما كسبت أيدينا مع سبق الإصرار والترصد..!!

وقال - تعالى -: (.. إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم)..

ونحن لم ننصر الله في ذوات أنفسنا.. لا زلنا في (أسر) الشهوات

 

مكبلين أذلاء!!

فشيء طبيعي أن لا ننتظر نصر الله، حتى نحرر أنفسنا ابتداء من (الأسر)!!

وقال - تعالى -: (.. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)

.. نعم.. نسينا الله.. وهو المحسن إلينا، المنعم علينا.. القريب منا!!!

ولأن الجزاء من جنس العمل..

نسيناه، فنسينا أن نعمل من أجل كرامة أنفسنا!!

 

 فهان علينا أن نتمرغ في الذل!!

وقال - تعالى - (..فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ)..

(زاغوا)..!! يا لهذه الكلمة التي تصور حالنا كله في خمسة أحرف فقط!!

زاغوا، وقد كانوا على الطريق الموصل لهم إلى كل خير!!!

وقال - تعالى -: (أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ,؟؟

فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلَّا خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا..!! (وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ)..

يا لها من آية، يرتعش لها ومعها القلب الحي!!

وقال - تعالى -: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِنَ العَذَابِ الأَدنَى دُونَ العَذَابِ الأَكبَرِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ)..

فهذا الذي نذوقه ليس سوى العذاب (الأدنى)...!!!

 

 فكيف بالعذاب الأكبر!!

يا لطيف..!

والآيات كثيرة جداً لمن أراد حقا أن يبحث عن إجابات شافية..........

ومع هذا كله، ورغم هذا كله، غير أننا موقنون تمام اليقين: أن هذه الأمة على موعد مع النصر..

لسبب بسيط للغاية: أن الله وعد هذه الأمة بالنصر..

وما دام قد وعد.. فسيفي لها بما وعد..

ولكن سنة الله ماضية.. وحتى تعرف سنة الله تأمل هذه الآية الكريمة جيداً: (وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِل قَوماً غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمثَالَكُم)..

أن تتولوا أنتم... فسوف يأتي الله بقوم غيركم، ثم لا يكونون مثلكم!!

وعلى أيدي أولئك سيولد النصر، ويبزغ فجر الأمة وتشرق شمسها ويطلع نجمها..

(وَيَقُولُونَ: مَتَى هُوَ؟؟.. قُل: عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً)

 

 وكل آتٍ, فهو قريب ويبقى أن نقول _ لفريق من الناس _ في ثقة: (... إِن تَسخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسخَرُ مِنكُم كَمَا تَسخَرُونَ)..!!

والله مولانا ولا مولى لكم.. هو حسبنا ونعم الوكيل

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply