المسلمون في الهند .. واقع مزر ومستقبل مجهول


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يقف محمد رفيق لال ميا مذهولا فاغر الفم أمام هيكل مسجده السابق الذي التهمته النيران في منطقة نورديا باتيا بولاية جوجارات الهندية.

 

إنها المرة الأولى التي يجرؤ فيها الرجل البالغ من العمر 32 عاما على الرجوع إلى حيه السابق منذ أن هاجمه رعاع الهندوس في 28 فبراير الماضي، انتقاما لحرق 59 هندوسيا على متن قطار ببلدة جودرا المجاورة في اليوم السابق.

 

وبدعم خفي من جانب الشرطة والحكومة المحليتين، قام المتعصبون الهندوس بانتهاك حرمة المساجد وإضرام النار في منازل ومتاجر المسلمين وإحراق العشرات من أصدقاء وجيران لال ميا حتى الموت.

 

وفي غمرة هذا الرعب لم يكن إمام لال ميا سوى الفرار مع زوجته وولديه. واليوم عاد إلى حيه بعد أن تراجع خوفه أمام رغبة عارمة باستعادة أي شيء في حياته السابقة.

 

لكن ما وجده هو أن الحي بأكمله دمر عن بكرة أبيه.

 

أرواح وممتلكات الأبرياء ليست كل ما ضاع في نارودا باتيا. فقد ضاعت معها أيضاً إمكانية تعايش المسلمين والهندوس هنا جنبا إلى جنب في وئام وسلام، هي جوهر الحلم العلماني الهندي المزعوم: فعلى الجدار الذي يفصل بين الشوارع المسلمة المتهالكة عن الحي الهندوسي السليم، كتبت عبارة عدائية لاذعة بخط هندي أنيق: هذه مملكة الإله رام، لا مكان فيها للمسلمين، فالهند للهندوس .

 

وفيما يسرح لال ميا ببصره بين الأنقاض يقترب منه شرطي هندي مهيب ليقول له: الأفضل لك أن تغادر الآن فأنت لست آمنا هنا.

 

يطيع لال ميا التوجيهات مطأطئا رأسه بذل وانكسار، ويعود أدراجه بخطى وتيرة مترددة، ما تلبث أن تتسارع فجأة عندما يلمح جارا هندوسيا فيجفل وكأن شبحا قد أثار انتباه يختفي سريعا عن الأنظار.

 

لكن الاختفاء ليس شيئا جديدا على مسلمي الهند البالغ عددهم 150 مليوناً إنهم يشكلون ثاني اكبر مجتمع مسلم في العالم بعد اندونيسيا، لكنهم محجوبون عن الأنظار تقريبا على الساحة العالمية، طبعا باستثناء مسلمي كشمير.

 

وحتى بعد 11 سبتمبر، حين تسلطت أنظار الغرب على تهديد الإسلام المسلح فقد كان من السهل تجاهل المسلمين الهنود.

 

فالمسلمون بوصفهم الأقلية التي خلفها التقسيم الدموي لشبه لقارة الهندية إلى الهند وباكستان في عام 1947 كانوا دائما من أشد مؤيدي المثل العلمانية التي نادى بها المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو.

 

لكن الآن لم يعد هناك بد من اتجاه أنظار العالم إلى أوضاع المسلمين الهنود فخلال العقد المنصرم، فيها راحت الهند تحاول التعلق بركب الاقتصاد العالمي، تراجعت أحوال الأقلية المسلمة أكثر وراء الهندوس السائدين.

 

لكن لماذا؟ المتهم الأكثر وضوحاً وراء ذلك هو التطرف الهندوسي الذي تسرّب إلى كل شيء، في الكتب المدرسية إلى السياسات الحكومية.

 

لكن النقاد يقولون أن المجتمع المسلم بحد ذاته لم يول اهتماماً كافياً لقضية التعليم والإنجاز.

 

والآن يتراجع العديد من المسلمين أكثر لينغلقوا على أنفسهم على نمو أعمق في هويتهم الدينية، متجهين نحو إسلام أكثر محافظة وفي بعض الحالات يديرون بظهورهم للعالم المعاصر. ويقول سعيد ناكفي، وهو مفكر مسلم يعيش في نيودلهي: «إن حقيقة أن هذا المجتمع المسلم الضخم يشترك في تقدم البلد، هي حقيقة خطيرة للهند وللعالم».

 

تعيش الغالبية الساحقة من المسلمين تحت وطأة الفقر المدقع، وهم يزدادون انعزالاً في أحيائهم الوضيعة يوماً بعد يوم. وقد انخفض تمثيل المسلمين في المجلس التشريعي من 9 بالمئة في عام 1980 إلى 5 بالمئة في الوقت الحاضر. ويكسب معظم المسلمين، الذين يعانون من التمييز ضدهم في كل الميادين تقريباً، رزقهم من أعمال بسيطة مثل السباكة والخياطة وسياقة العربات والحرف اليدوية، حيث يكسب الواحد منهم ما متوسطه 87 دولاراً شهرياً، بالمقارنة مع 95 دولارا للهندوسي.

 

المسلمون والتعليم:

والأسوأ من ذلك كله انه في حين أن 70 بالمئة من أولاد الهندوس ما بين سن السادسة و14 يذهبون إلى المدرسة فإن نصف أولاد المسلمين فقط يفعلون ذلك ففي كثير من الأحيان يخرج الآباء المسلمون أولادهم من المدرسة ليساعدوهم في كسب رزق العائلة. لكن في السنوات القليلة الماضية انصرف في المدارس المزيد من الطلاب المسلمين لاسيما الإناث كردة فعل على تغليب الطابع الهندوسي على المدارس العامة.

 

والآن تنخفض نسبة التعليم بين المسلمين خمس نقاط عن المعدل الوطني، ويقول الخبراء أن الهوة مرشحة للاتساع باطراد، لتزيد من مآسي المسلمين الذين يعانون مرارات الفقر وذل التمييز الذي يصل إلى حد التطهير الديني في بعض القرى.

 

مع التقدم الاقتصادي الكبير الذي تحققه الهند في بعض الميادين، خصوصاً تكنولوجيا المعلومات، يجد المسلمون أنفسهم في مواجهة خطر أن تمضي البلد قدماً تاركة إياهم وراءها. فضلاً عن مواجهة إخفاقات مجتمعهم ككل.

 

ويقول بعض النقاد أن مسلمي الهند ركزوا كثيراً على الشكوى والتظلم وقليلاً جداً على الإنجاز. فمعدل تسجيل الصغار في المدارس عند المسلمين اقل بنسبة 15 بالمئة منه عند الهندوس، وهذا ما يفسر كون نسبة التعليم بين الذكور المسلمين اقل بـ 6 بالمئة منها بين الهندوس. وهذا الوضع يغذّي دورة ضآلة الإنجازات.

 

لكن مع ذلك كله هناك بوارق أمل ففي مدينة اور انجاباد بولاية مهاراشترا، تمكن مجمع من 75 كلية خاصة من اجتذاب جيل جديد من الطلاب المسلمين، أكثر من نصفهم من الفتيات وقد بدأ هؤلاء يتفوقون على إقرانهم في الامتحانات التي تجري على مستوى الولاية. وفي مدينة حيدر آباد، فان 30 بالمئة من الطلاب الذين يدرسون إدارة الأعمال في المركز الأكاديمي العالمي هم من الفتيات المسلمات.

 

وفي هذه الأوقات المظلمة ينير هؤلاء الطلاب الدرب نحو بلد أكثر انسجاماً وشمولية. وفي النهاية الإمكانيات الاقتصادية هي اليد العليا التي ستمنح للمسلمين حصة في مستقبل الهند.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply