نص السؤال لماذا الإنكار على من قاموا بحرق سفارتي النرويج والدنمارك أليس من حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نذود عنه، وإذا كان الاعتداء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس وليد اليوم فما هو التوجيه الرباني للتعامل مع مثل هذا الأمر وكيف يكون الرد على من أساء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فواجب على المسلمين أن يثوروا ويغضبوا إذا انتُقِص من قدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن غضبتنا لله ولرسوله يجب أن تنضبط بضوابط الشرع، فلا نحيد عن النهج القويم الذي رسمه لنا رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - والاعتداء على من دخلوا أوطاننا بأمان فيه مخالفة لأمره - صلى الله عليه وسلم - بوجوب الوفاء بالعهود والمواثيق، وعلينا أن نفعل شيئا عمليا للدفاع عن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ومن أهم ذلك الالتزام بهديه واتباع سنته، وتعريف الناس على أخلاقة وشمائله..
يقول الشيخ عصام الشعار الباحث الشرعي بالموقع-:
إذا كان الحدث الأخير الذي هز كيان الأمة الإسلامية والذي تمثل في الرسوم الكاريكاتورية التي تضمنت إساءة إلى الحبيب - صلى الله عليه وسلم - قد آلمت كل طاهر وشريف إلا أن الجانب المشرق في الأمر أنه أثبت أن هذه الأمة لم ولن ينقطع منها الخير، كما أخبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - "الخير في و في أمتي إلى يوم القيامة "
ولكن الذي يجب التذكير به هو أن العاطفة المجردة التي لا تستضيء بنور الشرع والعقل ستفسد أكثر مما تصلح، وضررها على الأمة أكبر من نفعها، وهذا ما وقع من بعض الذين حملوا بين ضلوعهم عاطفة نبيلة للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لم يهتدوا بشرع الله - عز وجل - ولم يقتدوا برسوله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجوا ليذودوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأساءوا من حيث أرادوا الإحسان، فكان منهم التخريب والتحريق لبعض الكنائس ومقار السفارات الموجودة في دول إسلامية، واللهُ ورسولُه من ذلك براء، فقد واجه القوم الظلم بظلم أشد منه، فقد جهل القومُ قوله - صلى الله عليه وسلم - "من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهدهº فليس مني ولست منه"صححه الألباني، وقوله "أَلَا مَن ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَو انتَقَصَهُ حَقَّهُ، أَو كَلَّفَهُ فَوقَ طَاقَتِهِ، أَو أَخَذَ مِنهُ شَيئًا بِغَيرِ طِيبِ نَفسٍ, مِنهُ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَومَ القِيَامَة" رواه أبو داود، وفي الحديث "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً. " رواه البخاري..
فإذا كان لزاما على الأمة أن تنكر ما حدث، وأن تهب وتنتفض لنصرة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، لكن لا يجوز بحال أن نخالف أمر الله - تعالى- وأمر رسوله بالاعتداء على من دخلوا أرضنا بأمان، بل الواجب علينا أن ننزل على حكم الله ورسوله وأن يكون لسان الحال والمقال "سمعنا وأطعنا"..
وإذا أردنا أن نعرض الأمر على كتاب الله - عز وجل - لنتعرف على الأسلوب الذي تعامل به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من أساءوا إليه، فسنجد أن القرآن قد فصل ما يتعلق بهذه الواقعة تفصيلا شافيا في مواطن عدة، فالتطاول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس وليد اليوم، بل كان ولا يزال، ولنقف مع أواخر سورة الحجر في قوله - سبحانه -: "وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدرُكَ بِمَا يَقُولُونَ. فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعبُد رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ".
فالله - سبحانه وتعالى - علم ما في صدره - صلى الله عليه وسلم - بحكم طبيعته البشرية- من ضيق وانقباض بسبب ما تعرض له من سب وإيذاء واستهزاء به وبما جاء به، فكان الأمر من الله - تعالى -"فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعبُد رَبَّكَ " فأمره - سبحانه - بأربعة أشياء: بالتسبيح والتحميد والسجود والعبادة، وأصل التسبيح في اللغة الإبعاد عن السوء، ومعناه في عرف الشرع تنزيه الله - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، والتسبيح قد يستعمل في معناه الكنائي مع معناه الأصلي فيفيد الإنكار على المشركين فيما يقولون، أي فاقتصر في دفعهم على إنكار كلامهم، وهذا مثل قوله - تعالى -: "قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً" -سورة الإسراء: 93-.
والمعنى ما تجده في صدرك من ضيق وحرج بسبب إيذائهم وتطاولهم لا يشغلك عن إبلاغك رسالة الله وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم واشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته يكفك الله من ذلك ما أهمّك..
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر لا يملك نفسه أن لا يضيق صدره وهو يسمع الشرك بالله، ويسمع الاستهزاء به وبما جاء به، فيغار على الحق، ويضيق بالضلال والشركº لهذا يؤمر أن يسبح بحمد ربه ويعبده، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من القوم، ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة، حتى يأتيه اليقين الذي ما بعده يقين.. الأجل.. فيمضي إلى جوار ربه الكريم.
ولكن كيف يكون الإقبال على هذه الطاعات سبباً لزوال ضيق القلب والحزن؟
فقال أهل السنة: إذا نزل بالعبد بعض المكاره
فزع إلى الطاعات كأنه يقول: تجب على عبادتك سواء أعطيتني الخيرات أو ألقيتني في المكروهات. [1]
نخلص مما سبق أنه يجب على الأمة أن تنكر ما حدث من سخرية واستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن تنتصر لدينها ونبيها، وأن لا تألو جهدا في ذلك، ولكن يجب أن يتم ذلك بصورة لا تسيء للإسلام ولا لنبي الإسلام، فالآخر صورته الذهنية عن الإسلام تتكون من ما يراه من واقعنا وأفعالنا، وليس من استقراء تاريخنا وتراثنا، وعلينا أن نستثمر هذا الحدث استثمارا جيدا في عرض الوجه المشرق المنير الذي لا يعرفه الغرب عن الإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - أما أن يكون الخراب والتدمير فهذا ليس من الإسلام في شيء فنبينا - صلى الله عليه وسلم - "ماانتقملنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى" متفق عليه، وأوذي - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأهله، وما كان منه - صلى الله عليه وسلم -، إلا الصفح الجميل، فلم يهدر دم الذين آذوه في مكة والطائف ولم يهدر دم من طعنوا أم المؤمنين عائشة -وأحب زوجاته إلى قلبه- في عرضها بل كان منه الصفح الجميل بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" "وَليَعفُوا وَليَصفَحُوا أَلَا تُحِبٌّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ".
ونؤكد على أن النصرة الحقيقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكون برجوع الأمة إلى كتاب ربها واقتدائها بنيها - صلى الله عليه وسلم - فالذي يعصي أمره ومصر على الإعراض عن سنته فهذا ما أحب رسول الله، وكما يقول صاحب أضواء البيان في تفسير قوله - تعالى - "قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم" علامة المحبة الصادقة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هي اتباعه - صلى الله عليه وسلم -، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر. إذ لو كان محباً له لأطاعه.
نسأل الله - تعالى- أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه.. آمين.
والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد