ماذا وراء مؤتمر عمرو خالد في الدنمارك؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تزال الحكومة الدنمركية مصرة على الاستكبار والصلف والتجاهل لمطالب المسلمين في الدنمرك والعالم, وسياسة الهروب إلى الأمام, مشددة على أن الأزمة التي أحدثتها الرسوم المسيئة لمقام النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أزمة مختلقة افتعلها من تسميهم بالأئمة المتطرفين في الدنمارك, وتعني بذلك الأئمة المنضوين تحت "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية" ومقرها الدنمارك، وتشن عليهم الصحف الدنمركية حملة شعواء متهمة إياهم بالإساءة إلى مصالح الدنمارك، فيما تتعالى الدعوات بطردهم من البلاد من داخل الائتلاف الحاكم نفسه, الذي صرح بعض أعضائه بأنه سيتم إعادة النظر في إقامة هؤلاء الأئمة بعد أن يعود الهدوء.

وإمعاناً في المغالطة قامت الحكومة بتشجيع جمعية "شبكة المسلمين الديمقراطيين" التي يقودها النائب في البرلمان الدنماركي، وعضو حزب اليسار الراديكاليº ناصر خضر - السوري الأصل - الذي عرف بتبرئه من الإسلام مفتخراً بإنكاره لأحكام الشريعة، وقد ضمت هذه الشبكة مجموعة من العلمانيين من ذوي الأصول المسلمة ممن يجمعهم الحقد على الإسلام, ومن عجائبها أن أغلب المنخرطين فيها هم من الدنماركيين المعادين للإسلام، الذين انضموا للجمعية بدعوى مساندة المسلمين الديمقراطيين، ولقطع الطريق على أية محاولة قد يقوم بها المسلمون لاختراق الجمعية، وتحويلها عن هدفها في محاربة الإسلام باسم المسلمين، وقد صرح ناصر خضر: "لقد اشترطنا على من يريد الانضمام إلينا،التوقيع على حقوق الحرية، وأن يعترض على حكم الإعدام، وبالتالي لا يؤيد أي عضو من الأعضاء الشريعة الإسلامية كقانون, بينما يحق له أن يعترف بها كدين لا دنيا"! كما تؤكد الجمعية على حرية التعبير والفن كما تراها، وتعني حرية نشر الرسوم المسيئة, وعلى حقوق الأفراد الجنسية وتعني حقوقهم في الدعارة وممارسة الشذوذ.

هذا وقد سارع رئيس الحكومة إلى مقابلة قيادات هذه الجمعية التي يراد فرضها ناطقة باسم المسلمين في الدنمارك لأنها تمثل الإسلام المطلوب, في حين لا يزال يرفض مقابلة القائمين على "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية"، التي تمثل أغلب المسلمين في الدنمارك أي أغلب الجمعيات والجاليات المسلمة الكبيرة فيها وخاصة العربية والتركية، والباكستاية والصومالية, ويرأسها الشيخ رائد حليحل، فيما يشغل إياد عكاري الناطق الرسمي باسمها إلى جانب الشيخ أحمد أبو لبن الذي يعد أهم رمز إسلامي في الدنمارك، وأحد أهم الرموز الإسلامية في أوروبا الغربية, فيما تعد الجمعية التي يرأسها وهي "الوقف الإسلامي في الدنمارك" أكبر جمعية إسلامية في كوبنهاغن, وأنشط جمعية في البلاد الاسكندينافية في مجال الدعوة الإسلامية.

وفي إطار النفخ في ما يسمى "شبكة المسلمين الديمقراطيين"، فقد صرحت "ركي فلسهوي" وزيرة الاندماج في الدنمرك بأنه: "ما كان من المتوقع ظهور فريق من المسلمين المعتدلين على الساحة, فهذه فرصة يجب أن نغتنمها"، ثم أضافت: "لقد أعددت لهم 4 ملايين كرونة - ما يعادل 650 ألف دولاراً - وهناك المزيد إن استطاع هؤلاء الناشطون دفع عملية الاندماج إلى الأمام"، ويعرف كل من يعيش في الدنمارك أو له اطلاع على الوضع فيها أن عملية الدمج والاندماج التي يطالب بها ائتلاف اليمين الحاكم لا تعني غير التذويب والانصهار.

وفيما الساحة الدنماركية تشهد هذا الغليان والاحتقان بسبب عنجهية الحكومة اليمينية المتطرفة المصرة على عدم الاعتذار للمسلمين هي والجريدة الآثمةº التي وصل بها التطاول والوقاحة وازدراء المسلمين إلى نشر تكذيب للإعلان الذي قام به بعض رجال الأعمال الدنماركيين باسمها في بعض الصحف العربية، وزعموا فيه أنها تعتذر للمسلمين عن نشر الرسومات المهينة, بل هددت الصحيفة بمقاضاة هؤلاء الذين تحدثوا باسمها، ونسبوا إليها اعتذاراً لم يصدر عنها!.

في هذا الوقت صرح طارق رمضان المعروف بدعوته لما يسميه بـ"الإسلام الأوروبي" لبعض الصحف الدنماركية - حسبما أبلغني به للشيخ رائد حليحل رئيس "اللجنة الأوربية لنصرة خير البرية" - قائلاً: "أحمل الأئمة مسؤولية كل ما جرى لأنهم حولوا القضية من شأن داخلي في الدنمارك إلى قضية عالمية"، وقد كانت تصريحات طارق رمضان تلك طعنة لأئمة المسلمين في الدنمارك, في الوقت الذي يتعرضون فيه إلى حملات التشويه الشعواء, والمعلوم أن طارق رمضان يرى أن من سمات "الإسلام الأوروبي" المنشود الابتعاد عن قضايا العالم الإسلامي التي تُظهر المسلمين أنهم مزدوجو الولاء، والانخراط في القضايا الأوروبية لضمان اندماجهم في مجتمعاتهم الأوربية، وتقبل الآخرين لهم, وقد سبق أن تعرض إلى انتقادات قوية من الشيخ يوسف القرضاوي في بريطانيا على بعض توجهاته المغالية في تفلتها فضلاً عن انتقادات غيره من العلماء.

لكن يبدو أن الرجل مصر على منهجه, وخاصة أن بعض الغربيين ينفخون فيه، ويكتبون أنه من المتوقع أن يلعب في المستقبل بين المسلمين الدور الذي لعبه لوثر بين النصارى، أي أنه تجسيد "للبروتستانتية الإسلامية" المطلوبة, وعند زيارته إلى العاصمة النرويجية أوسلو في شعبان المنصرم بدعوة من الجامعة أوسلو لتقديم محاضرات عن الإسلام كما يراه كان محل اهتمام كبير جداً من الإعلام النرويجي بما فيه التلفزيون الرسمي الذي عرض مشاهد من محاضراته التي ألقاها في مسجد "الرابطة الإسلامية", حيث جلس الشباب والفتيات جنباً إلى جنب في قاعة الصلاة المخصصة للرجال, بمن فيهم غير المسلمات من الفتيات النرويجيات, وكانت هذه فرصة للتعريف بنموذج من "الإسلام الأوروبي" المنشود, وقد وصفته الرابطة في إعلاناتها بأنه "أحد أبرز العلماء التقدميين في أوروبا"!, منوهة بأنه "أحد من عينهم توني بلير في مجلس مقاومة التطرف الإسلامي".

وجاءت تصريحات طارق رمضان هذه لتحرج أئمة المسلمين في الدنمارك أكثر, وتذكي نار الحملة عليهم بأنهم متطرفون لا يمثلون المسلمين المعتدلين حسب توصيف الحكومة الدنمركية, وبالتالي الإصرار على رفض التحاور مع هؤلاء الأئمة في القضايا التي تمس الإسلام والمسلمين في الدنمارك باعتبارهم متطرفين وليسوا أهلاً للحوار, رغم التفاف أغلب الجاليات المسلمة في الدنمارك حولهم كما أسلفنا.

وفي هذا الخضم طلع علينا ما يسمى بمؤتمر الحوار الذي يعتزم الداعية عمرو خالد إقامته في الدنمرك بالتنسيق مع الحكومة الدنمركية, وبتجاهل تام لأئمة المسلمين في الدنمارك، بل ويصرح: "لن ألتقي بالمتطرفين من الجهتين"، وهو انحياز شبه تام للحكومة الدنمركية التي تصف الأئمة بالتطرف, لأنهم قاموا واستنكروا الإساءة إلى مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورغم أنهم لم يوصلوا الأمر إلى البلاد العربية والإسلامية إلا بعد أن فشلت كل محاولات الحوار مع الحكومة الدنمركية التي عمت وصمت ورفضت حتى مقابلة أعضاء السلك الدبلوماسي الممثل للدول الإسلامية.

ولم تكن احتجاجات الأئمة ومن وراءهم المسلمين تحت لواء "اللجنة الأروبية لنصرة خير البرية", إلا ردود فعل سلمية, وفي إطار مراعاة القوانين الدنماركية, وهو حق تخوله لهم الديمقراطية التي تتشدق بها الحكومة, ولا ننسى أن الحكومة النرويجية قد سارعت إلى الضغط على رئيس تحرير الصحيفة النصرانية المتصهينة حتى يعتذر إلى المسلمين على الهواء في مقر وزارة العمل والاندماج وبدعوة من الوزارة, فضلاً عن الأوامر التي أصدرها وزير الخارجية النرويجي منذ بدايات الأزمة إلى البعثات الدبلوماسية في العالم الإسلامي لإظهار الأسف، وعدم رضا الحكومة النرويجية عما صدر, ولا نريد بهذا تزكية الحكومة النرويجية ولا الدعاية لها, فلا تزال عليها مؤاخذات وخاصة على "حزب العمال" الذي يصر - رغم اعتراض حزب اليسار الاشتراكي شريكه في الائتلاف الحاكم, على عدم سحب القوات النرويجية من أفغانستان -, ولكننا بصدد بيان الفارق الهائل بين موقفي الحكومتين الاسكندنافييتين, مما يدل على مدى الصلف والتطرف الذي تتسم به الحكومة الدنماركية الحالية والتي تتعرض هذه الأيام إلى انتقادات كبيرة من أحزاب المعارضة وخاصة "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" على مواقفها الرعناء في أزمة الرسوم المسيئة إلى مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا نجد مواقف المعارضة الدنماركية أفضل من مواقف طارق رمضان، وعمرو خالد!

ولاستجلاء حقيقة المؤتمر الذي تموله وتدعمه الحكومة الدنماركية، والذي من المقرر افتتاحه يوم الثامن من مارس الحالي, ودور عمرو خالد فيه, ووصفته الآلة الدعائية للحكومة الدنمركية بأنه "مؤتمر كبير للتهدئة والاعتدال في الثقافة والدين", اتصلت بفضيلة الشيخ رائد حليحل رئيس "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية" المقيم في مدينة "أوغوس" في الدنمارك فوجدته في غاية الحزن من الطعنة التي وجهها لهم عمرو خالد، وفشل كل محاولات ثنيه عن صنيعه, سواء عبر اتصالهم به مباشرة، أو عبر الغيورين من العلماء والدعاة في أوروبا والعالم الإسلامي, وقد ذكر لي الشيخ رائد حليحل أنهم اتصلوا بجملة ممن ادعى عمرو خالد اعتزامهم المشاركة في مؤتمر الحكومة الدنماركيةº فنفوا ذلك نفياً قاطعاً مثل: الشيخ سلمان العودة، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، والمفتي علي جمعة, وقد أوجز لي الشيخ رائد حليحل نقاط الاعتراض على هذا المؤتمر فيما يلي:

1ـ أنها مبادرة متأخرة قامت على فكرة أن الحكومة الدنماركية ترغب فعلاً في الحوار, في حين أن الواقع غير ذلك.

2ـ أن مبادرة عمرو خالد ليس فيها تنسيق مع العالم الإسلامي ومرجعياته الدينية، لأن القضية تهم أمة المسلمين جمعاء, وأن قضية بهذا الحجم لا يكفي فيها جهد فردي مهما كان تميزه.

3ـ تغافله عن مسلمي الدنمارك وعدم تنسيقه معهم, أو لقائه بهم, خاصة أن الحكومة الدنمركية لم توجه لهم دعوة للحضور.

4ـ هذا المؤتمر مناورة من الحكومة الدنماركية لضرب المسلمين في الدنمارك، وتكريس تهميشهم أكثر, والالتفاف على القضية الأساسية والأم.

كما ذكر لي الشيخ رائد ما هو معلوم عن العلاقة الوطيدة التي تربط عمرو خالد بطارق رمضان داعية "الإسلام الأوروبي" أثناء إقامته في بريطانيا التي يكثر طارق رمضان من التردد عليها, وخاصة وأنه عضو في "لجنة توني بلير لمحاربة التطرف".

هذا وحسب موقع "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية" فإن عمرو خالد لا يزال حتى الآن غير مكترث بالتحذيرات التي وجهت له, وقد صرح أشرف الكردي الناطق باسمه "إن عمرو خالد مدرك لهذه التحذيرات, ولكنه يتجاهلها"، كما صرح بأن "عمرو خالد لا يريد أن يملي عليه أحد خصوصاً جدول أعمال هذه المجموعة"، مضيفاً بأن "الحكومة الدنمركية هي التي وجهت لنا الدعوة إلى الدنمارك, و لهذا سوف ننسق الزيارة بناءاً على أجندة السلطات الدنماركية"!

كلمتي الأخيرة في هذا المقال هو نداء موجه إلى أهل العلم ودعاة الإسلام الصادقين والمتبعين لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يبذلوا الجهد في المحافظة على إسلام الأجيال الجديدة من المسلمين المقيمين في أوروبا إسلاماً موافقاً لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -, في مواجهة دعوات التذويب التي تحقق تقدماً كبيراً، وتسوق حتى من داخل الصف المسلم للأسف الشديد تحت دعاوى شتى أقلها المحافظة على صورة الإسلام والمسلمين حتى لا يقال عنا أننا متطرفون، وانعزاليون نرفض الاندماج

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply