بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مقال نشر في مجلة التمدن الإسلامي: السنة الرابعة، العدد الرابع 1938م.
موضوع تكلم عنه رئيس البعثة الصينية الإسلامية التي زارت دمشق في المدة الأخيرة، وقد سبق أن نشرت البعثة الصينية الإسلامية إلى مصر كتيباً عن الإسلام في الصين، وسبق أن كتب عن ذلك بعض المؤرخين والرحالين كتابات لا تشفي غليلاً، وهذا ما دعاني لأن أقتطف لقراء التمدن الإسلامي بعض ما كتبه الأستاذ عبد الرشيد إبراهيم الرحالة المسلم الذي حط رحاله أخيراً في اليابان للعمل وراء التبشير الإسلامي.
فقد زار الأستاذ عبد الرشيد وهو صحفي إسلامي كان يصدر صحيفة أسماها ((الفت)) في بلاد الروس ولكن الحكومة الروسية القيصرية أغلقتها فقام برحلة في العالم الإسلامي وألف كتاباً أسماه ((عالم إسلام)) اطلعت منه على جزأين طبع الثاني منهما عام 1328 هجرية في استانبول وقد ضمنه مشاهداته في العالم الإسلامي وأحاديثه مع كثير من رجالات المسلمين وعلمائهم وبعض رسوم وصور لطائفة من مشاهير المسلمين وكان لبحث انتشار الإسلام في اليابان القسم الأكبر من الجزء الثاني.
قال الأستاذ عبد الرشيد تحت عنوان دخول الإسلام إلى الصين في الصفحة 567 من الجزء الثاني ما ملخصه:
يروى أن قتيبة بن مسلم جاء في عام 93 للهجرة إلى الصين عن طريق بخارى - فرغانه - كاشغر، غير أن الصينيين يعتقدون اعتقاداً غريباً فهم لا ينكرون أن الإسلام دخل الصين عن طريق تركستان ولكنهم لا يصدقون ذلك كل التصديق إذ يرون أن دخول الإسلام عن طريق تركستان كان للمرة الثانية، أما دخوله للمرة الأولى فقد وصل الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قونتون ((كانتون)) وهم متفقون على القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوفد ثلاثة من السفراء إلى الصين يعدون منهم سعد بن أبي وقاص وقاسماً ولا يقطعون باسم الثالث منهم، وهم يشيرون إلى ضريحين في مقبرة كانتون يقولون بدفن قاسم في أحدهما وأن سعداً عاد إلى الحجاز.
وفي كانتون مسجد متداع غير جميل البناء يسمونه مسجد سيدنا سعد بن وقاص ويزيدون على ذلك بأن سعد بن أبي وقاص تزوج في الصين وأن أسرته ((واك - كوان)) الصينية والباقية هناك حتى زمن زيارة الأستاذ عبد الرشيد هي من نسله وأن سعداً ترك زوجته حاملاً وقد كثر أحفاده حتى أنهم ألفوا أسرة كبيرة.
وللصينيين مؤلفات تاريخية كثيرة تؤيد لا تؤكد نظريتهم هذه وهم يتلقون ذلك كحقيقة راهنة حتى أن لأحد كبار مؤرخي الصين ((داك - داي - يو)) كتابين في اللغة الصينية هما من كتب الصين التاريخية المعتبرة يؤكد فيهما ما قلنا واسم هذين الكتابين ((جيك - جاك - تاشو)) و((جيك - جاو - جانجوان)) وأن أحد علماء (يورنه ن) ترجم أحد الكتابين إلى اللغة العربية وأسماه ((الفصول الأربعة)) واسم هذا المترجم الشيخ يوسف ولكن هذا الكتاب المترجم لم يطبع.
والأستاذ عبد الرشيد لا يقنع بما قاله الصينيون ولا بما قرأه في كتبهم عن كيفية دخول الإسلام إلى الصين، ولكنه ينقل في الصفحة 514 حديثاً دار بينه وبين أحد علماء الصين عن الأدلة التي يثبت فيها الصينيون أن سعد بن أبي وقاص جاء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصين فيجيبه العالم الصيني بقوله: هذا ما يتناقله علماء الصين خلفاً عن سلف وهذا ما دونه بعض علمائنا في كتبهم منذ أربعمئة سنة.
فيقول الأستاذ عبد الرشيد إن روايتكم هذه تخالف ما رواه جميع مؤرخي المسلمين وسعد بن أبي وقاص توفي بعد خلافة عثمان في المدينة كما تقول الكتب المعتبرة.
فيجيبه العالم الصيني بما معناه: نحن لا نقول أن سعد بن أبي وقاص توفاه الله في الصين ولكن علماءنا يروون أنه جاء في عهد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى كانتون فأقام نحو ستة أشهر وكان يصحبه اثنان أحدهما قاسم وهذا توفي في كانتون وما زال قبره فيها معروفاً يزار.
أما المسجد الذي بناه سيدنا سعد بن أبي وقاص فأساسه باق حتى الآن ونحن جميع علماء الصين نعتقد هذا وفي كل مكان وزاد أن كلمة قتيبة معروفة لديهم غير أن كلمة قتيبة عرفت عام 95 للهجرة وقد كان في الصين إسلام وإذاً فقتيبة قد جاء الصين عن طريق تركستان أما سيدنا سعد فقد جاء الصين بحراً، وهناك أثر من ملك صيني يؤيد هذا وفي هذا الأثر ثناء كبير على الإسلام في الصين وقد كتب هذا قبل مائتي سنة.
وطال الحوار بين الرجلين وعاد العالم الصيني في الصفحة 516 وأكد له أن بعض الملوك تشرفوا بالإسلام أيضاً يدل على ذلك مسجد ستراه إذا زرت بكين (عاصمة الصين إذ ذاك) بالقرب من السراي وهذا المسجد بناه امبراطور ولا يمكن إنكار هذا.
الشكاية من العرب:
وأثناء الحديث شكا العالم الصيني من بعض العرب وقال إن رجلاً عربياً من المدينة اسمه حمزة جاء إلى الصين من جهة تركستان وجمع الكثير من الدراهم وصرفها على الفسق والفجور وقال إنه اختصم معه مرة لأنه دفع له ثلاثين دولاراً فادعى حمزة أن هذا المبلغ قليل وأنذره بأن جده رسول الله سوف لا يكون راضياً عنه! وقال الأستاذ عبد الرشيد إن هذا العالم الصيني كان يحسن العربية.
عدد مسلمي الصين:
ولكن الأستاذ عبد الرشيد لا يرى أن عدد المسلمين في الصين يزيد على 40 - 45 مليوناً بما في ذلك مسلمو منشوريا ولعل الله بارك بهم منذ زار الصين حتى الآن أو أن المكتومين منهم كثير عددهم وقد أمكن أن تسجل نفوسهم في ظرف من الظروف فبلغوا كما تقول البعثات الصينية نحو 50 مليوناً من النفوس.
الصلاة وتحريف الألفاظ العربية:
ويتكلم الأستاذ عبد الرشيد في الصفحة 522 وما بعدها عن كيفية أداء الصلاة في الصين ويقول إن الصلاة لا يؤديها إلا خواص الخواص وبعبارة أخرى يؤديها العلماء والمدرسون وعدد قليل من الأعيان والوجهاء وهم يؤدونها على المذهب الحنفي فيراعون الطهارة والنظافة مراعاة تامة ولكن مساجدهم غير نظيفة وأن في مساجدهم لوحات مكتوبة وفي المسجد ((نوجه)) كتابة بالخط الكوفي إلى جانبي المحراب كتبت فيها بعض الآيات والأحاديث ولكن هذا المسجد في حالة غير مرضية ((كهنة)) وفيه مع ذلك بعض الخطوط بالثلث والتعليق مما يعد نماذج من الآثار العتيقة والصنائع النفيسة.
وحينما يؤدي الصينيون الصلاة يلبسون السربوش ويشبه بغطاء الرأس في بخارى ويدخلون شعورهم الكثيفة تحته وهذا السربوش لا يستعملونه إلا في المساجد، أما العلماء فهم يؤدون الصلاة في المساجد بالعمائم والعمائم لا تتعدى المسجد والجميع يؤدون الصلاة على وجهها لا يخالفوننا في شيء.
ولكن الأستاذ عبد الرشيد يشكو من القراءة ويقول إن من يستمع إلى الإمام في الصلاة الجهرية يظن نفسه أنه لا يسمع قراءة القرآن أثناء تلاوتهم الفاتحة وأن تلفظ الحروف لا يشبه تلفظ الحروف العربية ويضرب لذلك مثلاً بـ((اهدنا الصراط المستقيم)) ويقول إنهم يقرأونها ((اهدنا نصرات)) وأنهم كلهم يقرأونها على هذا الوجه.
ويعقد فصلاً عن الكلمات العربية التي يستعملها مسلمو الصين في الصفحة 574 وهذا نص الكلمات التي لم ترق له كما سمعها.
انسالام عليكن - السلام عليكم
عمرو - كم عمرك
حلالو فيه - هل أنت متزوج
ولدو - هل لك أولاد
ملكو - أي ملكو - من أي مملكة
مانكه - أنت من أهل مكة
عالم فيه - أنت من العلماء
ويقول إنهم حينما يقرأون آية الكرسي بعد الصلاة يقرؤون هكذا ((من ذا الذي يشفع عندها)) وأنه إذا نبههم أحد إلى أنها ((عنده)) يقولون هذه عادة مسلمي الصين وعلماء الصين لا يقرون بالجهالة.
المدارس والأخوة الإسلامية:
ويقول إنه لا يوجد جامع إلا وإلى جانبه مدرسة وإن الحكومة العثمانية كانت أنشأت مدرسة في بكين. ويثني على المسلمين لأنهم إذا وجدت بين بعضهم خصومة فإن الأخوة الإسلامية والشئون الدينية لا تتأثر بهذه الخصومة.
إمبراطور مسلم:
وينقل عن أحدهم ويسميه إسماعيل أفندي ص 572 بأن إمبراطور الصين قبل رحلته بخمسمئة سنة كان من المسلمين.
معلومات متممة:
ويقول للمسلمين ((مفتي)) وأنهم رغم إخلاصهم لإسلامهم فإنهم محبون لقوميتهم حباً كبيراً فما يغضب الصينيين يغضبهم وينظرون لشؤونهم الخارجية بنظر القومية.
والكتب العربية في مدارسهم كثيرة ولكن المدرس يترجمها للطلاب باللغة الصينية.
ويصف المسجد الذي في بكين على مقربة من السراي فيقول إنه صار متهدماً ولكن القائم من بنايته يدل على أنه قد بناه أحد الأباطرة وهو على مقربة من السراي ومنارته تطل على السراي وهي مرتفعة عن الأرض ستة أذرع مربعة البناء من الرخام وقد نقشت عليها آية الكرسي وتحتها تاريخ بناء المسجد وما زال القائمون على المسجد يتقاضون بعض الأموال من السراي باسم الأوقاف الموقوفة على المسجد، ويروى أن أوقاف هذا المسجد كانت وافرة جداً.
ويروون أن الإمبراطور الذي بنى هذا المسجد كان مسلماً وأنه اشترط أن يكون حق الولاية عليه للأتراك ولا تزال أئمته ومتولوه من الأتراك.
وفي بكين غير هذا المسجد نحو ثلاثين مسجداً بعضها صغير جداً وبعضها خراب ولا يمكن أن يفرق الزائر بين المسلم والمجوسي ولكن بيوت المسلمين مكتوب عليها باللغة العربية كلمة التوحيد وعلى بعضها ((يا مفتح الأبواب)).
أما حوانيت المسلمين فقد رسمت عليها صورة إبريق أو صورة مسبحة، والعداوة الدينية شديدة بين المسلمين والمجوس، والمسلمون يعاملونهم بقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾[التوبة: 28] حتى أن المسلم لا يقبل أن يشرب الشاي أو غيره عند مجوسي، في حين أن العادات الأخرى عند المسلمين والمجوس واحدة فالمسلمون يطيلون شعورهم وأظافرهم ونساؤهم يصغرون أقدامهم.
ملاحظاتنا:
وبعد فقد أطال الأستاذ عبد الرشيد إبراهيم في البحث عن الصين وحبذا لو ترجم كتابه إلى اللغة العربية على أنا لا بد أن نلاحظ على الأستاذ ما قاله عن قراءة الصينيين فإن اللهجات كثيراً ما تختلف فيكاد يعتقد السامع الذي لم يألفها أن هناك زيادة أو تبديلاً في الحروف ونحن نرى حتى الآن بعض كبار علماء الأتراك لا يحسنون التفريق بين الضاد والظاء ونسمع بعضهم يكادون يلفظون ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ ((ولا الظالين)) وكثيراً ما أدت (عداوة الكار) على حد تعبير العامة أو عداوة الفقهاء التي قال بصددها ابن عباس بعدم جواز قبول شهادة بعضهم على بعض، إلى دعايات وخصومات ومشاحنات يذكرها الكثيرون منا.
على أنا نقول هذا من باب تحسين الظن بإخواننا المسلمين في الصين ونرى أن التبعة يحملها ملوك المسلمون وأمراؤهم وعلماؤهم وكل قادر على العمل منهم، فقد كان من واجب الجميع أن يشدوا الرحال أو ينتدبوا الوفود العلمية الثقافية ويقيموا الإرساليات العلمية في مكان إسلامي أو غير إسلامي لينشر الدين واللغة الرسمية للدين التي هي لغة القرآن ويرفع منار الثقافة الإسلامية عالياً ويعمل على توحيد الثقافة الإسلامية ويهدي جهلاء المسلمين حقيقة دينهم.
ما يحز النفس:
ومما يحز النفس ألماً: أنا لم نستطع أن نتفاهم مع إخواننا مسلمي الصين رأساً وهم بعثة علمية ثقافية إسلامية بل تفاهمنا معهم باللغات الأجنبية، وتفاهمنا مع بعضهم باللغة الانكليزية أو باللغة الفرنسية، ولولا وجود ترجمان اصطحبوه معهم لتعذر معهم أن يجدوا الطعام أو الشراب في بعض بلاد المسلمين التي لا يوجد فيها من يحسن اللغة الأجنبية. فهل يرضى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن أمته وقد وصل بها جماعاتٍ وأفراداً إهمال الدين واللغة إلى هذا الحد؟
كلمة استطرادية:
وكلمة استطرادية أيضاً فقد توفي من مدة قريبة شاعر هندي كبير هو من مفاخر الإسلام المرحوم/ السر محمد إقبال، فلم نجد بين المسلمين من ترجم له ترجمة صحيحة ولم نجد من الصحف الإسلامية اهتماماً يذكر به ولم نعرف سنة ولادته وسني بعض حوادثه بالتاريخ الهجري بل عرفناها بالتاريخ الإفرنجي....
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد