سائق السيارة وسورة البقرة

20 رمضان 1442 (02-05-2021)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أثناء خروجي من معرض الكتاب طلبت عبر تطبيق (....) سيارة توصلني للمنزل، ‏فوصل وإذا به شاب كما يقولون عادي - هكذا بدا - ولكن تبيّن أنه غير عادي !

‏سألني: تقرأ كُتُب ؟ استغربت سؤاله لأني كنت خارجاً من المعرض، فقلت: نعم، فقال: ما شاء الله ! كثير ؟، قلت: نعم، فقال: أما أنا فلا أكاد أقرأ ..

‏قلت: لماذا ؟ قال: القراءة من الكتب ثقيلة جداً علي أنا إنسان سماعي أحب المواد المسموعة، ولم أكمل في حياتي قراءة كتاب سوى كتاب لا تحزن للقرني..

‏ثم سألني: الآن مع كثرة قراءتك لهذه الكتب كيف قراءتك للقرآن؟ كيف تجد الفرق ؟ ..

‏والله يا إخوة وأخوات لما قال هذا الكلام شعرت برعشة عظيمة ..

‏قلت - وأنا أكاد أتعلثم : أولا يا أخي علي أن أعترف أني مقصر مع كتاب الله ولم أعطه حقه وأما الفرق بينها وبين القرآن فسرٌّ عجيب يتعذر علي وصفه، ‏ثم شرحت له ما فتح الله علي من ذكر الفروق بينها وبين القرآن ..

‏وأبرزها: أن آحاد الحق وأمثلته الجزئية في كل هذه الكتب أصلها الكلي في القرآن.

‏أخذ يهز رأسه ..ويبدي إعجابه، ثم قال:

‏أنا أقرأ القرآن صباح كل يوم ولو تركته لمرضت وخارت قواي ..أقرأ سورة البقرة كل يوم وتأثيرها جبار في نفسي..

‏وقال: أشهد أن ترك هذه السورة - كما أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) - حسرة ! ..هذا بالضبط ما أشعر به لو تركتها ..حقيقةً ..أشعر بحسرة وضياع..

‏أما أنا فغشيني صمت وسكون ..ولم يقرع قلبي كلام مؤثر وسهل في نفس الوقت مثل هذا منذ زمن بعيد ..ولكن هناك أمر أعجب من هذا لم أخبركم به !!

‏الأعجب من هذا

‏أنه لما قال هذا الكلام وهو يقود السيارة كنت في اليوم الأول مع أمي في نفس الموقع تقريباً وهي تقول نفس الكلام = ترك البقرة حسرة

‏كأن تيار كهرباء سرى في جسدي حين تطابقت مشاعر الأمس مع مشاعر اليوم بهذه الطريقة الغريبة المفاجئة

‏..فوراً سألت نفسي: ما الرسالة في هذا كله ؟

‏أضمرتُ هذا لنفسي ولم أفصح للشاب عما يعتمل في داخلي، ذقت حقاً لأول مرة معنى "الحسرة" بالانشغال عن كتاب الله بهذه الكتب البشرية التائهة اللاهثة..

‏وفي غضون انكفائي على نفسي وانشغالي بأمري كان الشاب إلى جانبي مستمراً في حديثه عن القرآن وسعادته اليومية به وابتهاجه الشديد بتأثيره العجيب ..

‏حزنت وفرحت

‏ابتهجت لبهجته وتألمت لنفسي ومن هم مثلي

‏تداعت إلى ذاكرتي صورة نفسي في ممرات معرض الكتاب ذهاباً وإياباً بين تلك الحشود البشرية مثلي..

‏وصلتُ المنزل

‏شكرته بحرارة وصافحني هو بودٍ شديد

‏حرصت على أخذ رقمه وفرح هو بذلك، وكنت أشد فرحاً منه ربما، وهو لا يعلم إذ يظنني المتفضل عليه !

‏تعلمت - هكذا أرجو ! - من هذه اللحظة العابرة شديدة التركيز في حياتي دروساً

‏ليس أقلها أن لله في عباده الحكمة البالغة (هو أعلم بكم) وأن الله لم ‏يجعل طريق التعرف عليه والوصول إليه وعراً شاقاً لمن أراده، كائناً من كان، وأن التولي عن الحق الأعظم إلى ما دونه قرارٌ نتخذه مهما بلغت ثقافتنا..

‏فكم لله من فرح مغمور وكم لله من شقاء مشهور !

‏كم لله من ولي مجهول وكم لله من عدو بلغ صيته الآفاق !

‏اللهم تولّنا وانفعنا بالحق الأعظم..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق