بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن من أعظم الواجبات وأهم المهمات تربية تلك الأسرة على الخير، ابتداء بالنفس ثم الأهل ثم الأدنى فالأدنى، وهذا من معنى قول الله تبارك و تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) فكل ولي من أب أو أم مجزي على جهوده خيرا أو محاسب عن تفريطه وإهماله، فالتربية ليست أمرا عارضا أو فكرة هامشية بل هي ضرورة ملحة تضرب بجذورها في الماضي لتعبر الحاضر وتمتد إلى المستقبل الآتي، والصلاح في الأولاد سعادة وأنس وطمأنينة وسكينة، وللهداية أسباب وطرائق ولها موانع وعوائق.
ولعلنا في هذه الحلقة بإذن الله تعالى نلقي الضوء على خمسة عشر معلما من معالم التربية الأسرية التي ينبغي أن يستحضرها كل مربي ومربية ينشدان النجاح والفلاح لهما ولذريتهما وهي على النحو التالي:
المعلم الأول: إن التربية تحتاج إلى جهد جهيد، لا يعرف الكسل ولا التواني وتحتاج إلى بذل لا يتوافق مع البخل، وحسبك من محامدها أن العبد يؤجر عليها وعلى بذله فيها، وبها يرفع في قدره ويضاعف في أجره بخلاف من ضيع وتساهل ولم يرع الرعاية اللازمة لرعيته.
إن استغفار ولدك لك هو سبب رفعة درجتك في الجنة، وهذا بتوفيق الله تعالى ثم مخرجات تربيتك.
المعلم الثاني: إن المربي الصحيح على منهج النبوة يبشر بقول الله تبارك وتعالى (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم). فهم يجتمعون في جنات النعيم إذا كانوا على الإيمان، ولا شك أن التربية على منهج النبوة من أهم الأسباب للثبات على الإيمان فالهداية من رب العالمين لكن إحاطتها بسياج التربية يزيدها تجذرا وثباتا.
المعلم الثالث: إن التربية للأسرة هي من أجل العبادات المتعدية فيثاب على إحسانه فيها كما يثاب على صلاته وصيامه وحجه وغيرها، فليخلص فيها لله رب العالمين، فلا يقصد بالتربية أن يقال إنه محسن أو يشار إليه بالبنان فهي عبادة تحتاج إلى الإخلاص ولا بد أن تكون تلك التربية على المنهج النبوي، فهما شرطان فيها (الإخلاص والمتابعة).
المعلم الرابع: إن إيجاد الإيمان والتوفيق والثبات في قلب رعيتك ليس بيدك، إنما هو بيد الله تبارك وتعالى يهدي من يشاء ويُضل من يشاء، لكن بيدك دلالة التوجيه والإرشاد، وهي دائرة واسعة قولية وعملية فمنها أمرهم ونهيهم ودعوتهم ورعايتهم والدعاء لهم وملاحظتهم وبذل الجهد الجهيد في ذلك فهم صدقة جارية لك.
المعلم الخامس: لا تعتمد على نفسك وتركن لقدرتك، ولكن فوض أمرك إلى الله تبارك وتعالى وتوكل عليه واستعن به، وابذل الأسباب الأهم فالأهم ولا تمل أو تغفل واعلم أنك معان من عند الله تعالى لأنك تريد رضاه وتعبيد ذريتك له فاستشعر هذا كثيرا.
المعلم السادس: لا تترك الدعاء لهم عامة وفي أوقات الإجابة خاصة فإن الدعاء سلاح وربما فشلت الأسباب وأفلح الدعاء فهو التجاء إلى الله تعالى وسؤال من بيده تثبيت القلوب، فسجداتك وآخر ليلك وسفرك وحجك وعمرتك وصيامك كلها وأمثالها أوقات وفرص للدعاء، فقد صلُح الكثيرون من الأولاد، وعند البحث والتحري عن الأسباب، تبين أن آباءهم وأمهاتهم لا يفترون عن الدعاء لهم فهي لفظات وكلمات ينطق بها لسانك ويحضر بها قلبك مع توسل وخضوع وفي أوقات الإجابة وبعد توبة صادقة، بعدها أبشر بالخير فلا تيأس.
المعلم السابع: إذا تضجرت من سلبيات في سلوك ذريتك وأسرتك وفعلت ما فعلت أو استنفذت الجهد، فعليك بالاستشارة لأهل الخبرة والتربية فهم سلكوا تجارب كثيرة وقرؤا وسمعوا وكانوا سببا في صلاح الكثيرين، فاستشرهم واستفد من خبراتهم فهم يختصرون عليك الطريق وينيرون لك المسالك فكن قريبا منهم.
المعلم الثامن: اعلم أنك مجزي الجزاء الأوفى في حال انك بذلت جهدك وسعيك ولكنك محاسب إن ضيعت وفرطت، فأنت بين هذين الأمرين وإنك مسؤول عن رعيتك، كما ثبت في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فاعمل عملا جادا ليكون جوابا لك عند الله تبارك وتعالى، سواء اهتدوا أم ضلوا فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
المعلم التاسع: إن التربية تتطلب مد جسور التواصل العاطفي مع الأولاد، لأن قبول التوجيهات بعد توفيق الله تعالى مقرون بالمحبة القلبية والجو العاطفي أكثر من غيرهما، فاعمل على إيجادهما ولو بالتدريج فإنهما مدخل كبير للتأثير الإيجابي والقناعات الثابتة.
المعلم العاشر: إن القدوة هي النقطة الأولى والمرتكز الأهم فنفسك ميدانك الأول فإن قدرت عليها فأنت على غيرها أقدر وعلى سواها أمكن، فابدأ بها فأصلحها، يُصلح لك الله رعيتك فإنهم يسمعون لفظاتك وينظرون تصرفاتك ويراقبون حركاتك فإذا سمعوا منك ما يناقض ما صدر عنك فسيقع الخلل وتصبح التربية كلمات جوفاء متناقضة
(لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم).
المعلم الحادي عشر: الرفق واللين مؤثران في النفوس ما لا تؤثر القسوة والغلظة وهذا ظاهر القرآن، قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم ويقول عليه الصلاة والسلام ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله) ويقول صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق) فعليك بالرفق والتأني والتأسي.
المعلم الثاني عشر: لا تتأخر في التربية حتى إذا تراكمت الأشياء ذهبت تسعى للحلول ولكن كن مبادرا من حال الصغر ولكل مرحلة من العمر ما يناسبها من أمور التربية فأنزل الأشياء منازلها ولا تؤخرها عن وقتها.
المعلم الثالث عشر: إياك والسكوت على منكر فعلوه فلا تُقرهم على خطيئة، فمن مقتضيات محبتهم حمايتهم من أنفسهم ومن أعدائهم، وبيتك هو مملكتك فلا ترضى المعصية فيه، وعندما ينشأ الأولاد على ذلك فسيكون سجية لهم مع أولادهم ومع الآخرين.
المعلم الرابع عشر: بعضنا أحيانا يُحسن اللوم والتقريع والتوبيخ عند حصول الخطأ، لكنه يغفل عن الثناء عند الأفعال الإيجابية والمشرفة، وبعضنا يُتقن الحساب والعقاب، لكنه يفشل في الجزاء والثواب، فتعرف على مواطن الإيجابية فكافء عليها ولو بالكلام الحسن، لكي تتعدد وتتكاثر هذه عند الأولاد عندما يرون منك ذلك التشجيع فهم يفرحون بهذا الثناء، وجرب هذه الاستراتيجية فهي غاية في النجاح والفلاح.
المعلم الخامس عشر: عند تحفيزهم وتشجيعهم في حوافز دنيوية فهذا جميل لكن لا تغفل عن تحفيزهم بالأجور الأخروية كأجر الإحسان وبر الوالدين والصلة ونحو ذلك فاربطهم في الآخرة حتى ولو كانوا صغارا، فلكل مستوى عُمري ما يناسبه من الحديث، وبهذا ينشأ الأولاد مرتبطين بالثواب الأخروي مع ما يجدونه من حوافز دنيوية من مال أو مأكول أو مشروب أو ملموس أو هدايا أخرى أو غير ذلك.
وأخيرا أخي الكريم هذه خمسة عشر معلما في التربية وغيرها كثير حاول استحضارها حالة تربيتك ولا يخطئك الطريق فتستعجل في بعض التصرفات حسب ما يمليه عليك حالة غضب أو سوء فهم أو نحو ذلك، فينتج عن هذا شرخ كبير في التربية يصعب علاجه، فإن التأني والرفق مفتاح لكل خير، بخلاف الكسل والتهاون والتسويف فإنها عقبات في طريق التربية ففرق شاسع بين هذا وذاك.
أصلح الله لنا جميعا نياتنا وذرياتنا وجعلهم قرة عين لنا ولأمتهم وأعاننا على القيام بالواجب تجاههم إنه سميع مجيب، وإلى حلقة أخرى بمشيئة الله تعالى
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد