الأسرة وإذاعة القرآن الكريم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مما لا شك فيه أن الأسرة تحتاج إلى التزود التربوي والعلمي والإيماني والاجتماعي، وغير ذلك مما يجعلها مترابطة ومتكاتفة ومتواصلة، وهي تستقي هذا الزاد من مشارب كثيرة منتقاة من مقروء ومسموع ومرئي، وإن من أهم تلك السبل والمجالات التي يمكن للأسرة أن تبذل حرصها عليه هو إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية؛ حيث بُذلت فيها جهود حثيثة وبرامج متنوعة من تلاوات وفتاوى، واستضافات ولقاءات، وجولات دعوية، وحوارات ومشاركات مجتمعية، وغير ذلك، فهي بحق المعلم الرائد في الإعلام، والمجال البارز في التربية، مما يجعل الأسرة مضطرة إلى متابعة برامجها المتميزة، والتي تزداد حسنًا وجمالًا كل يوم، وذلك بتوفيق الله تبارك وتعالى، ثم بجهود المخلصين فيها من إداريين ومشرفين وعاملين، فلهم من الجميع جزيل الشكر والعرفان، وقد لا يعرفهم الكثير، ولكن الله تعالى يعرفهم، وسيكون لنا مع هذه الإذاعة المباركة عشرون وقفة سائلًا الله تعالى أن ينفع بها الجميع.

 

الوقفة الأولى: إن للإعلام دورًا بارزًا في التوعية والتوجيه؛ حيث يسمعه ويراه الأكثرون؛ فهو المجال السائد والجانب الغالب في مجالات التوجيه، فكان علينا الاستفادة من برامج بناءة تهم أسرنا؛ تصحيحًا وتوجيهًا وتثقيفًا وتربية، مما يجعل الأسرة تستثمر تلك الجهود المبذولة في صلاحها وإصلاحها، وعلى رأس القائمة تلك الإذاعة المباركة إذاعة القرآن الكريم، فما أجمل أن تهتم بها الأسر سماعًا ومناقشة وتطبيقًا في الحياة العملية؛ مما يصحح المفاهيم، ويعزز الإيجابية، ويعالج السلبية.

 

الوقفة الثانية: هذه الإذاعة المباركة لها تاريخ عريق، فانطلاقًا من عناية واهتمام المملكة العربية السعودية حرسها الله بالقرآن وعلومه، ودعم مشروعاته في الداخل والخارج - جاء توجيه جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله بتأسيس تلك الإذاعة، وذلك في اليوم الثاني من شهر صفر من عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمنذ ذلك التاريخ بدأت الإذاعة المباركة بثها، وارتفع صوتها بالقرآن يتلى عبر أثيرها، فهي تقارب الآن السبعين عامًا بحمد الله تبارك وتعالى.

 

الوقفة الثالثة: هذه الإذاعة واكبت التطور الإعلامي الكبير في دخولها إلى منصات التواصل، وأسست بداخلها إدارة خاصة تحت مسمى إدارة الإعلام الرقمي، ومهمتها نشر تلك البرامج في وسائل التواصل، فجاءت بحمد الله تعالى على النحو الآتي:

أولًا: قناة الإذاعة على اليوتيوب؛ ليتسنى للجميع أن يسمعوا ما يشاؤون من البرامج، وتحتوي هذه القناة على أكثر من خمس عشرة ألف مادة إذاعية، ويشترك فيها أكثر من مائتي ألف مشارك.

 

ثانيًا: حساب الإذاعة على التويتر، وعليه أيضًا تستقبل المقترحات والملاحظات، ويتابعه قرابة نصف مليون.

 

ثالثًا: صفحة الإذاعة على الفيس بوك ويتابعها أكثر من ستمائة وستين ألفًا، وهي على مستوى العالم العربي والإسلامي.

وهذه الإحصائيات بحق إنها مشرفة لهذا البلد المبارك المعطاء.

 

الوقفة الرابعة: الإذاعة وهي بهذا المستوى العالي تضم برامج شامخة يجملها التنوع، ويحسنها الإخراج المبدع، ويرفع مستواها الطرح الجيد، وإن شيئًا بهذا المستوى لحقيقٌ بالمتابعة والتتبع تفقهًا وثقافة وطلبًا للعلم، فهنيئًا للأسر الذين عرفوا وتفقهوا في كثير من مسائل دينهم عبر هذه الإذاعة المباركة، فلجميع العاملين منا الشكر والعرفان، ومن الله تعالى الثواب الجزيل والأجر العظيم.

 

الوقفة الخامسة: إن من الجميل جدًّا أن تختار الأسرة برنامجًا يناسبهم، فيجتمعون عليه فيستمعونه ويناقشون فيه، فإن ذلك يضيف إلى تلك الأسرة معارف ومفاهيم جليلة، وهي كأنها دورة علمية تربوية لهم، ولربما اتسع الحديث في ذلك البرنامج بين أفراد الأسرة إلى مسائل أخرى جديرة بالطرح والمناقشة، فعلى الآباء والأمهات العمل على تحقيق ذلك مشكورين.

 

الوقفة السادسة: الإذاعة معك دائمًا في بيتك وسيارتك وجوالك، وحلك وترحالك، فاستفد من برامجها؛ فقد أُعدَّت بعناية، وروجعت بسداد وكفاية، وكانت في المتناول، فأي ساعة من ليل أو نهار تطلبها، فهي حاضرة معك بتلاوة أو فتاوى، أو طرح اجتماعي أو فقهي أو إخباري، فتنوعها هو سر جمالها، فهي صديقك الخليل وجليسك ومؤنسك، فهي بحق صرح شامخ ونعمة كبرى نشكر الله تبارك وتعالى عليها.

 

الوقفة السابعة: لتستثمر الأسرة تلك الإذاعة من خلال الأسئلة في برامج الفتاوى، فما عليك إلا المهاتفة فيأتيك الجواب غضًّا طريًّا من علماء محققين؛ فتستفيد ويستفيد الملايين بسببك.

 

الوقفة الثامنة: شارك في حساباتهم على التويتر والفيس بوك وغيرهما؛ لتأتيك البرامج في مكانك وعلى جهازك، لتستمع إليها متى شئت وكيف شئت.

 

الوقفة التاسعة: إن مما يجمل تلك الإذاعة ويجعل الإقبال عليها كثيرًا أنها لم تخاطب فئة معينة، وإنما خاطبت جميع الشرائح في المجتمع من الرجال والنساء، والصغار والكبار، وفي جميع الفنون الفقهية، والعقدية، والفكرية، والقرآنية، والسلوكية، وغيرها، فمن "بك أصبحنا"، إلى إصباحها به في اليوم التالي، وهي تتنقل من زهرة إلى أخرى إعدادًا وعرضًا وإخراجًا بذله المشرفون والمبدعون، كل ذلك قد بذلوه لي ولك، فلنستفد منها كما أرادوا هم منا.

 

الوقفة العاشرة: قامت بعض الأسر مشكورة بالتمديد الكهربائي لتلك الإذاعة في مجالسهم وفي مكان طهيهم؛ ليستفيدوا جميعًا، فهم يسمعونها وكأنهم حاضرون في أحد المساجد أو الصالات التربوية، فهي طريقة جميلة وجليلة ورائعة.

 

الوقفة الحادية عشرة: يقترح على الأسر وضع مسابقة للأبناء على بعض برامج الإذاعة؛ ليتابعوها عن كثب، فالمادة العلمية جاهزة، وما على الآباء والأمهات إلا المناقشة والتكريم لأولادهم عند تفاعلهم مع تلك المناقشات والفوز بها.

 

الوقفة الثانية عشرة: إن كنا نقول: إن عدد المشاركين فيها كبير، والمتابعين لها لا يُحصون كثرة - فثمة أناس في المجتمع ربما لا يعلمون كثيرًا عن هذه الإذاعة المباركة، فعلينا جميعًا الإشادة بها بين أسرنا وجلسائنا؛ ليعم الخير هؤلاء المباركين الحريصين على طلب المعرفة.

 

الوقفة الثالثة عشرة: مما يقترح على أفراد الأسرة تجاه تلك الإذاعة المباركة أن يكون لأحدهم برنامج في طلب العلم؛ فإنها باب كبير في هذا المجال في فنون متنوعة مع علماء أجلاء أفاضل محققين، وقد سلكت بعض الأسر ذلك المسلك فاستفادت وأفادت.

 

الوقفة الرابعة عشرة: علينا جميعًا نقل ما نستفيد من هذه الإذاعة المباركة على جلسائنا وأهلنا وقراباتنا؛ حتى يكون ما يتم طرحه له نصيب من كلامنا وطرحنا ومناقشاتنا؛ ليستفيد الجميع.

 

الوقفة الخامسة عشرة: على المشاركين في وسائل التواصل مع تلك الإذاعة نشر المواد العلمية وغيرها مما يردهم منها فيما يرونه مناسبًا للإرسال؛ نشرًا للخير ودلالة عليه.

 

الوقفة السادسة عشرة: كم هو جميل أن ينظر أفراد الأسرة في تلك البرامج المطروحة، فيُنتخب لكل برنامج منها فرد من أفراد الأسرة يتابعه، ويفيد أهله منه! وبهذا يكون الجميع قد استفاد من عموم البرامج المطروحة فيها.

 

الوقفة السابعة عشرة: قد يكون لدى كثير من المتابعين مقترحات وملاحظات ونحو ذلك، فالكادر الإذاعي والإداري يرحبون مشكورين بالملاحظات والمقترحات المدروسة، مما يعزز الجانب الإعلامي والعلمي فيها.

 

الوقفة الثامنة عشرة: في موقف عجيب ونادر، اختلف الرجال في مجلسهم في موسم الحج حول مسألة شرعية عن الحج يتناقشون فيها، فلما اختلفوا، ذكروا ذلك لجدتهم وهي كبيرة في السن، ولا تقرأ ولا تكتب، فذكرت لهم الخلاف في المسألة والراجح ودليله، وقالت بأنها عرفت هذا كله من خلال متابعتها لبرنامج نور على الدرب، ونرجو أن يكون كذلك كثير من الرجال والنساء.

 

الوقفة التاسعة عشرة: إن مما يهم الأسرة كثيرًا متابعة البرامج الآتية:

أولًا: بك أصبحنا، وهو منوع ومفتوح للمشاركات.

ثانيًا: برنامج مع القرآن، وهو تلاوات وما يتيسر من معاني تلك الآيات.

ثالثًا: سؤال على الهاتف، وهو غاية في الأهمية للأسرة.

رابعًا: محاضرة الأسبوع؛ بحيث يتم اختيار أبرز وأنفع المحاضرات لنشرها.

خامسًا: اقرأ القرآن، وهو يُعنى بالتلاوة والتصحيح للمشاركين، وغير هذه البرامج كثير.

 

الوقفة العشرون: أشاد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بالحرص على متابعة هذه الإذاعة، والتفقه من خلالها، والاستفادة من برامجها والمشاركة فيها، فرحمه الله رحمة واسعة، وشكرًا مرة أخرى للقائمين عليها، وأجزل الله تعالى لهم الأجر والثواب.

 

إن هذه اللمحات السريعة حول هذه الإذاعة يجعلنا نهتم بها تربية وتعلمًا وتعليمًا لنا ولأولادنا، مستفيدين ومشاركين في الرأي والطرح والملاحظة والمقترح، فالكل نافع ومفيد، وأختم بمقترح وهو أن كثيرًا من الرجال والنساء له رغبة في طلب العلم، والحضور في المساجد أو غيرها، لكنه مشغول بظروف تعيقه عن ذلك، فيمكن له أن يسلك هذا المسلك مع الإذاعة، وهو أن يوفر ذلك المتابع أو المتابعة بهذا البرنامج كراسة كبيرة مقسمة على برامج الإذاعة، أو عدة كراسات لكل برنامج كراسة خاصة به، ويحرر ما يسمعه من الفوائد الجمة في تلك الكراسات، ولا يكتفي بالاستماع فقط، بل يحرر ويكتب تلك الفوائد، فهو بذلك سيجني فوائد عديدة جدًّا يراها أمامه متى أرادها؛ فهي قريبة منه، بخلاف من اكتفى بالاستماع فقط، فهو وقتي، وقد يكون عرضة للزوال والنسيان، فتلك الفكرة هي من أسباب دخول الجنة؛ لأنها من طرق كسب العلم؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ [حديث صحيح].

 

آمل مراعاة ذلك من أحبابي الكرام، أسأل الله تبارك وتعالى للجميع من العاملين والمستمعين السدادَ والرشاد، والهدى والتقى، والقبول والإخلاص

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply